الدستور
مركز الدستور للدراسات الاقتصادية - هلا أبو حجلة و أنس الخصاونة :
قال خبراء ومتخصصون في الشأن الاقتصادي ان المنطقة شهدت تطورات إقليمية متسارعة، وذلك عقب إعلان إسرائيل عن وقف ضخ الغاز من حقولها البحرية، وعلى رأسها «ليفياثان»، ما شكّل صدمة فورية في أسواق الطاقة في المنطقة.
واضافوا ان التطورات المتسارعة تضع الأردن أمام اختبار جدي لقدراته في التعامل مع الأزمات الطارئة، لا سيما في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والنقل والسياحية، حيث ان الظروف الحالية تفرض على الأردن ودول المنطقة إعادة صياغة شراكاتها الاقتصادية واللوجستية لضمان أمن الإمدادات، وتقليل الهشاشة أمام الأزمات الجيوسياسية، وسط مشهد إقليمي شديد التعقيد والتقلب.
وشددوا على ضرورة إطلاق حزمة تحفيزية جديدة لدعم القطاعات المتضررة من نقص الغاز، تشمل إعفاءات جمركية مؤقتة على المواد الخام، وتأجيل الضريبة العامة على المبيعات لبعض الأنشطة الصناعية.
وفي هذا الشان قال الخبير المالي والاقتصادي ومحاضر المالية - جامعة ليفربول، الدكتور محمد حسن عبد القادر: تواجه المنطقة اليوم تحديات غير مسبوقة بفعل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، والتي باتت تهدد بتوسيع رقعة الصراع وتعميق آثاره على اقتصادات دول منطقة الشرق الاوسط، وفي مقدمتها الاقتصاد الأردني.
وأضاف الدكتور عبد القادر ان من أبرز المخاطر الاستراتيجية في هذا السياق، ما يتعلق بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، الذي يمثل شريان الطاقة العالمي، حيث تمر عبره نحو 40% من حركة تجارة النفط العالمية، منها نحو 28% تمثل مساهمة دول الخليج في احتياجات الطاقة العالمية، ولا يقل خطورة عن ذلك، السيناريو الأسوأ المتمثل في إغلاق مضيق هرمز ومضيق باب المندب معاً، الأمر الذي ينذر بحدوث انقطاع واسع في سلاسل التوريد، وارتفاع كبير في تكاليف الشحن، وتفاقم معدلات التضخم نتيجة اضطراب حركة التجارة العالمية.
واشار: رُصد بالفعل خلال الايام الماضية ارتفاع تكاليف التأمين البحري في منطقة الخليج العربي بنسبة تقارب 80%، بحسب بيانات شركات عالمية متخصصة، ما يعكس تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها المباشر على كلف النقل والتجارة.
وقال انه في ظل هذا المشهد، تصبح الحاجة ملحّة لأن تتحرك الحكومة الأردنية وفق محورين: اولا - إدارة المخاطر الاقتصادية الفورية وهذا يتمثل في الإسراع في تأمين مصادر بديلة للطاقة، بما في ذلك التعاقد على شحنات نفط وغاز مسال بنظام البواخر العائمة، وتفعيل الاتفاقيات لاستيراد الغاز المسال عبر ميناء العقبة.
حماية القطاع السياحي من خلال تكثيف الجهود الترويجية في أسواق بديلة، وتقديم حوافز للمنشآت السياحية لضمان استدامة عملها رغم التحديات، بالاضافة الى إطلاق حملات وطنية شاملة لدعم المنتج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، بما يخفف من مخاطر انقطاع سلاسل الإمداد وارتفاع كلف الشحن، وايضا تسهيل التجارة ودعم الاستثمار عبر توفير بدائل لوجستية مرنة، وتقليل الكلف الجمركية والرسوم على السلع الحيوية، وتشجيع المستثمرين على مواصلة أنشطتهم رغم الأوضاع غير المستقرة.
