الإنفاق العاطفي وغياب التخطيط المالي.. مفاقمة لهشاشة ميزانيات الأسر
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
رغم تداعيات ضعف الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة على الأسر الأردنية، لا يعزى العبء المالي الذي تواجهه هذه الأسر إلى هذه العوامل وحدها، إذ يلعب سوء الإدارة الاقتصادية لديها دورا محوريا في تعميق الأزمات المالية والمعيشية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن النمط الاستهلاكي العشوائي، والقرارات الإنفاقية العاطفية، وغياب التخطيط المالي المنظم تزيد من هشاشة الأسر وتحد من قدرتها على مواجهة الطوارئ أو التكيف مع الضغوط اليومية.
وأشار الخبراء في تصريحات خاصة لـ"الغد"، إلى أن لذلك أثرا سلبيا واضحا على المستوى المعيشي لهذ الأسر، كإضعاف قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية، ومضاعفة شعورها بالحرمان والضغط النفسي، عدا عن التأثير السلبي على جودة حياتها واستقرارها الاجتماعي.
وللتغلب على ذلك، دعا الخبراء إلى الانتباه إلى ترشيد الإنفاق، وتحديد الأولويات والضروريات، والابتعاد عن الإفراط غير المبرر في الاستهلاك، والبحث عن تنويع مصادر الدخل.
ويضاف إلى ذلك تعزيز الثقافة المالية داخل الأسر، ومشاركة جميع أفراد الأسرة في إدارة الموارد المالية، ووضع خطط لسداد الديون تدريجيا، إضافة إلى الحد من الإنفاق الاستهلاكي غير المنتج، بما يضمن استقرار الأسر المالي والنفسي ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية.
في الوقت نفسه شدد الخبراء على أهمية تبني الحكومة سياسات اقتصادية تخفف من حجم الضغوط والكلف على الأسر، وتساهم في توفير بيئة اقتصادية أكثر عدالة واستقرارا، وذلك من خلال، إعادة النظر في مستويات الأجور ومعدلات الضرائب، إلى جانب توسيع الإنفاق على التعليم والصحة وتحسين الخدمات العامة.
ويقصد بسوء الإدارة الاقتصادية للأسر، غياب التخطيط المالي والإنفاقي لدى الأسرة عند اتخاذها القرار الاستهلاكي، والإقبال على الاستهلاك بشكل عاطفي، وعدم مراعاة القدرة المالية للأسرة في عملية الإنفاق، ما ينجم عنه على المدى المتوسط ضعف القدرات المالية للأسرة، واستزافها ماليا بشكل مستمر.
إنفاق الأسر
ولا توجد أرقام حديثة حول ميزانيات وإنفاق الأسر، فآخر ما هو متوفر من أرقام رسمية يعود إلى العام 2018، فيما شهد العالم أجمع متغيرات كثيرة منذ ذلك الحين، انطلاقا من جائحة كورونا وما رافقها من تبعات اقتصادية واجتماعية، مرورا بالحرب الأوكرانية الروسية وما سببته من ارتفاعات في أسعار الكثير من السلع الأساسية، وصولا إلى الحرب الصهيونية على غزة وما تخللها من اضطرابات في سلاسل التوريد بالبحر الأحمر واشتعال حرب جانبية بين الكيان وإيران.
ويقدر متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات بحوالي 12519 دينارا، حيث شكل الإنفاق على السلع الغذائية ما نسبته 32.6 % من مجموع الإنفاق الكلي، في حين شكل الإنفاق على السلع غير الغذائية 67.4 % من مجموع هذا الإنفاق، وذلك وفقا لآخر نسخة من المسح الوطني لدخل ونفقات الأسر 2017/2018 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة.
وبحسب المسح يبلغ متوسط إنفاق الفرد السنوي على كافة السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات حوالي 2586 دينارا، نصيب الإنفاق الغذائي يبلغ حوالي 843 دينارا في حين بلغ الإنفاق على السلع غير الغذائية والخدمات 1743 دينارا.
تعميق الأزمات المعيشية
وقال الخبير في الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش لـ"الغد"، إن سوء الإدارة الاقتصادية لدى الأسر يعد عاملا جوهريا وحاسما في تعميق الأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر.
وأوضح أن الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تواجهها الأسر الأردنية، دفعت الكثير من هذه الأسر إلى تغيير أنماط إنفاقها واستهلاكها بشكل عشوائي، حيث تتحكم الضغوط الاجتماعية والنفسية – بما فيها مظاهر التفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي – بقراراتها الشرائية، وهو ما يولد شعورا دائما بالحرمان وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات، وبالتالي اتخاذ قرارات آنية أو عاطفية في الإنفاق لا تخدم مستقبلها الاقتصادي.
وبين عايش أن الأسر الأردنية تنفق بالمعدل أكثر من دخلها السنوي، ما يضعها في حالة عجز مزمن، خاصة في ظل غياب المدخرات أو مصادر الدخل الإضافية، الأمر الذي يجعلها أكثر هشاشة أمام الطوارئ أو الصدمات الاقتصادية.
وأضاف أن سوء الإدارة المالية يظهر بوضوح في الاعتماد الكبير على القروض والبطاقات الائتمانية والاستدانة غير المنظمة، مقابل ضعف القدرة على ضبط الأولويات أو بناء احتياطات مالية ولو بسيطة.
وشدد عايش على أن غياب الثقافة المالية يفاقم المشكلة، فالتعامل مع المال لا يقتصر على الإنفاق والإسراف، بل يتطلب وعيا بالتخطيط والتنظيم وقراءة التداعيات المترتبة على كل قرار مالي.
