عودة "خدمة العلم".. فرصة لاستثمار رأس المال البشري ورفع كفاءة الأجيال
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
مع قرار إعادة تفعيل خدمة العلم، يبرز بعد اقتصادي يحمل في طياته فرصة جديدة للشباب الأردني وسوق العمل في آن واحد، فالخطوة لا تقرأ فقط في إطارها العسكري أو دوافعها السياسية، بل يمكن النظر إليها كاستثمار في رأس المال البشري يسهم في رفع كفاءة الأجيال الجديدة وتعزيز انضباطها وإنتاجيتها.
ويرى اقتصاديون أن عودة خدمة العلم قد تشكل جسرا لتقليص البطالة بين الشباب، وتزويد الاقتصاد بمهارات عملية يحتاجها بشدة، كما يمكن من خلالها تحويل التحديات الديموغرافية والبطالة محليا إلى فرصة لإعادة ضخ طاقات جديدة في مسار التنمية الاقتصادية.
وكان ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني قد أعلن أول من أمس الأحد، خلال لقاء جمعه بعدد من الشباب والشابات، عن إعادة العمل بخدمة العلم، بعد سنوات طويلة من تجميدها، ويأتي ذلك في إطار رؤية وطنية شاملة للاستثمار في طاقات الشباب الأردني، بهدف إعداد المزيد من الشباب المنضبط والواعي، والقادر على الإسهام الفاعل في مسيرة التنمية وصون مكتسبات الوطن.
وصباح أمس، كشف وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة محمد المومني، ومدير الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي العميد مصطفى الحياري، تفاصيل برنامج خدمة العلم بصيغته الجديدة والمتدرجة.
وبين المومني أن الموارد المالية المطلوبة لبرنامج خدمة العلم مع الانطلاق ستكون 20 مليون دينار، حيث ستغطي المراحل التأسيسية والنفقات التشغيلية، مضيفا أن النفقات في هذا العام ستكون من النفقات الطارئة للموازنة، وفي العام المقبل ستخصص ضمن مبالغ أخرى للنفقات التشغيلية.
وقدر المومني حجم الموارد المالية المطلوبة في السنوات المقبلة بمعدل 13 مليون دينار، وسترتفع الكلفة كلما زاد عدد المكلفين، مشددا على أن كلفة البرنامج ستكون من الموازنة العامة للدولة، ولا يوجد أي دعم مالي من أي جهة.
وسيشمل البرنامج مسارين أساسيين؛ المسار العسكري الذي يشكل غالبية التدريب، والمسار المعرفي النظري الذي يقدمه مختصون مدنيون في مجالات معرفية واقتصادية وثقافية واجتماعية، بما يضمن التكامل بين التدريب العسكري والتأهيل المعرفي.
ويستهدف البرنامج حاليا 6000 شاب من الذكور مواليد عام 2007، ممن أتموا 18 عاما بحلول 1 كانون الثاني (يناير) 2026، موزعين على ثلاث دفعات تضم كل دفعة 2000 مكلف، ليتدرج بعد ذلك تصاعديا انطلاقا من 10 آلاف شاب.
دفعة اقتصادية لتعزيز استثمار رأس المال البشري
ويرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن خدمة العلم وقرار العودة إليها يتضمن أبعادا متعددة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والإدارية والأمنية والمعرفية.
وأوضح أن هذه الأبعاد المتعددة تؤكد وجود العديد من النتائج الإيجابية الناتجة عن إعادة العمل بهذه الخدمة، خاصة بأنه سيتم تصميمها وفق أدوات ووسائل تراعي التطور العسكري والتكنولوجي، وأهمية السلوك المنضبط القائم على الالتزام، مؤكدا أن تصميم البرنامج التجنيدي بشكل مناسب سيحوله إلى أداة فعالة للاستثمار في رأس المال البشري ومكمل للاستثمار التعليمي والمجتمعي.
واعتبر أن هذه العناصر جميعها ستسهم في إعادة تشكيل الشباب الأردنيين ليكونوا أكثر انخراطا في العملية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، مع تعزيز معارفهم ومهاراتهم، مشيرا إلى أن الأمر يمثل إعادة تأهيل إيجابية بمستوى مرتفع من الانضباطية.
وبين عايش أن الجانب الاقتصادي لخدمة العلم يتجلى في معالجة البطالة، خصوصا بين الفئات العمرية التي تواجه صعوبة في الحصول على فرص عمل، موضحا أن الخدمة توفر فرصا لاكتساب مهارات وانضباط يساعد على تسهيل اندماجهم في سوق العمل.
وأكد أن المهارات المكتسبة تشمل السلوك في العمل، القدرة على التحمل، إدارة العلاقة مع السوق، واتخاذ القرارات المناسبة ضمن بيئة العمل.