اما المحور الثاني و من خلال تحقيق الاستفادة الاستراتيجية من الأزمة: وذلك بتسريع خطوات التعاون مع العراق في مشروع أنبوب النفط «البصرة-العقبة» بما يعزز من دور العقبة كميناء استراتيجي بديل لتصدير النفط، خاصة وأن إغلاق مضيق هرمز يشكل خطرا اساسيا على صادرات النفط العراقية حيث يصدر العراق ما نسبته 90 – 95% عبر مضيق هرمز.
بالاضافة الى الترويج لميناء العقبة كمركز بديل لنشاط النقل البحري والاستيراد والتصدير لدول الخليج، بما يسهم في تقليل الاعتماد الإقليمي المفرط على مضيق هرمز.
وقال إن الظروف الحالية تفرض على الأردن ودول المنطقة إعادة صياغة شراكاتها الاقتصادية واللوجستية لضمان أمن الإمدادات، وتقليل الهشاشة أمام الأزمات الجيوسياسية، وسط مشهد إقليمي شديد التعقيد والتقلب.
بدوره قال الخبير الاقتصادي مازن ارشيد انه في مواجهة التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط فان على الحكومة الأردنية أن تتحرك في أكثر من اتجاه ولا بد من إعادة النظر بشكل جذري في ملف الطاقة، والتوقف عن الاعتماد الحصري على الغاز الإسرائيلي، الذي أثبت هشاشته سياسيًا واقتصاديا. كما يجب على الحكومة تسريع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية التي تملك الأردن فيها إمكانات هائلة يمكن أن تغطي ما لا يقل عن 60% من احتياجاته إذا ما تم توسيع البنية التحتية، وعلى سبيل المثال، محطة المفرق للطاقة الشمسية والتي تُنتج حاليا حوالي 150 ميغاواط، ويمكن مضاعفتها خلال عامين فقط إذا توفرت الإرادة والدعم المالي.
أما على مستوى السياحة، فمن الضروري تدشين حملة ترويجية ذكية في الأسواق البديلة مثل دول الخليج، وماليزيا، وإندونيسيا، حيث يكون التأثير الأمني الإقليمي أقل، إضافة إلى تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات للمكاتب السياحية الوطنية لتستعيد نشاطها، ويجب كذلك تفعيل السياحة الداخلية بشكل موسع لتعويض جزء من الخسائر، من خلال دعم البرامج المحلية وتخفيض كلف النقل والدخول للمواقع الأثرية.
وفيما يتعلق بالتجارة، على وزارة الصناعة والتجارة التنسيق العاجل مع الجهات المعنية لتأمين بدائل لخطوط الشحن المتأثرة، وربما التفاوض مع شركات شحن كبرى لتثبيت أسعار تفضيلية، فضلًا عن تشجيع التجارة البينية العربية خاصة مع مصر والسعودية، عبر تعزيز خطوط النقل البري.
كما يجب إطلاق حزمة تحفيزية جديدة لدعم القطاع الصناعي المتضرر من نقص الغاز، تشمل إعفاءات جمركية مؤقتة على المواد الخام، وتأجيل الضريبة العامة على المبيعات لبعض الأنشطة الصناعية.
من جانبه قال الخبير في مجال الطاقة هاشم عقل ان المنطقة شهدت تطورات إقليمية متسارعة، وذلك عقب إعلان إسرائيل عن وقف ضخ الغاز من حقولها البحرية، وعلى رأسها «ليفياثان»، مشيرا ان ذلك شكّل صدمة فورية في أسواق الطاقة في المنطقة.
واضاف عقل ان هذه التطورات المتسارعة تضع الأردن أمام اختبار جدي لقدراته على التعامل مع الأزمات الطارئة، لا سيما في قطاع حساس كقطاع الطاقة، وخاصة بعد ان اعلنت إسرائيل
في 13 حزيران عن وقف تصدير الغاز إلى كل من مصر والأردن على خلفية تصعيد أمني مع إيران، أدى إلى إغلاق مؤقت للمنشآت في عرض البحر.
