الغد
عند الحديث عن الصناعة المصرفية الإسلامية وقطاع التمويل الإسلامي، لا بد لنا من الوقوف عند تجربة الأردن ومكانته المميزة في هذا القطاع وبلورتها منذ سبعينيات القرن الماضي، ما ترافق مع الاهتمام بهذا القطاع في العديد من الدول العربية والإسلامية، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأت الصناعة المصرفية الإسلامية بالانتشار والظهور في مناطق عربية وإسلامية عدة، ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية في عملياتها المالية التي ارتكزت على مبدأ المشاركة بالربح والخسارة، حتى تمت عملية بلورة الأدوات التمويلية المنسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة والعديد من العقود التمويلية، وعقد السلم وعقد الاستصناع وما إلى ذلك، لتستقطب العديد من الدول والمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية اعتماداً على ما تحققه من خدمات اقتصادية واجتماعية مبنية على أسس العدالة والشفافية، وكذلك تحقيق أرباح للمساهمين وأصحاب الودائع الاستثمارية.
واليوم، أمام الحاجة الاقتصادية التي تبرز لتقديم التمويل لمشاريع تنموية تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، فإننا نتوقف عند تجربتنا الأردنية التي تمتد لأكثر من أربعة عقود مع تأسيس أول مصرف وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وما حققته هذه التجربة من نجاحات اقتصادية واجتماعية جديرة بأن تُدرس مفرداتها للاستفادة منها في الصناعة المصرفية الإسلامية بشكل عام، وخاصة في تطبيق معايير التمويل الموجه إلى الاستثمار الجاد والملتزم في أولويات التنمية الاقتصادية الملتزمة بالثوابت الأخلاقية والشرعية ومساهمتها الفاعلة في دعم الدراسات والأبحاث العلمية التي أسهمت في تعزيز تجربتها المصرفية وتطويرها، هذا من جانب، ومن جانب آخر، الحصة السوقية التي استحوذت عليها هذه التجربة من السوق المصرفي الأردني حتى نهاية العام 2024 في زمن قياسي من عمرها والانسجام مع سياسات البنك المركزي الأردني.
هذه التجربة لم تتوقف عند المعايير والأساليب التقليدية في تقديم التمويل، بل كانت منفتحة على ثورة المعرفة، واتخذت من الإبداع نهجا وسلوكا حتى أعطت لهذه الصناعة ما تستحقه من انتماء للفلسفة المالية الإسلامية والالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، بحيث أصبحت أنموذجا للعمل المصرفي الإسلامي وتطبيقاته، ونشاهد ذلك في استخدامها لكل مستجدات المعرفة والتكنولوجيا في أعمالهم المصرفية، إضافة إلى الاهتمام المتواصل برأس المال البشري، وهو المهم والرئيسي في التعامل مع عناصر المعرفة للارتقاء بعمل البنك وتطوير الأداء نحو الأفضل.
هذه التجربة لها حضورها اليوم في كل المحافل المصرفية والمالية من مؤتمرات ومنتديات ومحاضرات مخصصة للعمل المصرفي الإسلامي، وحضور مساهم في الأسواق المصرفية المحلية والعالمية برسالتها الإنسانية، كما أن لها حضورها الدائم في دعم الاقتصاد الوطني من كل أوجه التمويل المقدمة لمشاريع تنموية تسهم في التنمية المستدامة، ملتزمة بالرسالة الاجتماعية النابعة من رسالتنا الإسلامية.
والتجربة ملتزمة كذلك بمبدأ الشفافية والإفصاح ضمن المعايير المحلية والدولية، وأعطت أهمية استثنائية لهيئات الرقابة الشرعية، بحيث يحق لها الاطلاع على كل العمليات المالية التي يقوم بها البنك وأن تبدي رأيها وتتحقق من مدى التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية ويكون قرارها ملزما لإدارة البنك ووفق رؤى وتعليمات البنك المركزي، أما فيما يخص المسؤولية الاجتماعية، فالقناعة مترسخة لدى مصارفنا الإسلامية بأن المصرف الإسلامي ليس مؤسسة هدفها تحقيق الربح فقط، بل تسعى إلى تقديم خدمات اجتماعية من شأنها أن تعزز المناخ الاجتماعي السليم وتعمق القيم الأخلاقية، مثل الصدق والأمانة في المعاملات وفق الضوابط الأخلاقية والشرعية التي توظف القوة الكامنة في الإنسان نحو العملية الإنتاجية، وبالنتيجة تسهم في زيادة دخل الفرد وزيادة الدخل القومي، ثم تقليل معدل البطالة؛ تلك الآفة التي تؤدي إلى العديد من المشاكل الاجتماعية، وكذلك الدور الذي تؤديه في نشر الوعي المعرفي ودعم المبادرات العلمية والبحث العلمي الذي نحن بأمس الحاجة إليه.
ما نود قوله إن لدينا في الأردن تجربة رائدة ذات مضمون أخلاقي، ومنفتحة على التطور العلمي والمعرفي، أعطت بعدا للصناعة المصرفية الإسلامية متوافقا مع المسؤولية الوطنية التي تتطلع لتحقيق التنمية المستدامة والتخفيف من عبء الفقر والبطالة في مجتمعنا.