أداء البورصة الإيجابي.. ما سبل استدامة زخمه؟
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
تعد الأسواق العالمية مرآة تعكس صحة الاقتصادات الوطنية، فكلما تحسن أداؤها عكس ذلك قوة الاقتصاد وجاذبيته للاستثمار. وفي الأردن، تسجل بورصة عمان منذ مطلع العام الحالي تحسنا لافتا في أدائها، فيما يؤكد خبراء أن ضمان استدامة هذا الزخم يتطلب ابتكار أدوات جديدة لتحفيز السوق وتعزيز ثقة المستثمرين.
وطالب اقتصاديون بأهمية اتخاذ إجراءات تحفيزية وإصلاحية مباشرة للبورصة، في مقدمتها إعفاء محافظ البنوك وشركات التأمين والشركات الكبرى من ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التداول، باعتبارها الأكبر والأكثر سيولة، والقادرة على إنعاش السوق وخلق السيولة، إضافة إلى إطلاق برامج تحفيزية لسوق رأس المال، وأنشطة صانع ومزود السيولة، إلى جانب القيام بزيارات استثمارية خارجية، وتسويق الفرص الاستثمارية.
كما طالبوا بأهمية حسن إدارة المؤسسات المشرفة والمنظمة للسوق، عبر متابعتها الدقيقة للشركات، والتزامها بمبادئ الشفافية، ومبدأ الإفصاح من قبل الشركات، إضافة إلى وجوب إنشاء سوق للشركات الواعدة التي تستهدف إدراج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الخاصة والعائلية.
وشددوا على أن ضخ السيولة وتعزيز عمق السوق أمر ضروري، من خلال تدخل القطاعات ذات السيولة مثل البنوك لدعم البورصة وتمويل الأسهم والصناديق الاستثمارية، وجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تحسين تصنيف السوق وتبسيط الإجراءات وتقديم حوافز استثمارية، وتطوير أدوات مالية جديدة متنوعة لزيادة عمق السوق واستقطاب فئات مختلفة من المستثمرين.
مشهد أداء بورصة عمان
وكانت بورصة عمان سجلت الخميس الماضي قفزة نوعية، إذ تجاوز المؤشر العام مستوى 3003 نقطة، بالغا بذلك أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
كما سجلت القيمة السوقية 23.1 مليار دينار، لتصل عند أعلى مستوياتها منذ تاريخ 15/12/2009.
وشهدت بورصة عمان أداء إيجابيا وارتفاعا في مؤشرات أدائها منذ بداية العام حتى نهاية شهر تموز(يوليو) 2025، حيث سجل المؤشر العام لأسعار الأسهم المدرجة ASEGI ارتفاعا نسبته 17.1 % وارتفاع مؤشر أسعار الشركات الكبرى ASE20 بنسبة 17.6 %، وارتفاع مؤشر العائد الكلي بنسبة 26.6 %، وذلك وفقا للنشرة الإخبارية للبورصة لشهر آب (أغسطس) الماضي الصادرة أمس السبت.
وبحسب النشرة ارتفعت القيمة السوقية للبورصة بقيمة 4.6 مليار دينار أو ما نسبته 26 %، كما ارتفع معدل حجم التداول اليومي للثلاث أشهر الأخيرة ليصل إلى 10.5 مليون دينار مقارنة مع 5.1 مليون دينار للعام الماضي.
وارتفع صافي أرباح الشركات المدرجة بنسبة 9.4 % للنصف الأول للعام 2025 وارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار الأسهم بنسبة 17.1 % منذ بداية العام
وأظهرت النشرة تسجيل القطاعات الرئيسية كافة، نموا في أرباحها، تصدرها القطاع المالي بنسبة 12.5 % تلاها قطاع الخدمات بنسبة 5.3 % ولقطاع الصناعة بنسبة 4.6 %.
النجاح المأمول
مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي بين أن النجاح الحقيقي المأمول للبورصة عمان يعتمد على قدرة الحكومة في بناء بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة تعزز الثقة وتقلل المخاطر، بما يضمن تدفق الاستثمارات على نحو مستدام وانتعاش السوق المالي، مشيرا إلى أن الأثر الإيجابي قد يظهر تدريجيا على المدى المتوسط والطويل بالتوازي مع معالجة التحديات الاقتصادية الكبرى مثل البطالة والنمو.
وأعتبر أن من أهم الأدوات لتحفيز البورصة تطوير التشريعات والرقابة، التحول الرقمي بشكل أكبر، وتطبيق الإفصاح وتحديث أنظمة التداول، وتطوير تطبيقات الهواتف الذكية، لتعزيز الاستدامة والحوكمة، ورفع السيولة عبر صناع السوق.
وأكد حجازي أن القرار الأهم الذي لم يتخذ بعد يتمثل في إعفاء محافظ البنوك وشركات التأمين والشركات الكبرى من ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التداول، باعتبارها الأكبر والأكثر سيولة، والقادرة على إنعاش السوق وخلق السيولة.
ولفت إلى أن معظم هذه المحافظ اختفت أو تقلصت منذ تعديل قانون ضريبة الدخل وإخضاعها للضريبة، مؤكدا أن اتخاذ مثل هذا القرار الجريء سينعكس إيجابا على السوق ويعيد له الحيوية التي شهدها مطلع الألفية، إضافة إلى تعويض الإيرادات الضريبية عبر تحفيز استثمارات ومشاريع جديدة.