واعتبر أن الأسر التي لا تدير مواردها بوعي تتحول إلى كيان مثقل بالديون والالتزامات، ما ينعكس سلبا على استقرارها النفسي والاجتماعي وجودة حياتها.
وبين أن معالجة الأزمات المعيشية للأسر لا تقتصر على إصلاح السياسات الاقتصادية الحكومية فحسب، بل تتطلب أيضا تعزيز وعي الأسر بأهمية التخطيط المالي وترتيب الأولويات والحد من الإنفاق الاستهلاكي غير المنتج.
وفي هذا الصدد، دعا إلى ضرورة بناء ميزانية شهرية واقعية تحدد فيها الأولويات ويمكن من خلالها فصل الأساسيات عن الكماليات، إضافة إلى ضرورة إشراك أفراد الأسرة في إدارة المال، وألا تبقى هذه الإدارة مكرسة بيد شخص واحد، إلى أهمية ضرورة التعامل مع الديون بجدية ووضع خطة لسدداها تدريجيا، والتخلص من الديون الاستهلاكية التي يعد عائدها لحظيا وعابرا رغم ثقلها على الدخل الأسري أحيانا.
ضعف الإدارة الاقتصادية
بدوره، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، "إن الاقتصاد الأسري والمنزلي في الأردن يواجه ضغوطا اقتصادية متزايدة، تجعل الأسر في حالة تحد دائم للتكيف مع ظروف صعبة تتآكل معها جودة الحياة".
وأضاف عوض "أن النمط الاستهلاكي السائد حاليا يرهق الجميع، سواء الأسر المقتدرة التي يغطي دخلها هذا النمط، أو الأسر محدودة الدخل التي تجد نفسها عاجزة عن مجاراته، ما يفاقم شعورها الدائم بالضغط والحرمان، ويدفعها أحيانا إلى اتباع سلوكيات استهلاكية غير عاقلة".
وأشار إلى أن حجم الاستهلاك في الأردن بلغ مستويات مرتفعة، وهو ما يظهر في حجم القروض البنكية للأفراد خلال السنوات الأخيرة، والتي وصلت إلى مستويات لا تتناسب وحجم الأجور، ما يكشف حجم الفجوة الاقتصادية التي تعيشها الأسر.
وبلغ حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك في نهاية العام الماضي، حوالي 34.798 مليار دينار، مسجلا ارتفاعا بمقدار 4.2% عن مستوياته في عام 2023، وفقا للتقرير السنوي للجمعية البنوك الأردنية.
وبحسب التقرير اتخذت معظم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل البنوك العاملة في الأردن، شكل القروض والسلف والتي شكلت حوالي 60.3% من إجمالي التسهيلات الائتمانية الممنوحة العام الماضي.
وأوضح عوض لـ"الغد"، أن غياب التخطيط المالي وضعف الإدارة الاقتصادية للأسر يؤديان إلى نتائج سلبية خطيرة، أبرزها تفاقم المشاكل الأسرية والمعيشية، واللجوء المفرط إلى الاقتراض والديون، ما يسبب استنزافا ماليا مستمرا ويحدّ من قدرة الأسر على تحسين معيشتها وتنميتها.
وأكد أن من حق الناس أن يعيشوا حياة جيدة، لكن من الضروري الانتباه إلى ترشيد الإنفاق، وتحديد الأولويات والضروريات، والابتعاد عن الإفراط غير المبرر في الاستهلاك. كما دعا إلى البحث عن مصادر دخل إضافية للأسرة، وتبني أشكال من الاقتصاد التشاركي لتخفيف الأعباء، معتبرًا أن على الأسر أن تتحمل جزءًا من المسؤولية في ضبط إنفاقها بما يحافظ على جودة حياتها ويجنبها الوقوع في دوامة الديون.
وفي المقابل، شدد عوض على أن الحكومة مطالبة بإعادة النظر في مستويات الأجور ومعدلات الضرائب، إلى جانب توسيع إنفاقها على التعليم والصحة وتحسين الخدمات العامة، معتبرًا أن هذه السياسات كفيلة بتخفيف الضغط عن الأسر وتوفير بيئة اقتصادية أكثر عدالة واستقرارا.
تحول الكماليات إلى أساسيات
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي منير دية أن على المواطن الأردني الموازنة بين دخله والتزاماته، وأن يحدد أولويات الإنفاق ويبتعد قدر الإمكان عن الاقتراض غير المدروس، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن المشكلة الجوهرية تبقى غياب السياسات الحكومية الكفيلة بتأمين بدائل تعليمية وصحية وسكنية ونقل عام بأسعار معقولة، الأمر الذي يضمن خفض كلف أساسيات الحياة ويحمي الأسر من دوامة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وأكد أبو دية أن محدودية الدخل وثباته في مقابل ارتفاع الكلف المتكرر خلال السنوات الماضية نتيجة قرارات اقتصادية أو عوامل خارجية – مثل رفع أسعار الفوائد أو المحروقات أو الكهرباء والمياه – جعلت الأسر في حالة ارتباك دائم، وصعب من قدرتها عليها التكيف مع صدمات الأسعار المتلاحقة.
وبين أن غياب التأمين الصحي الشامل، إضافة إلى ضعف منظومة النقل العام، إلى جانب الكلف الناجمة عن المتغييرات الجديدة للاتصالات والإنترنت تفرض على الأسر تحمل الكلف اللازمة لذلك، ما يزيد من حجم الأعباء، مطالبا بضرورة مضاعفة الحكومة جهودها في تحسين الواقع الخدمي بما يلبي تطلعات المواطنين.