إنقاذ السياحة الأردنية يتطلب دعمًا دوليًا يتجاوز المحلي*أ. د. ابراهيم الكردي
الراي
يواجه القطاع السياحي في الأردن تحديات غير مسبوقة، فرضتها الأزمات الإقليمية، والضغوط الاقتصادية، وتداعيات الإغلاقات المتكررة، مما أدى إلى توقف جزئي أو كلي لعدد كبير من المنشآت، وتسرب مقلق للأيدي العاملة المدربة، وضعف القدرة التشغيلية والاستثمارية على حد سواء.
وبينما تُبذل جهود وطنية صادقة من الجهات الرسمية والقطاع الخاص، تبقى محدودية الإمكانيات المالية عائقًا حقيقيًا أمام تنفيذ خطط دعم شاملة أو تعويض الخسائر الفادحة. وهنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تفعيل الدبلوماسية السياحية، وفتح قنوات تعاون جديدة مع المؤسسات الدولية والهيئات الأممية، لإطلاق شراكات إنقاذ طويلة الأمد.
الأردن وجهة عالمية بمسؤولية دولية
السياحة في الأردن لم تعد محصورة في إطار محلي أو إقليمي، بل أصبحت تمثل جزءًا من الإرث الحضاري والديني الإنساني. فإلى جانب البترا، وجرش، ووادي رم، يتمتع الأردن بمكانة عالمية فريدة بفضل مواقع الحج المسيحي المنتشرة في عدة محافظات، وعلى رأسها المغطس (بيت عنيا عبر الأردن)، وجبل نيبو، ومادبا، وكنائس الشمال، وهي مواقع تشهد اهتمامًا واسعًا من الكنائس العالمية، والفاتيكان، والمنظمات المعنية بالحفاظ على التراث الديني.
إن حماية هذه الكنوز، وتطوير خدماتها السياحية، وتعزيز دورها الروحي والاقتصادي، مسؤولية دولية بامتياز. كما أن استقرار الأردن السياسي، واعتداله الثقافي، يجعله مؤهلًا ليكون مركزًا إقليميًا للسياحة الدينية والثقافية المستدامة، وللحوار الإنساني القائم على التفاهم والاحترام.
السياحة الدينية كنقطة قوة في التفاوض الدولي
يُعد البعد الديني في السياحة الأردنية ورقة قوة ناعمة يمكن البناء عليها في الملفات التفاوضية مع الجهات الدولية والكنسية، ومن ذلك:
مؤسسات الفاتيكان المعنية بالحج والحوار بين الأديان.
مجلس الكنائس العالمي والمنظمات المسيحية الأوروبية.
الهيئات غير الحكومية الدولية الداعمة لحماية المواقع المقدسة.
هذه الجهات يمكن أن تساهم فعليًا في تمويل مشاريع تطوير المواقع المقدسة، وتنفيذ برامج الحج المسيحي المنظم، وتحسين البنية التحتية المحيطة بالمواقع الروحية، بما يعزز من مكانة الأردن على خارطة السياحة الإيمانية العالمية.
خارطة الشراكات الدولية الممكنة
ثمة مؤسسات دولية تمتلك أدوات دعم حقيقية، يمكن للأردن التوجه إليها ضمن خطة واضحة، منها:
منظمة السياحة العالمية (UNWTO): للمساعدة في إعداد خطط تعافٍ واستراتيجيات طويلة الأمد.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP): لدعم السياحة المجتمعية وتوفير التدريب والتمويل للمشاريع الصغيرة.
اليونسكو (UNESCO): لحماية المواقع التراثية والترويج للسياحة الثقافية.
الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ): لدعم الابتكار في السياحة البيئية وسياحة المغامرات.
البنك الدولي والاتحاد الأوروبي: لتمويل تطوير البنية التحتية وتقديم منح ومساعدات فنية.
أدوات تفعيل الدبلوماسية السياحية
لتحقيق شراكات فاعلة ومثمرة، يُقترح اتباع سلسلة من الخطوات العملية:
1. تشكيل فريق وطني متخصص يضم خبراء من القطاعين العام والخاص.
2. إعداد ملفات احترافية مختصرة (Concept Notes) توضح أبرز التحديات والفرص السياحية بالأرقام.
3. تنظيم زيارات رسمية ميدانية للمؤسسات الدولية للاطلاع على واقع المواقع السياحية.
4. بناء قدرات العاملين في القطاع على إعداد المشاريع الدولية وصياغتها وفق المعايير العالمية.
5. تفعيل دور البعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج كجسور تواصل وترويج لفرص الاستثمار والشراكة.
دور صناع القرار السياحي
على صانعي القرار في وزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة، والجهات المعنية بالتخطيط التنموي، أن ينفتحوا بجرأة على المنظمات الدولية، وأن يُدرجوا هذا التوجه ضمن السياسات الرسمية، لا كبديل عن الجهود الوطنية، بل كمكمّل ضروري لها. فالمطلوب اليوم هو نقلة نوعية في إدارة الأزمة السياحية من خلال أدوات جديدة قائمة على التعاون الدولي والتنمية المستدامة.
خاتمة: من أزمة إلى فرصة
إن الأزمة الحالية قد تكون فرصة لإعادة هيكلة القطاع السياحي في الأردن على أسس أكثر استدامة وشمولًا. والشراكات الدولية ليست مجرد دعم مالي، بل رافعة حقيقية نحو التمكين، وبناء قطاع مرن ومبتكر قادر على الصمود أمام الأزمات المستقبلية.
السياحة الأردنية تستحق أن تُحفظ، وتُصان، وتُروّج عالميًا، لا بصفتها سلعة اقتصادية فحسب، بل باعتبارها رسالة حضارية وإنسانية، وشهادة حية على تاريخ هذا الوطن العظيم ومكانته بين شعوب الأرض.