ولفت عقل انه وبهذا القرار، فقد الأردن أحد أهم مصادر الطاقة لديه، إذ كان يعتمد على الغاز الإسرائيلي لتوليد نسبة كبيرة من احتياجاته الكهربائية اليومية، تصل إلى ما يعادل 300 مليون قدم مكعب يوميًا.
وفي رده على سؤال حول تحديات الأحداث الجارية في المنطقة وتاثيرها على الاردن قال ان لدى الاردن خططا طارئة وان الجهات الرسمية في الأردن سارعت لطمأنة الرأي العام، مؤكدة وجود مخزون استراتيجي يكفي لعدة أسابيع، بالإضافة إلى خطط طارئة لتشغيل محطات التوليد باستخدام الغاز المسال المستورد عبر ميناء العقبة، أو اللجوء إلى تشغيل مولدات تعتمد على زيت الوقود والديزل في الحالات القصوى، إلا أن هذه البدائل لا تخلو من أعباء مالية، إذ ترتفع كلفة الإنتاج بشكل كبير مقارنة بالغاز الطبيعي المستورد.
وفي رده على سؤال حول قدرة منظومة الطاقة الاردنية في التعامل مع مثل هذه التحديات واثرها في رفع الكلف على الدولة اشار أن منظومة الطاقة الأردنية قادرة على التعامل مع كافة الظروف الطارئة وامتصاص الصدمة ومواجهة كافة الاحتمالات، لكن استمرار الانقطاع لفترة طويلة سيضع تحديات إضافية على الموازنة العامة وأسعار الطاقة كما سيرتب كلفة اقتصادية وتبعات محتملة ، بالرغم من أن المملكة تمكنت حتى اللحظة من تفادي اي انقطاعات أو تقنين، إلا أن الأثر الاقتصادي بدأ يُلمس تدريجيًا، مع توقعات بارتفاع أسعار الكهرباء للمستهلكين، خصوصًا مع ارتفاع تكلفة التوليد بالوقود البديل وهذا قد ينعكس بدوره على أسعار السلع والخدمات، ويزيد من الضغط على القطاعات الإنتاجية المختلفة الا ان هذا الخيار ليس قريب التطبيق لأن الحكومة لديها بدائل وخيارات تخفف من حدة الأزمة وإيجاد بدائل جديدة واقتصادية.
وفي تعليق له على كيفية خروج الاردن من مثل هذه الازمات قال أن هذه الظروف الطارئة فرصة لإعادة النظر في البدائل والسير في مشاريع استثمارية محلية تسهم في الاعتماد على المنتج المحلي كمصدر أساسي للطاقة كما ان على الحكومة إيجاد خطط تأتي في إطار رؤية وطنية تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، خاصة وأن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الأساسية إلى جانب الطاقة المتجددة والصخر الزيتي.
ولفت ان المملكة بصدد حفر 80 بئرا في حقل الريشة لتطوير وزيادة الانتاج بعد ان تم جلب حفارات حديثة وتوقيع اتفاقيات مع عدة شركات للمسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد كما وقّعت الحكومة عدة اتفاقيات مع شركات محلية لتسييل الغاز وتزويد القطاع الصناعي وغيرها من القطاعات الاقتصادية لتخفيض تكلفة الطاقة والذي يساعد الصناعات الاردنية على المنافسة داخلياً وخارجياً ويسهم في زيادة الصادرات والتوسع في الاستثمار الذي يسهم في معالجة جزء من مشكلة البطالة بالإضافة إلى تحقيق إيرادات مالية بالعملات الصعبة.
