خطورة انحسار الطبقة الوسطى*م. هاشم نايل المجالي
الدستور
تسعى الحكومات في جميع الدول إلى توسيع رقعة الطبقة الوسطى والحفاظ عليها من التآكل في ظلِّ المتغيرات والتقلُّبات الاقتصادية والاجتماعية، والتحديات المختلفة التي تتعرض لها. وبسبب الأزمات الاقتصادية فإنَّ كثيرًا من الحكومات لم تُراعِ أهمية الحفاظ على هذه الطبقة، حيث الحروب التي أكلت الأخضر واليابس، وزادت نسبة الفقر والبطالة والمعاناة بأشكالها، كل ذلك على حساب الطبقة الوسطى التي يشغل أفرادها أغلب القطاعات الاقتصادية التي تصب في التنمية مباشرة، وتساعد في حجم الإنتاج المحلي من خدمات وسلع.
وهي الطبقة المُقترَحة دومًا من البنوك وصناديق الاقتراض لقروض عقارية وشخصية أو للاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يُحفِّز القطاع المصرفي ونجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تُنمِّي الطبقة الوسطى، وتُحقِّق العدالة وتوزيع الدخل وتنمية المجتمع ككل، والخطورة إذا تآكلت هذه الطبقة لسبب أو لآخر، حيث يتم تهديد التماسك الاجتماعي وتكون الأزمات.
الطبقة الوسطى تبحث دومًا عن الاستقرار، وتسعى دومًا آليًّا وضمنيًّا إلى الحذر من أي تغيير يمسُّها من قريب أو من بعيد بشكل أو بآخر، خاصة إذا كان غير منضبط للإيقاع أو غير محسوبة عواقبه ونتائجه، وهذا يعني أنَّ أي متغيرات سوف تثير قلق هذه الطبقة، ويعتبرونها مغامرة أو مقامرة لا يُحمَد عقباها، فقد تقود إلى الخسارة والضرر الذي يُشكِّل عليها خطر الانزلاق نحو الطبقة الأقل تدريجيًّا.
لقد تقبَّلت الطبقة الوسطى كثيرًا من المتغيرات، لكن على مضض، على اعتبار أنها فائدة غير مباشرة تحقق مصلحة وطنية.
علمًا بأن الطبقة الوسطى تُشكِّل صمَّام الأمان بين الطبقة العليا وطبقة الفقراء، وأن تحقيق مصالح ومكتسبات الطبقة العليا يجب ألَّا يكون على حساب الطبقات الأخرى الوسطى والفقيرة، خاصة في ظلِّ الركود الاقتصادي وضعف الاستثمار وزيادة معدلات البطالة والفقر، ومعاناة الناس من آثار كورونا والحروب المجاورة، وهجرة شعوبهم إلى ديارنا لنتحمَّل أعباء أكثر فوق طاقة الطبقة الوسطى والفقيرة، والتغوُّل لهؤلاء المهاجرين على أعمال أصحاب الوطن من عمَّال ومهندسين وأطباء وغيرهم، ممَّا شكَّل تحديًا كبيرًا لصمودهم ومعاناتهم، خاصة الطبقة المهاجرة إلينا من بعض الدول، فتغوَّلت بالكثير من المشاريع الحيوية التي أصبح بها ابن الوطن عاملًا لديها بشكل أو بآخر، وطالت كافة مناحي الحياة دون سياسة منظَّمة لاستثمارها. والطبقة الوسطى شديدة الاتساع والتنوع، وهم في مواقع مؤثرة وفاعلة، ويشكِّلون أغلبية المجتمع.