المدن -
يقول السيد ايدي كوكيرمان رئيس مجلس إدارة "بنك كوكيرمان للاستثمار" والشريك الإداري في صندوق رأس المال الاستثماري كاتاليست الاسرائيلي: "إن الاقتصاد الاسرائيلي في حاجة إلى معجزة للخروج من أزمته المالية" للأسباب الرئيسة الآتية:
"يشهد الاقتصاد الإسرائيلي بدايات مقاطعة اقتصادية خفية لا تناقش رسمياً. لكن يمكن لمسها في قطاع الأعمال؛ إذ تواجه شركات رائدة تأخيراً للتعاقدات أو رفضها أو تجنّبها وهذا يحدث في كندا وأوروبا وحتى في أميركا نفسها".
"تمر الشركات الناشئة في اسرائيل بفترة صعبة للغاية؛ إذ شهد عدد الصفقات انخفاضاً كبيراً، كما تواجه صناديق رأس المال الاستثماري الاسرائيلية صعوبة في جمع استثمارات جديدة من الصناديق المحلية العالمية". وقد كتبنا سابقاً عن سحب عدد من هذه الصناديق جزءاً من مساهماتها في صناديق وشركات استثمارية مالية والأبرز كان الصندوق السيادي النرويجي. كما أشرنا إلى قرارات حكومات دول مهمة منع تصدير الأسلحة إلى اسرائيل، أو عدم السماح بمرور السفن في مرافئها إذا كانت محمّلة بالسلاح ومتجهة إلى دولة الاحتلال.
"قرابة 45 % من الشركات الاسرائيلية تختار إنشاء مقراتها الرئيسة في الخارج، وهذه النسبة شهدت زيادة تتجاوز 80 % في السنوات القليلة الماضية ما يعكس فقدان الثقة بالبيئة الاقتصادية المحلية. هذه الظاهرة تثير القلق لأنها تشير إلى تحول في الوعي الاقتصادي لدى روّاد الأعمال الإسرائيليين".
"بعد أن كانت اسرائيل تعدّ قوة عظمى في مجال الأمن السيبراني بدأت صناعة الدفاع المحلية في أوروبا تتطور تطوراً ملحوظاً وتسعى للاعتماد على نحو أقل على الحلول الاسرائيلية والاتجاه أكثر نحو الانتاج الذاتي في هذا المجال". ويذكر هنا أن الشركات العالمية العملاقة في مجال التكنولوجيا لديها مقرات رئيسة في إسرائيل ومراكز أبحاث علمية وتستفيد من الخبرات الاسرائيلية التي تلعب دوراً أساسياً مهماً في الإنتاج والتسويق في العالم خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية وتعزّز الاقتصاد الاسرائيلي.
رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو اضطر للاعتراف: "ثمة خطر ملموس من العقوبات الاقتصادية والقيود على استيراد الاسلحة وقطع الغيار، فلا بد من تطوير قدرات إنتاج مستقلة".
صحيفة كالكاليست الاسرائيلية كتبت منذ أسابيع: "... العديد من الاسرائيليين يظنون أن متانة الاقتصاد الكلي ستحميهم من تأثير العزلة السياسية لكن الواقع مغاير تماماً. إن المقاطعة بدأت تطرق أبواب البنوك والأسواق وحتى مشاريع الابتكار". وكشفت أن رجل أعمال اسرائيلي في قطاع التكنولوجيا تلقى رفضاً رسمياً من بنك "سانتاندير" ثاني أكبر بنك في أوروبا (107 مليارات دولار) لفتح حساب تجاري! "بعد عدة محاولات لفتح الحساب نأسف لإبلاغك أننا غير مخوّلين بفتح حسابات لممثلين من مناطق نزاع مثل اسرائيل". وذكرت الصحيفة: "إن البنك يملك أكثر من 8 آلاف فرع في أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية وآسيا وشمال إفريقيا وهو ما يجعل الأمر بالغ الخطورة". "ووفق بيانات مكتب الإحصاء المركزي هناك 5 دول (ايرلندا، هولندا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) إما هددت أو اتخذت خطوات فعلية ضد تل أبيب خلال العام الماضي. قيمة صادرات اسرائيل إلى هذه الدول مجتمعة تبلغ 10.7 مليارات دولار"، وتشير الصحيفة أيضاً إلى "نزيف اجتماعي متسارع يتمثل في هجرة العقول ورؤوس الأموال. لقد بدأ أنصار "اسرائيل القديمة" بالمغادرة"! وتشمل الهجرة الشركات الناشئة، إذ تقدّر نسبة الشركات االتي تأسست في الخارج عام 2023 بين 50 % و 80 %. "إن ما يباع اليوم بني على مدى عقود والهدم لا يحتاج سوى لحظات". إن "اسرائيل الجديدة" باتت دولة غير ليبرالية بملامح سلطوية، وتسعى لحرب دائمة، في حين تختار "إسرائيل القديمة" مغادرتها".
