أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Jul-2025

اجتماعات "المياه الأردنية السورية": شراكة إستراتيجية تعيد توازن الحصص المائية

 الغد-إيمان الفارس

يُنظر لاجتماعات اللجنة الفنية الأردنية- السورية، على أنها خطوة عملية نحو بناء جسور الثقة وإطلاق مبادرات تنمويه متقدمة في قطاع المياه، تصبّ في أهداف إستراتيجية، تعكس إدراكا مشتركا وإيجابيا يمكن البناء عليه لاستعادة التوازن والعدالة في تقاسم الموارد المائية المشتركة، بخاصة في حوض نهر اليرموك.
وفي هذا النطاق، فإن ذلك قد يشكل منصّة مهمة، تفضي لنتائج ملموسة، بخاصة في سياق بحث الملفات المائية المشتركة، وتعزيز التنسيق الثنائي في واحدة من أكثر القضايا حساسية وإلحاحا بين الجانبين: الأردني والسوري؛ وهو الأمن المائي، وزيادة كفاءة الموارد، وفتح آفاق جديدة للتكامل بين البلدين في مجالات البيئة والبنية التحتية، ما يفضي للإدارة المستدامة للموارد المائية في المنطقة.
تطور إيجابي في علاقات الطرفين 
فخلال استقبال وزير المياه والري الأردني رائد أبو السعود أمس بمقر الوزارة، لوفد سوري رفيع المستوى، يرأسه معاون وزير الطاقة السوري لشؤون الموارد المائية أسامة أبو زيد، في إطار اجتماعات اللجنة المنعقدة في عمّان، بحضور عدد من كبار المسؤولين الأردنيين، بينهم الأمناء العامون لـ: سلطة وادي الأردن هشام الحيصة، ووزارة المياه والري د. جهاد المحاميد، وسلطة المياه سفيان البطاينة، وما سبقه من لقاءات، حمل اللقاء أبعادا تتجاوز مجرد تبادل الخبرات الفنية، إذ إنه يُشكل جزءًا من دبلوماسية المياه الإقليمية، ويعكس تطورا إيجابيا في العلاقات الأردنية السورية، وبالذات في ظل التحديات البيئية كالتغير المناخي، توازيا وتحديات الملف المائي الثنائي المشترك في "حوض اليرموك".
ويأتي تعزيز التنسيق في هذا الملف، ليؤكد أهمية الشراكة الإقليمية بإدارة المصادر الطبيعية، والاعتراف بأن التعاون، هو الطريق الأمثل لضمان الاستدامة، في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافا.
التوازن بتقاسم الموارد المائية
وفي هذا السياق، أكد الخبير الدولي في قطاع المياه د. دريد محاسنة، في تصريحات لـ"الغد"، أن الاجتماع الفني المنعقد حاليا في عمان، يمثل "مبادرة طيبة" وخطوة إيجابية يمكن البناء عليها لاستعادة التوازن والعدالة بتقاسم الموارد المائية المشتركة، بخاصة في "حوض اليرموك".
وقال محاسنة، إن "الاجتماع يشكّل فرصة مهمة للطرفين، ونتمنى بأن يُتبع باجتماعات أخرى مخصصة لتحديث الحصص المائية في الحوض، وهي الحصص التي غابت عن التحديث والتطبيق العادل منذ سنوات، ما تسبب بظلم واضح للجانب الأردني في حصته من المياه".
وأضاف، أن استمرار الصراعات الداخلية في الجانب السوري خلال السنوات الماضية، وما رافقها من نشاطات مائية غير منسقة، كحفر الآبار العشوائية وإنشاء سدود مخالفة للاتفاقيات الثنائية، أدّى لاختلال بتوزيع المياه، خصوصًا على حساب حصة الأردن التي تُعد حيوية لأمنه المائي.
وأكد محاسنة، أن سد الوحدة يعد مسألة محورية في هذا السياق، مبينا أن رفع منسوب المياه فيه، قضية أساسية بالنسبة لنا في الأردن، لأن السد لا يُمثّل فقط بنية تحتية، بل هو صمام أمان للأمن المائي الوطني، مضيفا لقد "شهدنا تجاوزات متكررة عبر السنوات الماضية، أثّرت على مخزون السد، وآن الأوان لإعادة ضبط هذا المسار بالحوار الفني والالتزام بالاتفاقيات".
ولفت إلى أن الحوار يجب ألا يقتصر على معالجة تركات الماضي فقط، بل وأن ينطلق برؤية مستقبلية، موضحا أنه "يجب ألا نُركّز فقط على ما حصل سابقًا، بل نتطلع نحو المستقبل، لضمان ديمومة واستمرارية تزويد المياه لحوض اليرموك، بخاصة في ظل المتغيرات المناخية والضغط على الموارد. فالتخطيط المستقبلي المشترك أصبح ضرورة وليس خيارا".
وأكد الخبير الدولي، أهمية استثمار الزخم الحالي لبناء آلية مستدامة للتنسيق الفني والسياسي بين الجانبين، داعيًا لإنشاء لجان فنية دائمة، وإعادة تفعيل اتفاقيات المياه، بما يخدم مصالح الشعبين ويُجنب المنطقة أزمات مائية محتملة.
ملف المياه أولوية سياسية
بدوره، أكد الأمين العام الأسبق للوزارة إياد الدحيات، استمرارية الفرصة لبناء نموذج شراكة متقدمة بين الأردن وسورية، إذا ما تم التعامل مع ملف المياه كأولوية سياسية وإستراتيجية، وليس مجرد قضية فنية، مشددا على أن "المياه في هذه المنطقة، لم تعد موردًا فقط، بل أصبحت أداة سيادة وبقاء.. من هنا تبدأ الشراكة الحقيقية".
