أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    31-Aug-2021

الصحة بين مطرقة السياسة وسندان الاقتصاد* د. محمد رسول الطراونة

 الراي

أثبتت جائحة كورونا أن الصحة والسياسة والاقتصاد متلازمة ثلاثية التأثير والتأثر وأن الصحة هي رأس المال الأول للدولة، لا بل مصدر أمنها واستقرارها، ومؤشر قوتها ومنعتها، وتمكنت كورونا من خلط أوراق هذه الثلاثية لتعيد إلى الساحة الجدل الذي شغل تفكير أهل السياسة لعدة عقود في محاولة منهم لفك لغز: أيهما يقود الآخر السياسة أم الاقتصاد؟ من العربة ومن الحصان؟ ليسقط اللغز أمام الصحة التي تقود العالم اليوم في مواجهة كورونا، أي أن الحصان وعربته تقودهما الصحة حيثما تريد، وعليه نفذت العديد من دول العالم إجراءات أوقفت الحياة الاقتصادية برمتها، حفاظاً على صحة مواطنيها، كونها المحرك الأساسي للاقتصاد.
 
فبالرغم من تعاظم دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في محاولة احتواء العديد من الصعوبات خلال هذه الأزمة، يبقى الإنسان هو محور الاقتصاد ومحركه.
 
كورونا وضعت الحكومات بين خيارين، أحلاهما مر، بين تحدي الحفاظ على الاقتصاد وإخراجه من حالة الكساد والحفاظ على صحة المواطن من خلال إجراءات التباعد والانصياع للتطعيم والتلويح أحيانا بتهديد توقف عجلة الاقتصاد التي قد تؤدي إلى شلل تداعياته كبيرة ومؤثرة.
 
هذا الجدل القائم بين أهل السياسة وأهل الاقتصاد يأتي في ظل تأكيد وإصرار خبراء الصحة على أن استراتيجية «التباعد الجسدي والكمامة » كانت وما تزال الأكثر فاعلية في منع انتشار هذا الفيروس وتقليل مخاطره على البشر، التي استدعت الإيقاف المؤقت لغالبية الأنشطة الاقتصادية.
 
للوهلة الأولى، يبدو أن هناك مفاضلة بين أمرين متعارضين: إنقاذ الأرواح أم إنقاذ الأرزاق؟ إلا أن القول الفصل يكمن في السيطرة الحقيقية على الفيروس، فهي الأساس والشرط اللازم لإنقاذ الأرزاق.
 
كورونا فرضت، وما زالت تفرض، على كثير من الدول توفير ضمانات لحالة من التوازن تخدم ثلاثية: صحة الإنسان و"صحة» الاقتصاد و"صحة» السياسة، وجعلت الشغل الشاغل للحكومات البحث عن كيفية التعافي اقتصاديا من القرارات التي رافقت جائحة كورونا وتبديد القلق الذي يلوح في الأفق بعد كل زلة لسان في تصريح لمسؤول من عودة محتملة لانتشار الوباء بمتحور جديد، لكن تبقى الصحة هي القيمة الإنسانية العظمى التي وحدت البشرية، وبين الصحة والمال يختار المرء الأولى بلا تردد، إلا أن الحكومات لها فلسفتها ومعاييرها التي تبني عليها سياساتها، فتردي الاقتصاد قد يسبب ارتدادات عنيفة ليس فقط على قوة الدولة السياسية والاقتصادية، بل على المجتمع برمته.
 
ختام الكلام، الصحة هي أساس الاقتصاد المتين والاقتصاد هو معول السياسة الحكيمة وكلها، مجتمعةً، تشكل الحكم الرشيد، ومع الفتح الكامل للقطاعات فإن المسألة تتطلب إيجاد حلول مبتكرة توائم بين الأولوية الصحية والخطط الاقتصادية.
 
كلي شوق لرؤية شكل العالم بعد وداع كورونا، شوق لأرى الصحة وأسمع الساسة وأعيش الاقتصاد.