لا أدّعي أنني ملمّ بعلوم المال والاقتصاد وأرقامها، اعتدت مقاربة المسائل المتعلقة بها من الزاوية السياسية، ومن هذا المنطلق أطرح تساؤلات وأفكاراً متواضعة جداً إذ لا يجوز لعاقل أو متابع أو مهتم أن يتجاوز المعلومات والأفكار التي سبق ذكرها عن دولة مثل اسرائيل.
1 – إذا اعتبرنا المعلومات وغيرها مما ينشر عن الوضع المالي الاقتصادي في إسرائيل وتداعيات الحرب على غزة عليها والعزلة والمقاطعة صحيحة فهل يستحق ذلك الاهتمام به والتوقف عنده والتفكير بكيفية التعامل معه؟
2 - من سينقذ اسرائيل؟ من سيعوّضها؟ هي خاضت حرباً بالشراكة والتمويل والتسليح من قبل أميركا. هل تدفع أميركا؟ وهي التي تدير اللعبة الكبرى وتشرف على مشروع "غزة الجديدة" – بلا أهلها – مشروع "الاستثمار" لمدة 50 عاماً "لتنظيف عقل الطفل الفلسطيني" و"نزع النازية" العربية منه كما قالوا؟ وتتطلّع إلى التمويل العربي بشكل أساسي؟ فهل سيبقى العرب يدفعون لترامب كما حصل في جولته الأخيرة، ويموّلون محو "غزة القديمة" وبناء "غزة الجديدة" من دون أي أفق واضح محدد بجداول ثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية كما كانوا يشترطون؟ هل يستمر بعض العرب في التعاون الاقتصادي التجاري السياسي مع اسرائيل ويكون مساعداً لها لتجاوز أزماتها؟ ومقابل ماذا؟ واسرائيل تخاطب الجميع بوضوح: "لقد أنقذتكم من أعدائكم – حماس – حزب الله وأكمل عملي لتخليصكم من "الحوثيين" ومن إيران، وعليكم أن تتحملوا مسؤولياتكم في هذا الاتجاه".
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تدرك أنه مهما تعمّقت أزمتها الاقتصادية المالية، فأميركا لن تتخلى عنها وكذلك أوروبا في نهاية المطاف، وهي قادرة على الابتزاز والضغط بالرغم من التصويت لصالح قيام دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وبالرغم من العزلة والمقاطعة، والسبب الأبرز في قناعاتها أنها لا ترى قوى دولية في الجوار أو في العالم قادرة على عزلها وفرض الشروط عليها، وهي تعمل بجدية على تجاوز ما حصل في إدارة "معركة الوعي" السياسية، وستعمل على إدارة "معركة الوعي الاقتصادي" أيضاً. ألا يستحق ذلك تفكيراً عربياً بتداعيات ونتائج هذا الانكفاء أو تلك الشراكة، على الأقل لتعزيز موقع تفاوضي وضمان مستقبل يسوده الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والمالي، والمال ينفق على تمزيق "الحضن العربي" في مختلف الدول العربية بالسكاكين والأموال العربية؟ عندما ضربت قطر، اتخذت قرارات بـِ "تفعيل آليات الدفاع العربي المشترك" كتبت يومها: لا قيمة لذلك في الذهنية السائدة. ما يجري في السودان اليوم خير شاهد ولا يبشّر بخير، وطريقة التعاطي مع اسرائيل كارثية! فهل يُقدم العرب على خطوات جدية تنقذ ما تبقى وتحفظ مصيراً وكرامة وجود قبل أن تنضب الخيرات وتجفّ الآبار وينهب الآخرون أموالنا بزعم دفاعهم عنا ويذهبون إلى تشكيل منطقتنا وعقول أطفالنا وفق مصالحهم؟