وأشار الدحيات لأهمية المباحثات السياسية واللجان الفنية التي عُقدت في عمّان، كونها تمثل لحظة محورية لإعادة بناء جسور التعاون، لكنّ نجاحها في ملف المياه، يتطلب تبني نموذج مختلف وجاد لإدارة حوض اليرموك المشترك، ويرتكز على شراكة إستراتيجية واضحة وعملية، تضمن العدالة والمنفعة المتبادلة.
وقال الدحيات إن "تشكيل لجان فنية مشتركة، لا سيما في قطاع المياه، يجب أن يقترن بنهج جديد لإدارة الحوض المشترك، يقوم على تحويل التحديات إلى فرص، ويعزز من حقوق الأردن المائية كدولة مصب، مع ضمان التزام دولة المنبع، أي سورية بالاتفاقيات الثنائية القائمة".
وأوضح، أن الإستراتيجية الوطنية الأردنية للمياه 2023–2040، المستندة على رؤية التحديث الاقتصادي، نصت في هدفها الثالث على ضرورة اضطلاع الأردن بدور قيادي في إدارة اللجان المائية المشتركة، نظرًا لكونه المتضرر الأكبر من أي إخلال أو تجاوز على مصادر المياه المشتركة.
وأشار الدحيات، إلى أن "حوض اليرموك" الذي تُقدّر مساحته بـ7295 كم²، يقع 80 % منه في الأراضي السورية، بينما يحظى الأردن بـ20 % فقط، وهو ما يضع المملكة في موقف حساس عند أي تجاوز سوري بإدارة الموارد.
وتابع "نهر اليرموك ينبع من روافد جبلي الشيخ والعرب، ويصب في نهر الأردن قرب الباقورة، وقد جرى تنظيم استثماره باتفاقية مشتركة في العام 1987، ووقعت بعد 3 عقود من التفاهمات المتغيرة، لكنها بقيت غير فعّالة بحماية حقوق الأردن".
وأضاف الدحيات، أن الاتفاقية سمحت لسورية بإنشاء 26 سدًا بسعة تخزينية تبلغ 134 مليون م3، مقابل بناء الأردن لـ"سد الوحدة" الذي خُفضت سعته من 200 إلى 110 ملايين م3 لأسباب تمويلية، وإلغاء محطة توليد الطاقة التي كانت مقررة بموجب الاتفاق الأصلي.
وأشار إلى أنه منذ بدء التخزين التجريبي في السد منذ العام 2006 وحتى 2012، لم تتجاوز تدفقات نهر اليرموك للأردن 10 % من الكميات المتفق عليها في اتفاقية العام 1987، نتيجة للاستخدامات السورية العشوائية، وغياب آليات فعالة للمراقبة والامتثال.
وأكد أن هناك حاجة فورية لتحديث الاتفاقية، بما يتماشى مع الواقع المناخي الجديد والاستخدامات المتزايدة، مشيرًا إلى وجود ثغرات قانونية وفنية كبيرة في الاتفاقية، من أبرزها تجاهل تنظيم المياه الجوفية، وعدم التزام الجانب السوري بعدد السدود المتفق عليها، وحفر آلاف الآبار دون تنسيق، وهو ما أثر سلبًا على الجريان السطحي والشحن الجوفي.
واقترح الدحيات 7 محاور عمل إستراتيجية لتأطير التعاون الفني المستقبلي، تشمل: إجراء دراسة فنية مشتركة لتشخيص وضع الحوض وتقييم المنشآت وكفاءة استخدامات المياه، وتأسيس نظام مراقبة لحظي باستخدام أجهزة استشعار وذكاء اصطناعي لضمان الشفافية، وتنظيم التلوث ومعالجة المياه العادمة، وتوفير مياه مستصلحة مستقبليًا للأغراض الزراعية.
وذلك إلى جانب الاستفادة من تجربة الأردن في الزراعة الذكية، وتشكيل جمعيات مستخدمي المياه، ونقل الخبرة الأردنية لإعادة بناء المؤسسات السورية في القطاع والبنية التحتية، ومراجعة اتفاقية 1987 لسد ثغراتها وضمان شمولها لمصادر الحوض مائيا، والاستناد على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، لتأطير التعاون على أسس قانونية ومعايير عدالة دولية.
وعلى جانب الزيارة، أجرى الوفد السوري جولة ميدانية على مرافق مركز السيطرة ومراقبة العمليات بالوزارة، والذي يُعد أحد أبرز المراكز الإقليمية المتقدمة باستخدام أنظمة المراقبة الحديثة وإدارة المياه والطوارئ، أبدى الجانب السوري خلالها إعجابه بقدرة المركز على مراقبة مصادر المياه، بما في ذلك السدود، وخزانات المياه، ومحطات الضخ، باستخدام أنظمة الإنذار المبكر، وتقنيات المشاهدة عن بُعد، التي تغطي محافظات المملكة.
كما اطلع الوفد، على سير عمل فرق الصيانة الإلكترونية المرتبطة بمركز العمليات، ما يعكس احترافية عالية في التعامل مع تحديات التغير المناخي وندرة الموارد، وعبّر عن تقديره الكبير للإدارة المائية الأردنية "الحصيفة"، وفق تعبيرهم، في مواجهة ظروف الجفاف وندرة المياه، مؤكدين رغبتهم في الاستفادة من الخبرات الأردنية ونقل التجربة لسورية.
وهذا التوجه، يفتح الباب أمام مزيد من التعاون الفني والتقني، ويعزز فرص تطوير مشاريع مائية مشتركة قادرة على دعم الأمن المائي في كلا البلدين.