"الفوسفات".. من الانزلاق لقمة الإنجاز *سلامة الدرعاوي
الغد
من أكثر الشركات أن لم يكن أكثرها على الإطلاق التي عانت خلال السنوات الماضية من ابتزاز وضغوطات رسمية ونيابية وإعلامية ومجتمعية وغيرها من الأشكال التي هدفت أولاً وأخيراً النيل منها ومن مسيرتها وإنجازاتها، لتتحول لأكبر الشركات العاملة في الاقتصاد الوطني ولتصبح ركيزة أساسية في الاستقرار الاقتصادي ونمو الصادرات وتعزيز الاحتياطيات من العملات الصعبة، ومن أكبر المساهمين التنمويين في خدمة المجتمعات المحلية في كافة محافظات المملكة، هي شركة مناجم الفوسفات الأردنية.
من شركة تتكبد خسائر بعشرات الملايين ومديونية بمئات الملايين، إلى واحدة من أكبر الشركات ربحية، تقف الفوسفات اليوم في موقع غير مسبوق، ففي النصف الأول من عام 2025، حققت الشركة أرباحا صافية تجاوزت 250 مليون دينار، بزيادة تقارب 50 مليون دينار عن الفترة نفسها من العام الماضي، التي سجلت فيها أرباحا بنحو 202 مليون دينار، أي بنسبة نمو 24 %.
بهذا الإنجاز، جاءت الفوسفات في المرتبة الثانية بعد مجموعة البنك العربي ضمن قائمة أكثر الشركات ربحية في بورصة عمان، حيث استحوذت وحدها على نحو 23 بالمائة من الأرباح الصافية لجميع الشركات الرابحة، والبالغ عددها 104 شركات، بمجموع أرباح وصل إلى نحو 1.08 مليار دينار.
أرباح الشركة الإجمالية للنصف الأول من 2025 بلغت حوالي 365 مليون دينار، مقارنة بنحو 308 ملايين دينار في النصف الأول من 2024، أما صافي المبيعات فقد تجاوز 602 مليون دينار، بنمو نسبته أكثر من %11 مقارنة بـ 552 مليون دينار العام الماضي، وبلغت حصة السهم من الأرباح 83 % من قيمته الاسمية، مما يعكس جاذبية العائد الاستثماري للمساهمين.
ما يجعل هذه الأرقام أكثر أهمية هو السياق الذي جاءت فيه، إذ إنه حتى عام 2016، كانت الشركة تتكبد خسائر سنوية وصلت إلى 90 مليون دينار، وتواجه مديونية ثقيلة اقتربت من 411 مليون دينار، لكن في بداية 2017، تولّت إدارة جديدة دفة القيادة، واعتمدت مقاربة إصلاحية شاملة تضمنت خفض النفقات، وتسديد الديون، وإدخال التكنولوجيا، والتوسع في الأسواق العالمية.
التحول لم يستغرق أكثر من ثماني سنوات، إذ انه وبحلول عام 2024، حققت الشركة أرباحا سنوية بلغت نحو 458 مليون دينار، بينما تجاوزت أرباحها التراكمية خلال 6 سنوات 2 مليار دينار، أي ما يعادل 231 بالمائة من أرباح الشركة منذ تأسيسها وحتى 2017، في حين تمكنت من تسديد كامل مديونيتها لتصبح "صفر مديونية" بحلول عام 2022.
الإنتاج شهد تحسنًا واضحًا أيضًا، إذ ارتفع حجم التعدين لخام الفوسفات من 8 ملايين طن عام 2018 إلى 11.5 مليون طن عام 2024، بزيادة تصل إلى 3.5 ملايين طن أو ما نسبته %44، وهذا النمو رافقه تخفيض نفقات تجاوز 477 مليون دينار خلال سبع سنوات، بفضل إعادة الهيكلة وإلغاء احتكار التعدين وفتح التنافسية بين شركات التعدين المختلفة والتحول إلى الغاز الطبيعي بدلًا من المحروقات.
مساهمة الشركة في دعم خزينة الدولة كانت ملموسة، فمن عام 2018 حتى نهاية 2024، دفعت الشركة نحو 1.754 مليار دينار كعوائد مباشرة، تشمل الضرائب، ورسوم التعدين، وأرباح الحكومة، والضمان الاجتماعي، كما ساهمت صادراتها بدعم ميزان المدفوعات والميزان التجاري بأكثر من 8.616 مليار دينار خلال الفترة نفسها.
أما المساهمون، فكانوا من أكبر المستفيدين من هذا التحول، إذ ارتفعت التوزيعات النقدية من 16.5 مليون دينار في 2018 إلى 396 مليون دينار في 2024، بمجموع تجاوز 1.17 مليار دينار خلال سبع سنوات، وبنمو فاق 20 ضعفًا.
من حيث القوة المالية، تضاعفت موجودات الشركة تقريبًا، من نحو 1.12 مليار دينار في 2018 إلى 2.15 مليار دينار في 2024، بينما ارتفعت حقوق الملكية من 682 مليون دينار في 2018 إلى 1.8 مليار دينار في 2024، بنمو فاق 166 %، في حين أن القيمة السوقية للشركة بلغت 6.1 مليار دينار بنهاية تموز 2025، مقارنة بنحو 235 مليون دينار في 2018، أي بنمو وصل إلى 2515 بالمائة.
المستقبل يحمل المزيد، فوفق الخطة الإستراتيجية، تنفذ الشركة مشاريع استثمارية حتى عام 2030 بقيمة تقارب 1.3 مليار دينار، تركز على التوسع في الصناعات التحويلية وتعزيز القيمة المضافة.
ولم تغفل الشركة مسؤولياتها المجتمعية، فقد استثمرت نحو 122 مليون دينار في قطاعات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، ووفرت 760 فرصة عمل للمهندسين والفنيين، إلى جانب تدريب أكثر من 1000 خريج.
قصة الفوسفات الأردنية حقيقة قائمة على الأرقام، من شركة خاسرة مثقلة بالديون إلى لاعب وطني يرفد الاقتصاد بمليارات الدنانير، ويوزع أرباحًا مجزية، ويقود خططا تنموية طويلة الأمد.
النموذج هنا دليل واضح على ما يمكن إنجازه حين تتوفر الرؤية والانضباط والكفاءة.