وأشار إلى أن الكثير من الشباب الذين لا يجدون فرص عمل يلجأون إلى الاقتصاد الرسمي، معتبرا أن التحاق جزء كبير منهم بخدمة العلم سيؤدي إلى تراجع طفيف في حجم سوق العمل الرسمي، وهو ما سيساعد الحكومة على توجيه برامج التأهيل والتوظيف بشكل أفضل لاحقًا
وأوضح أن الخدمة ستساهم في امتصاص فائض العمال المؤقت أثناء أوقات الركود الاقتصادي، خصوصا مع ارتفاع معدل البطالة إلى 21.3 %، موضحا أن المجندين الاحتياطيين لن يحسبوا خلال فترة التدريب ضمن معدلات البطالة التقليدية، مما يقلل الضغوط على سوق العمل.
ويرى عايش أن جودة رأس المال البشري سترتفع من خلال التدريب وتعليم المهارات الأساسية، ما يقلل فجوة المهارات في الاقتصاد ويجعل المجندين أكثر استعدادا للعمل بعد انتهاء الخدمة.
ولفت إلى أن اشتمال فترة التجنيد، على تدربيات معرفية وإنسانية وتقنية وإدارية ومهنية، سيضيف مهارات جديدة للشباب ويعزز جاهزيتهم لسوق العمل منذ لحظة التحاقهم.
امتصاص مؤقت للبطالة
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة، أن قرار إعادة خدمة العلم له أبعاد اقتصادية إيجابية، حيث يعد القرار استثمارا في الشباب غير العامل، ويوفر إضافة إلى إعداد الفرد من الناحية الجندية والقتالية، تدريبا مهنيا ومعرفيا يعزز المهارات.
وأوضح المخامرة أن للقرار دورا في استثمار رأس المال البشري، الذي يعد عاملا أساسيا في النمو الاقتصادي. بالتالي، يساهم قرار خدمة العلم في استثمار رأس المال البشري من خلال تقديم تدريب مهني وتقني، مما يبني مهارات قابلة للتوظيف في قطاعات مثل الصناعة والخدمات، خاصة أن الشباب في الأردن يعاني من نقص في المهارات المناسبة لسوق العمل، يمكن أن يساعد هذا التدريب في تحسين الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية.
كما أنه يعزز التماسك الاجتماعي، الذي يعد جزءا من رأس المال البشري الجماعي، مما يدعم الاستقرار الاقتصادي.
وبين المخامرة أن استثمار رأس المال البشري يعد مهما إلى درجة كبيرة، حيث يعد محركا رئيسا للنمو الاقتصادي المستدام في الأردن، ويساهم في رفع الإنتاجية، تعزيز الابتكار، وتقليل الفقر، خاصة مع تسجيل مستويات نمو سنوية متواضعة منذ فترة لم تتجاوز 2.5 %، لافتا إلى أن دراسات عالمية تشير إلى أن زيادة الاستثمار في التعليم والتدريب يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسب تصل إلى 5-10 % على المدى الطويل.
وأشار المخامرة إلى أن هناك أبعادا اقتصادية إيجابية أخرى لخدمة العلم، تتمثل في المساهمة في امتصاص البطالة مؤقتا من خلال توظيف الشباب غير الموظفين في برنامج مدفوع، مما يخفف الضغط على سوق العمل، وعلى الأسر.
ويرى المخامرة أنه لتحقيق أقصى استفادة من عودة خدمة العمل خلال الفترة المقبلة، يجب العمل على ربط جزء من البرنامج باحتياجات سوق العمل وضمان متابعة الخريجين لضمان انتقال سلس إلى التوظيف.
الارتقاء بدافعية الشباب لدخول سوق العمل
واتفق أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري مع سابقيه على أن قرار إعادة تفعيل خدمة العلم يحمل آثارا اقتصادية واجتماعية إيجابية للغاية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للشباب وارتفاع معدلات البطالة في صفوفهم، مما سيمكن في الحد من مشكلة البطالة مؤقتا والمساهمة في تأهيل الشباب للسوق العمل.
وبين الحموري أن خدمة العلم تمثل فرصة حقيقية للاستثمار في رأس المال البشري الذي يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، حيث سيتم تأهيل الشباب الأردني من حيث التربية الوطنية والاجتماعية والجسدية، والمهاراتية والمعرفية، ما ينعكس على قدرات الشباب، ويزرع فيهم روح العمل والعطاء، ويرفع من دافعيتهم للدخول سوق العمل والمبادرة الاقتصادية.
وأشار الحموري إلى أن مؤسسة القوات المسلحة- الجيش العربي الأردني، تعد نموذجا ناجحا في إدارة الموارد، فكيف عندما يتعلق بالموارد البشرية، فحتما سيتم إدارتها على أعلى مستوى، وبالتالي سيكون هناك استثمار حقيقي في رأس المال البشري وتأهيل القوى البشرية المحلية، وعليه سيكون هناك إعادة ضخ لطاقات جديدة في مسار التنمية الاقتصادية.