واكد ان على الاردن التوجه نحو استقلال طاقي أوسع وان تتجه الأنظار الآن نحو مشاريع استراتيجية لتعزيز استقلالية المملكة في هذا القطاع الحيوي، وعلى رأسها مشاريع الطاقة المتجددة، التي باتت تساهم بما نسبته 30–38% من إجمالي إنتاج الكهرباء وستصل إلى 50% - 55% عام 2030، إضافة إلى وجود احتياطيات هائلة من الزيت الصخري كما ويجب التوجه نحو استغلالها في مشاريع لتوليد الكهرباء، وتوسيع البنية التحتية وحفر المزيد من الآبار لزيادة الإنتاج في حقل الريشة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي كما هو مخطط في عام 2030.
واشار انه وفي ظل هذه التطورات، تبدو الحكومة مصممة على تسريع وتيرة العمل على مشاريع الطاقة البديلة، ليس فقط كخيار اقتصادي، بل كضرورة أمنية وطنية مشيرا إن توقف الغاز الإسرائيلي عن الأردن يشكل جرس إنذار حقيقيا، لكنه في الوقت ذاته قد يكون نقطة تحوّل فارقة تدفع المملكة إلى تعزيز أمن الطاقة وبناء منظومة أكثر مرونة واستقلالًا.
واكد انه إذا ما تم استثمار الأزمة بالشكل الصحيح، فقد يتحول التحدي إلى فرصة لبناء مستقبل في قطاع الطاقة أكثر استدامة، بعيدًا عن تقلبات الجغرافيا السياسية.
من جانبه قال المتخصص في شؤون النقل اللوجستي الدكتور محمود الخصاونة ان التطورات الإقليمية المتسارعة في المنطقة كان لها تأثيرها على قطاع النقل اللوجستي في المنطقه والأردن، مشيرا أن ما يجري حاليا من تداعيات الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران قد أثرت بشكل كبير على قطاع النقل اللوجستي في منطقه الشرق الأوسط عموما والاردن خصوصا.
واضاف الدكتور الخصاونة: أثرت الحرب الدائرة حاليا بين طرفي النزاع على حركه النقل وخصوصا في قطاعي النقل الجوي والنقل البحري حيث قامت كثير من دول المنطقة بوقف حركة الطيران من والى مطاراتها مما أدى إلى تأخير وتأجيل وصول الطائرات إلى بعض تلك الدول.
أضف إلى ذلك أن دول العالم الأخرى خارج إطار منطقة الشرق الاوسط قد قامت بوقف او تأجيل حركه الطائرات سواء المدنية أو التجارية مما أدى إلى التأثير على حركة التجارة العالمية فيما يخص طائرات الشحن أو تأخر وصول او إقلاع الطائرات، حيث أشارت المواقع العالمية المتابعة لحركة الطيران الى خلو منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية ومنذ بدء الهجمات المتبادلة إلى أي نشاط جوي.
أما فيما يخص النقل البحري وحركة السفن في المنطقة قال الخصاونة : أدت الحرب الدائرة حاليا إلى تقليل حركة السفن إلى موانئ المنطقة خوفا من تعرض تلك البواخر إلى هجمات عسكرية من أحد طرفي النزاع حيث أصبحت مهاجمة البواخر التابعة أو القادمة لأحد أطراف النزاع تعتبر وسيلة ضغط عسكرية وسياسة وليس أدل على ذلك عندما قامت قوات الحوثيين من اليمن بمهاجمة البواخر القريبة من منطقة البحر الأحمر مما أدى إلى تقليل النشاط البحري في تلك المنطقة وخصوصا البواخر القادمة أو المغادرة من الموانيء التي تتبع لأطراف النزاع أو الدول المحيطة بها.
ولفت الدكتور الخصاونة أن الصراع الدائر حاليا في المنطقة وفي حال استمراره سيؤدي وبلا شك إلى ضرب النشاط الاقتصادي عموما لكل دول المنطقة من حيث التأثير على عمليات الاستيراد والتصدير لكل دول المنطقة، أضف إلى ذلك التأثير على عمليات نقل النفط من الدول المحيطة والقريبة من أطراف النزاع.