وأشار حجازي إلى أن القرارات الحكومية الأخيرة لدعم بورصة عمان تمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز بيئة الاستثمار وتحفيز التداول، مشيرا إلى أنها تعكس حرص الحكومة على دفع النمو الاقتصادي وجذب رؤوس الأموال.
وأوضح حجازي أن هذه القرارات، وفي مقدمتها تخفيض ضريبة الأرباح الرأسمالية، وتسهيل الإجراءات التنظيمية، ودعم صناديق الاستثمار، ستسهم في رفع السيولة وزيادة جاذبية السوق للمستثمرين المحليين والأجانب، معتبرا أنها خطوة إيجابية ومهمة لتنشيط بورصة عمان، لكنها ليست الحل الكامل.
تعزيز الثقة والإصلاحات الهيكلية شرط استدامة التحسن في بورصة عمان
بدوره قال الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة، إن بورصة عمان تواجه تحديات جوهرية رغم الأداء الإيجابي في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن ضعف أحجام التداول، وانسحاب الاستثمارات الأجنبية، ووجود شركات متعثرة ، ما تزال تهدد ثقة المستثمرين واستدامة التحسن في السوق.
وأوضح مخامرة أن استدامة الاتجاه الإيجابي يتطلب تعزيز الثقة والشفافية ومعالجة الشركات المتعثرة، ومراجعة الإجراءات التي اتخذتها هيئة الأوراق المالية، وتكثيف الرقابة على ميزانيات الشركات من الجهات المعنية مثل البنك المركزي ودائرة مراقبة الشركات، مع تطبيق معايير الإفصاح المحسنة وتقارير الاستدامة وفق المعايير العالمية.
وشدد مخامرة على أن ضخ السيولة وتعزيز عمق السوق أمر ضروري، من خلال تدخل القطاعات ذات السيولة مثل البنوك لدعم البورصة وتمويل الأسهم والصناديق الاستثمارية، وجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تحسين تصنيف السوق وتبسيط الإجراءات وتقديم حوافز استثمارية، وتطوير أدوات مالية جديدة متنوعة لزيادة عمق السوق واستقطاب فئات مختلفة من المستثمرين.
وأشار إلى أن هناك حاجة لـ إصلاحات هيكلية وتشريعية تشمل مراجعة القوانين والأنظمة التي تحكم الشركات المساهمة العامة، ومعالجة أوضاع الشركات المتعثرة عبر تغيير إداراتها أو مجالس إدارتها، بالإضافة إلى تخفيض عمولات التداول لتحفيز زيادة أحجام التداول وجذب المستثمرين الصغار.
وحول الأدوات الإضافية التي يحتاجها السوق لتحفيز الزخم طالب مخامرة بأهمية إنشاء صناديق استثمار مشتركة، وإطلاق برامج تحفيزية لسوق رأس المال، وأنشطة صانع ومزود السيولة، إلى جانب القيام بزيارات استثمارية خارجية، وتسويق الفرص الاستثمارية، فضلا عن إنشاء سوق للشركات الواعدة التي تستهدف إدراج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الخاصة والعائلية.
وشدد مخامرة على أن تعزيز حوكمة الشركات والرقابة على الرواتب أمر أساسي في هذا السياق، من خلال تفعيل تعليمات حوكمة الشركات المساهمة المدرجة، وضمان تقديم تقارير الاستدامة السنوية، ومراجعة هيكل الرواتب وتقليل الرواتب المرتفعة للرؤساء التنفيذيين خاصة في الشركات المتعثرة، لضمان التوازن المالي وتعزيز الثقة في السوق.
من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن تحسن أداء الشركات المدرجة ينعكس على أسعار أسهمها وتوزيعاتها النقدية وغير النقدية، مؤكدا أن هذا التحسن مشروط أولا بحسن إدارة الشركات من قبل مجالس إدارتها وإداراتها التنفيذية، وبسمعتها ونزاهتها.
ويرى زوانة أن ذلك يستلزم حسن إدارة المؤسسات المشرفة والمنظمة للسوق، عبر متابعتها الدقيقة للشركات، والتزامها بمبادئ الشفافية، ومبدأ الإفصاح من قبل الشركات.
وأشار زوانة إلى أن وضع السوق مرتبط بالسياسة النقدية واستقرار سعر صرف الدينار وإشراف البنك المركزي على البنوك والمال والتأمين مؤكدا أن ذلك في مأمونية كبيرة في ظل السياسات النقدية الحصيفة للبنك المركزي، إضافة إلى ارتباط السوق بالسياسة المالية التي اعتبرها "موضع الاختلال الرئيسي".
ولفت إلى أن البورصة عادة ما تعكس منظومة الاقتصاد الكلي والاستقرار الشمولي في المملكة، مشيرا وجود تحسن مستمر في سوق البورصة خلال السنوات الأخيرة على نتيجة تحسن أداء الشركات وتوزيعاتها، بعد تجاوز مرحلة ضعف السوق التي شهدتها قبل نحو خمسة عشر عاما بسبب ضعف إدارة بعض الشركات ونقص نزاهتها.