الغد-فرح عطيات
يفتح خليج العقبة الباب واسعا، على المضي نحو الاستثمار في الشعاب المرجانية اللينة، لأنها تعد مصدرا واعدا لاستخلاص مركبات طبية، ما يتيح للصناعات الدوائية الأردنية المجال دخول هذا الباب.
وفي هذا النطاق، تعد الشعاب المرجانية بمنزلة خزانة لحفظ الأدوية، لاحتوائها على عدد ضخم من الكائنات الحية، بما في ذلك الإسفنج والمرجان وأرانب البحر، التي تحتوي على جزيئات تمتاز بآثار قوية مضادة للالتهابات، و/ أو مضادة للفيروسات، و/ أو مضادة للأورام، و/ أو مضادة للبكتيريا، وفق بيانات للأمم المتحدة، ويجري تطوير علاجات جديدة منها لأمراض الزهايمر والقلب، والفيروسات، والالتهابات.
ولأن مرجان العقبة، الناجي الوحيد عالمياً من ارتفاع درجات الحرارة، والأكثر منعة في مواجهة آثار التغير المناخي، فإن ذلك يجعل خليج عقبة مستودعًا جينيًا بالغ الأهمية، إذ أثبتت دراسات عديدة، بأن الشعاب غنية بمركبات ثانوية كالتربينويدات، والستيرولات والقلويدات ذات الخصائص الدوائية المتعددة، وفق المختص بالتنوع الحيوي أيهاب عيد.
وقد أظهرت الأبحاث المخبرية، أنّ مركبات مستخلصة من أجناس معينة من المرجان، تتمتع بقدرات مضادة للسرطان بتثبيط نمو الخلايا الورمية، وتحفيز موتها المبرمج، والحد من تكوّن الأوعية الدموية المغذية للأورام، بالإضافة لتأثيراتها المضادة للالتهاب والمعدّلة لجهاز المناعة، تبعا له.
وبرغم أنّ هذه النتائج، ما تزال في مراحلها قبل السريرية، لكن عيد أكد لـ"الغد" أن المرجان اللين يُمثل اتجاهاً بحثياً متقدماً في مجال اكتشاف أدوية جديدة لعلاج السرطان والأمراض المزمنة الأخرى، غير أنّ أي مبادرة تتعلق بنقل عينات من المرجان، أو أي موارد جينية بحرية للخارج لأغراض البحث العلمي، أو تطوير الصناعات الدوائية، تجب الموافقة المسبقة عليها من وزارة البيئة.
واستند برأيه على نظام الحصول على الموارد الجينية، والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها لسنة 2021، الذي يؤكد بأنّها موجودة في المملكة، وتُعد ملكاً لها، ولا يجوز استغلالها، أو التصرف بها إلا عبر قنوات رسمية معتمدة، بما يضمن حماية التنوع الحيوي وصون الحقوق الوطنية في تقاسم المنافع.
ويُعد هذا النظام، من وجهة نظره، ضمانة أساسية تكفل للدولة الأردنية حصتها المشروعة من العوائد الاقتصادية المتوقعة من الصناعات الدوائية المستخلصة من الموارد البحرية، بخاصة وأنّ هذه الصناعات تُدر أرباحاً كبيرة، ينبغي صيانة نصيب الدولة العادل منها. وبالتالي، فإن أي استثمار في موارد خليج العقبة، يجب أن يترافق مع التزام واضح بحماية البيئة البحرية، وضمان العدالة في تقاسم المنافع، وصون حقوق الأردن في موارده الطبيعية
وبرغم ما أشارت إليه الدراسة الحديثة التي أكدت أنّ تحمّض المحيطات بلغ مرحلة حرجة على مستوى الكوكب، لكن القراءات على مستوى خليج العقبة ما تزال مطمئنة، وفق تأكيدات عيد. مضيفا أن "تلك التأكيدات جاءت في ظل المهمة التي نفذها خلال مرحلة إعداد جزء حول هشاشة البيئة البحرية للتغير المناخي في التقرير الوطني الرابع لاتفاقية التغيّر المناخي الصادر عن وزارة البيئة".
