الرأي - خولة أبو قورة -
يُعد عام 2026 من أكثر الأعوام ازدحاماً بالاستحقاقات المالية خلال العقد الأخير، إذ تشير بيانات موازنة التمويل إلى حاجة تمويلية تقارب 9.8 مليار دينار، يذهب معظمها لتسديد التزامات سبق تراكمها بفعل أزمات عالمية متعاقبة أثّرت على كل الاقتصادات، من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية – الأوكرانية والعدوان على غزة.
ورغم حجم هذه الالتزامات، تؤكد وزارة المالية أن صافي الدين لن يرتفع العام المقبل، وأن السياسة التمويلية ترتكز على إدارة رشيدة تعتمد إعادة هيكلة الديون وتمديد آجالها بكلف أقل، بما يحافظ على الاستقرار المالي ويُبقي الدين ضمن مسار آمن.
تسديد نحو 7.3 مليار دينار من فوائد وأقساط الديون إلى جانب 2.1 مليار دينار لتمويل العجز، لا يشكّل – برأي الخبراء – صورة ضعف، بل يعكس قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها بانتظام، وهي ميزة لا تتوافر في كثير من الاقتصادات التي شهدت تعثراً خلال السنوات الماضية.
عوض: تثبيت الدين إنجاز يُحسب للحكومة.
يرى مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية الخبير الاقتصادي أحمد عوض أن مشهد موازنة عام 2026 تحكمه قضيتين أساسيتين. الأولى تتعلق بأن الحكومة ستسدد المبالغ الكبيرة المستحقة عليها عبر استدانة جديدة؛ إذ أعلنت أنها ستقترض نحو 9.5 مليار دينار لتغطية عجز الموازنة وتسديد التزامات الديون السابقة.
ويشير عوض إلى أن خدمة الدين، التي تتجاوز 2.2 مليار دينار، تشكل عبئا ثقيلا على المالية العامة، لأنها توازي أو تزيد عن حجم الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم مجتمعين، ما يعكس أن الدين ما يزال يستهلك جزءا كبيرا من الإيرادات.
أما القضية الثانية فتتمثل في تأكيد وزير المالية أن مجمل الدين العام في نهاية عام 2026 لن يتجاوز مستواه المسجّل في نهاية 2025، ويرى عوض أن تحقيق ذلك سيكون "إنجازا حقيقيا".
ويعتقد عوض أن تثبيت مستوى الدين أو خفضه بشكل طفيف خلال عام 2026 سيكون خطوة إيجابية إن تحققت بالفعل.
فيما يقدم الخبير في الاقتصاد السياسي زيان زوانة قراءة أكثر حذراً، لكنها لا تنفي قدرة الدولة على التعامل مع متطلبات العام المقبل.
ويشير زوانة إلى أن الحكومة الحالية تواجه التزامات مستحقة تراكمت عبر سنوات طويلة، ما يحدّ من مساحة الحركة. ومع ذلك، فإن قدرة الدولة على الاقتراض من السوق المحلية والخارجية بسهولة تعكس مستوى الثقة بالاقتصاد الأردني ومؤسساته المالية.
ويؤكد أن البنوك الأردنية وصندوق استثمار أموال الضمان يشكلان عماد التمويل الداخلي، حيث ترى البنوك في الحكومة أفضل مقترض، ما يشكل نقطة قوة وليست ضعفاً، ويعكس سلامة الجهاز المصرفي واستقراره.
ويؤيد زوانة ما ذكرته وزارة المالية حول عدم ارتفاع صافي الدين، ويعتبر ذلك خطوة إيجابية، لكنه يشدد على ضرورة تطوير النهج المالي لضمان تعزيز النمو وتحسين كفاءة الإنفاق.
ويقول: “الانتقال إلى نهج جديد أكثر إنتاجية وحفزاً للنمو سيكون خطوة مهمة، لكن القدرة الحالية على الوفاء بالالتزامات والحفاظ على الاستقرار المالي تظل نقطة قوة لا يمكن تجاهلها”.
واقعية الأرقام وثقة المؤسسات المالية.
رغم حجم الاستحقاقات في 2026، يتفق الخبراء على أن الأردن يدخل هذا العام بثقة مؤسساته المالية، وقدرته على تثبيت مستوى الدين، واستمرار انتظام خدمة الدين دون تعثر، وهي عناصر تُعد مؤشراً إيجابياً في ظل عالم يعاني تقلبات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة.
إن عبور عام الاستحقاقات الثقيلة دون زيادة الدين العام سيشكّل نقطة مضيئة في سجل الإصلاح المالي، ويعزز ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين بالاقتصاد الأردني.
ويظل التحدي الأساسي مرتبطاً بمدى القدرة على مواصلة الانضباط المالي، وتحقيق كفاءة في إدارة النفقات، والاستفادة من أي تحسن محتمل في البيئة الاقتصادية العالمية.
لكن الثابت حتى الآن أن الأردن يُثبت مرة أخرى متانة مؤسساته المالية وقدرته على التعامل مع التحديات بكفاءة ومسؤولية، وهي ميزة حافظ عليها عبر عقود رغم كل الأزمات.