أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Oct-2025

نمو اقتصادي ومؤشرات ايجابية!*د. رعد محمود التل

 الراي 

رغم الاضطرابات الإقليمية المتسارعة أظهر الاقتصاد الأردني قدرة لافتة على امتصاص الصدمات الخارجية والحفاظ على مسار نمو إيجابي. هذه النتيجة لم تأتِ صدفة، بل كانت حصيلة مزيج من الاستقرار النقدي، والسياسات الاقتصادية والمالية الحذرة. وفي هذا السياق، تمكن الناتج المحلي الإجمالي من تسجيل نمو بلغ 2.8% في الربع الثاني من 2025 متجاوزاً التوقعات، وهو ما يعكس مرونة الاقتصاد في بيئة إقليمية مضطربة.
 
عند تحليل هيكل النمو الاقتصادي، تتضح صورة أعمق! فالمشهد الأكثر دلالة يتمثل في تقارب مساهمة قطاع الصناعات التحويلية مع قطاع الخدمات المالية والتأمين والعقارات. الأول يسهم بنسبة 18.2% والثاني بنسبة 18.3% هذا التوازن لا يُعد تفصيلًا عابرًا، بل إشارة قوية إلى أن الاقتصاد الأردني يتجه تدريجيًا نحو توازن أكبر بين القطاعات الإنتاجية والخدمية، وهو شرط أساسي للنمو المستدام.
 
الأهم من ذلك أن الصناعات التحويلية لم تكتفِ بمكانتها الكبيرة، بل سجلت نموا لافتا بلغ 5%، لتكون ثاني أعلى القطاعات نموًا. هذا التطور يعكس توسع القدرات التصنيعية وزيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي بدلاً من الاستيراد. أثر هذا التحول مزدوج: فهو يعزز تنافسية الصادرات الأردنية من جهة، ويفتح الباب أمام فرص عمل ذات قيمة مضافة من جهة أخرى.
 
وإلى جانب الصناعة، برز قطاع الزراعة كلاعب قوي هذا العام، بعدما قاد معدلات النمو مسجلًا8.6%. صحيح أن مساهمته لا تزال متواضعة عند حدود4.3% من الناتج المحلي، إلا أن تطور هذا القطاع يمثل ضرورة استراتيجية، إذ يمكن أن يشكل رافعة اقتصادية عبر تعزيز الأمن الغذائي وتوليد آلاف الوظائف في الأرياف والمناطق الزراعية. في موازاة ذلك، أظهر قطاع النقل والتخزين والاتصالات أداءً متماسكًا، إذ ساهم بما يقارب 9% من الناتج وسجل نموا عند حدود 4%، وهو ما يجعله أحد القطاعات المرشحة لدعم التحولات الاقتصادية المقبلة، خصوصًا مع التوسع في التجارة والخدمات اللوجستية والرقمية.
 
النمو لم يكن داخليا فقط، بل دعمه أيضا زخم خارجي واضح. فقد ارتفعت الصادرات الوطنية بنسبة 8.5%، ما يعكس قدرة المنتجات الأردنية على المنافسة في أسواق صعبة. كما لعب القطاع السياحي دورا محوريا، حيث ارتفع الدخل السياحي إلى 5.3 مليار دولار مدفوعا بزيادة أعداد الزوار بنسبة 14.9%. هذه التدفقات عززت الاحتياطيات الأجنبية لتقترب من 23 مليار دولار، وهو مستوى كفيل بتعزيز استقرار الدينار وتخفيف الضغوط التضخمية، وبالتالي دعم القدرة الشرائية للمواطن.
 
أما على صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد جذب الأردن خلال النصف الأول من 2025 ما قيمته 1,050 مليون دولار، بزيادة نسبتها 36.4% عن العام الماضي. ورغم أن الطموحات أكبر من ذلك، إلا أن هذا الإنجاز يبقى جيدا في ظل الظروف الإقليمية الصعبة. اللافت أن السعودية استحوذت على 26% من التدفقات، فيما توزعت البقية بين أوروبا وأمريكا وآسيا، وهو ما يمنح الاستثمارات تنوعا جغرافيا يعزز الاستقرار. أما على المستوى القطاعي، فتركزت التدفقات في المالية والتأمين (37.5%) والعقارات (11.5%) والنقل والتخزين (6.9%) والصناعات التحويلية (6.7%) والتعدين (6.6%). هذا التوزيع يحمل بعدا مهما، إذ يتيح فرصا أوسع لخلق وظائف حقيقية في قطاعات إنتاجية متنوعة.
 
لكن يبقى السؤال الجوهري: متى يلمس المواطن ثمار هذا النمو؟ وفي الواقع أن الأثر لا يظهر فورا، بل يتبلور عبر ثلاثة مسارات مترابطة. الأول هو سوق العمل، حيث لن يتحقق التحسن الواضح إلا عندما تتضاعف معدلات النمو عن مستوياتها الحالية، خاصة في القطاعات الكبرى كالصناعة والخدمات، لأنها الأكثر قدرة على توليد وظائف واسعة. الثاني هو الحفاظ على القدرة الشرائية، التي ترتبط باستقرار الاحتياطيات وتراجع التضخم، وهو ما ينعكس على أسعار السلع الأساسية للمواطن، وخاصة الغذاء والطاقة. أما الثالث فيتمثل في استمرار زخم الاستثمارات بالبنية التحتية والخدمات، والتي تترجم إلى تحسن في جودة الحياة، من الكهرباء والمياه إلى النقل والخدمات الاجتماعية. بعبارة أدق، الأرقام الحالية تمثل انطلاقة واضحة لمسار النمو، لكن تحويلها إلى واقع ملموس في حياة الناس يحتاج الوقت الكافي، شريطة أن يستمر الاقتصاد في الحفاظ على زخمه وتوسيع قاعدته الإنتاجية.