وأضاف، أن المعلومات المتوافرة حول الخصائص الفيزيائية للخليج جُمعت بين 2006 و2020، وتحليلها على ثلاثة مستويات رئيسة، أحدها مرتبط بالزمن عبر دراسة البيانات شهرياً خلال فترة الرصد. أما المكاني، فجرى العمل عليه عبر بعدين، الأول مرتبط بالأعماق من 1م وحتى 400 م، والثاني بمواقع أخذ العينات على امتداد الساحل.
وهدفت هذه التحليلات، بحد قوله، لتوليد مؤشرات كمية لعناصر التعرض، والحساسية، والقدرة التكيفية، مشددا على أن نتائج النمذجة حتى عام 2100 أظهرت استقراراً زمنياً واضحاً، إذ تراوحت قيم الحموضة بين 8.29 – 8.31، وهي تتوافق مع القيم المعروفة في الخليج العقبة التي تدور حول 8.3.
وبشأن الأعماق البحرية، أكد عيد أن التوقعات بينت ارتفاعاً طفيفاً في قيم الحموضة على الأعماق، لكنها ستبقى متذبذبة حول القيمة الطبيعية، ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد أظهرت النتائج بأن معظم مواقع الرصد في الخليج، تحافظ على القيم الطبيعية، باستثناء موقعي نادي المرجان والمخيم الوطني، إذ لوحظ انخفاض ملحوظ في قيمة الحموضة بحلول عام 2100 لتصل لـ7.07 في الموقعين.
وأشار إلى أن هذه النتائج، بالإضافة لمؤشرات العوامل الفيزيائية الأخرى التي أظهرت استقراراً حتى عام 2100، تؤكد أن البيئة البحرية في خليج العقبة مستقرة نسبياً. معزيا ذلك لعدة عوامل، أهمها محدودية تبادل المياه مع البحر الأحمر، لوجود مضيق تيران الضيق والضحل، ما يجعل زمن مكوث المياه في الخليج طويلاً، قد يتجاوز عامين في الأعماق العليا و3 أعوام أو أكثر في الأعماق السفلى.
وعلى صعيد القسم الجنوبي من ساحل العقبة، فإن التيارات الموازية للشاطئ ضعيفة جداً، وتحدث في الاتجاهين الشرقي والغربي، ما يعزز من استقرار الخصائص الفيزيائية للمياه، كما أفاد.
وكان وزير البيئة د. أيمن سليمان أكد خلال لقائه ممثلي وسائل إعلام بمنتدى التواصل الحكومي الأسبوع الماضي، أن الشعاب المرجانية الصلبة والرخوة، فرصة طبية للصناعات الدوائية والتطبيقات الطبية، فالرخوة تستخدم بأدوية علاج السرطان واستبدال العظام في الجسم البشري
ومن وجهة نظر الرئيس التنفيذي لشركة دار الدواء للتطوير والاستثمار د. خالد حرب، هنالك كائنات ملاصقة للشعاب المرجانية كالإسفنج وغيرها، والتي قد تحمل معها فرصة لعلاج أمراض كالسرطان، واستخدامها كمضادات للفيروسات والالتهابات.
لكن هذه الشعاب المرجانية هي محمية بموجب القوانين المحلية والدولية البيئية، لأن أعدادها قليلة، وأن أي استخلاص لأي مركبات طبية منها، قد يُسهم بانقراضها، ولا تحمل أي جدوى اقتصادية معها، برأيه.
ولفت لـ"الغد"، إلى أن معظم شركات الأدوية لا تلجأ للشعاب المرجانية لاستخلاص الأدوية، فالتصنيع والدراسات السريرية المرتبطة بها للتأكد من مأمونيتها على صحة الإنسان، تتطلب تكاليف مالية عالية، ووقت طويل جداً. لذلك فإنها تحتاج لوجود شراكة بين الحكومات والشركات والجامعات، إلى جانب الحاجة لعمليات استزراع كبيرة للشعاب لاستخلاص الأدوية، والتي ترافقها كلف مالية عالية جداً.
ولفت إلى أن صناعة الأدوية، تأخذ سنوات عديدة في مراحلها المختلفة، بل وتتطلب موافقات عديدة لحين السماح باستخدامها، والتي تكلف في مرات عدة مليارات الدنانير.
وبرأيه، فإن فكرة إنشاء مشروع لاستخلاص الأدوية من الشعاب، واعدا لكنه يتطلب كثيرا من الموارد المالية وغيرها، لحين تنفيذه على أرض الواقع.