أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    03-Aug-2025

هل يستطيع صندوق الضمان الاجتماعي أن يتحول إلى أداة استراتيجية لخفض الدين العام..؟؟*د.حمد الكساسبة

 الراي 

تشير البيانات المالية إلى أن الحكومة الأردنية مدينة لصندوق الضمان الاجتماعي بما يقارب 9.83 مليار دينار أردني، أي ما يعادل 57% من إجمالي أصول الصندوق.
 
إن معالجة هذا الوضع تتطلب تحولًا استراتيجيًا يعيد تعريف دور الصندوق من مقرض تقليدي إلى مستثمر فاعل يسهم في بناء اقتصاد منتج قادر على خفض الدين العام على المدى المتوسط والطويل. وعلى هذا الصعيد، أظهرت التجارب العالمية الناجحة في النرويج وسنغافورة أن صناديق التقاعد يمكن أن تكون أدوات فعّالة لدعم المشاريع الاستراتيجية وزيادة الإيرادات العامة مع الحفاظ على استدامة نظم التقاعد وأمان مدخرات المشتركين.
 
ويبدأ التحول المطلوب بمراجعة شاملة لمحفظة السندات الحالية لتحديد الجزء الذي يمكن تحويله إلى استثمارات دون الإضرار بسيولة الصندوق أو التزاماته. كما يمكن إنشاء برنامج رسمي لمبادلة جزء من الدين الحكومي بحصص استثمارية مباشرة في مشاريع وطنية استراتيجية. ومع تطبيق هذا البرنامج، يتم توجيه الاستثمارات تدريجيًا نحو قطاعات إنتاجية طويلة المدى مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، بما يعزز التدفقات النقدية المستدامة ويقلل اعتماد الدولة على الاقتراض الداخلي والخارجي.
 
وعلى صعيد آخر، يمكن للصندوق إصدار «سندات تنموية اجتماعية» بالشراكة مع القطاع الخاص والمستثمرين الدوليين، لتمويل مشاريع حيوية مثل الإسكان الميسر والبنية التحتية الخضراء. هذا النموذج، الذي أثبت نجاحه في البرازيل وجنوب إفريقيا، يتيح تنويع أدوات التمويل وخفض الدين العام دون تحميل الموازنة أعباء إضافية.
 
كما أن تعزيز دقة القرارات الاستثمارية يتطلب اعتماد نموذج ديناميكي لمحاكاة الدين العام لتقدير الأثر الحقيقي لأي استثمار جديد على المديونية. وإلى جانب ذلك، يمكن تبني آلية «العائد المشترك» التي تمنح الصندوق نسبة من الإيرادات المستقبلية للمشاريع المموّلة، بما يضمن تدفقات مالية طويلة الأجل تخفف من كلفة خدمة الدين. ويمكن دعم هذا النهج من خلال شراكات إقليمية مع صناديق عربية وخليجية، مما يوفر تمويلًا طويل الأجل لمشاريع وطنية كبرى ويقلل الحاجة إلى الاقتراض الحكومي.
 
وتشير التقديرات الأولية إلى أن هذه المقاربة قادرة على خفض الدين العام بنسبة تصل إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. ويستند هذا السيناريو إلى إعادة توجيه 10–15% من أصول الصندوق (أي ما بين 1.5 إلى 2.5 مليار دينار سنويًا) نحو استثمارات إنتاجية بدلاً من السندات الحكومية، مما يولّد عوائد إضافية تتجاوز 450 مليون دينار سنويًا. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التحول لا يعني شطب الديون الحكومية، بل إعادة هيكلتها تدريجيًا خلال فترة المبادلة لتحويلها من دين سلبي إلى أصول إنتاجية تحافظ على حقوق الصندوق والمشتركين.
 
وقد أثبتت التجارب الدولية نجاح هذا التوجه؛ فقد تمكّن صندوق التقاعد النرويجي من تعزيز الإيرادات وخفض المديونية عبر استثمارات إنتاجية طويلة المدى، فيما حققت دول مثل البرازيل وتشيلي وفورات مالية تراوحت بين 1 و2% من الناتج المحلي سنويًا عبر آليات مبادلة الديون بالاستثمارات. ولتعزيز الشفافية والثقة المجتمعية، يمكن إطلاق منصة رقمية تتيح للمواطنين متابعة استثمارات الصندوق وعوائده في الوقت الفعلي، كما هو الحال في كندا.
 
إن مستقبل الأردن المالي يتطلب قرارات جريئة تتجاوز الأدوات التقليدية. تحويل صندوق الضمان الاجتماعي إلى شريك حقيقي في التنمية وخفض الدين لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية لضمان الأمن المالي للأردنيين وتحويل مدخراتهم من مجرد أداة تمويل إلى قوة اقتصادية قادرة على دفع النمو المستدام وتأمين مستقبل أفضل للأجيال القادمة.