الدستور
يكتسب الترابط الاقتصادي بين الأردن وفلسطين أهمية متزايدة في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي، وتراجع الدعم الدولي، وتدهور الأوضاع المعيشية، خصوصًا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في المقابل، يواجه الأردن ضغوطًا اقتصادية كبيرة، ناجمة عن شح الموارد، وارتفاع نسب البطالة، والتضخم، ما يجعل التكامل الاقتصادي بين الجانبين خيارًا استراتيجيًا ومصلحة متبادلة، لا مجرد مسعى تضامني أو علاقة عبور.
غير أن هذا التكامل يصطدم بعقبات متعددة، أهمها اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1994، والتي كرّست التبعية الاقتصادية الفلسطينية للاقتصاد الإسرائيلي، وفرضت قيودًا مشددة على حرية التجارة الفلسطينية، بما في ذلك مع الأردن والدول العربية.
أولًا: جذور العلاقة الاقتصادية بين الأردن وفلسطين
الارتباط التاريخي والجغرافي بين الضفتين لم يكن يومًا طارئًا، بل هو نتاج روابط اجتماعية، عائلية، وقومية وثيقة، ترسّخت قبل الاحتلال الإسرائيلي وبعده.
كانت الضفة الغربية جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية حتى عام 1967، وهو ما خلق تشابكًا في البنية الاقتصادية ما زالت آثاره حاضرة، خصوصًا في مجال العملة، والتعليم، والخدمات.
بعد قيام السلطة الفلسطينية، حافظ الأردن على علاقات اقتصادية مع الضفة، رغم التحديات، من خلال المعابر، والتبادل التجاري، واتفاقيات التعليم والاستثمار.
ثانيًا: أهمية التكامل الاقتصادي بين الجانبين
1. أهمية سياسية واستراتيجية
يشكل هذا التكامل حائط صد أمام مخططات فصل الضفة عن محيطها العربي.
يعزز من صمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال، ويفتح نافذة اقتصادية حقيقية بعيدًا عن الهيمنة الإسرائيلية.
يمنح الأردن عمقًا استراتيجيًا في محيطه الغربي، ويحفظ له دورًا فاعلًا في القضية الفلسطينية.
2. أهمية اقتصادية وتنموية
يوفر الأردن منفذًا طبيعيًا وآمنًا لفلسطين إلى العالم الخارجي.
يمكن للأردن أن يستفيد من السوق الفلسطينية، خاصة في المجالات الزراعية والصناعية والسياحية.
يشكل التكامل قاعدة لتبادل الخبرات، وتنسيق الاستثمار، واستغلال الموارد المشتركة، خاصة في المياه والطاقة.
ثالثًا: اتفاقية باريس الاقتصادية... عائق أم ضرورة للمراجعة؟
تُعد اتفاقية باريس الإطار الاقتصادي الذي يُنظّم العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ 1994. لكنها جاءت في سياق سياسي غير ناضج، فُرضت فيه معادلات قوى غير متوازنة، وأنتجت عدة اختلالات، أبرزها:
1. ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي من حيث العملة (الشيكل)، والضرائب (المقاصة)، والاستيراد، دون تمكين حقيقي للفلسطينيين من بناء اقتصاد مستقل.
2. وضع قيود على التجارة الفلسطينية الخارجية، خاصة مع الأردن والعالم العربي، ما أبقى الأسواق الفلسطينية مرتهنة للموانئ والمعابر الإسرائيلية.
3. حرمان الفلسطينيين من تطوير قطاعاتهم الإنتاجية بسبب السيطرة الإسرائيلية على الموارد، والمعابر، والمناطق المصنفة (ج).
وقد بات واضحًا أن هذه الاتفاقية لا تخدم متطلبات التنمية ولا تكفل الحد الأدنى من السيادة الاقتصادية الفلسطينية، بل تسهم في إدامة التبعية، وتقييد أية إمكانية لتكامل عربي – أردني – فلسطيني.
رابعًا: نحو رؤية جديدة للتكامل الأردني الفلسطيني
لتحقيق تكامل اقتصادي فعّال وعادل، ينبغي اتباع نهج مرحلي يستند إلى الوقائع السياسية والاقتصادية، ويتضمن:
1. إعادة النظر في اتفاقية باريس أو تعديل بنودها بما يسمح بحرية التجارة مع الأردن والعالم العربي، وتأسيس بنية جمركية فلسطينية مستقلة تدريجيًا.
2. إنشاء مناطق اقتصادية مشتركة على حدود الأردن والضفة الغربية، خاصة في منطقة الأغوار، بما يشجع الاستثمار ويخلق فرص عمل.
3. تحسين البنية التحتية للمعابر وتبسيط الإجراءات التجارية لتسهيل التبادل السلعي والبشري بين الجانبين.
4. إطلاق مشاريع طاقة ومياه مشتركة في ظل تغير المناخ وندرة الموارد، عبر استخدام الطاقة الشمسية وتحلية المياه.
5. تنسيق السياسات التعليمية والبحث العلمي بما يعزز من كفاءة رأس المال البشري الأردني والفلسطيني.
6. دعم دولي وعربي لهذا التوجه من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية، والتشبيك مع مؤسسات التنمية الدولية.
خامسًا: ماذا بعد؟
إذا أراد الأردن وفلسطين فك الارتباط القسري عن المنظومة الاقتصادية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي، فعليهما أن ينطلقا من شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة والرؤية المستقبلية.
التكامل الاقتصادي ليس خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة وجودية تسهم في تعزيز الصمود، وتقليص الفقر، وتوفير فرص العمل، وتكريس استقلال القرار الوطني.
لكن هذا المسار لا يمكن فصله عن البعد السياسي، فــالاحتلال الإسرائيلي يبقى العقبة الرئيسية أمام أي نموذج تنموي فلسطيني مستقل، وأمام أي شراكة عربية حقيقية. وبالتالي، فإن أي خطوات للتكامل يجب أن تترافق مع تحرك سياسي ودبلوماسي لفرض الالتزام بالقانون الدولي، وضمان حرية التجارة والتنقل، ورفع الحصار الاقتصادي المفروض على الفلسطينيين.