الغد- فرح عطيات
لن تقف درجات الحرارة عن الارتفاع وبشكل "غير مسبوق" في الأردن، اذ سيشهد موجات حرارية يطول أمدها الزمني خلال الأعوام المقبلة، مما يضعه على منحنى "خطير" في حماية أمنه المائي والزراعي.
فانعكاسات هذه الموجات باتت أكثر وضوحاً على الهطولات المطرية التي قد تنخفض الى نسبة 21 %، في حال استمر الاحترار العالمي في الارتفاع تدريجياً.
ولا يقف الأمر عند هذه الموجات، بل إن هنالك تبعات "متطرفة" سيشهدها الأردن لتغير المُناخ، خلال الأعوام المقبلة إن لم يعد النظر في سياساته المُناخية القطاعية لتتواءم هذه المستجدات، وإن لم يغير العالم اتجاهاته بقمم المناخ المعتمدة على السياسة بدلا من حماية البيئة، وفق خبراء.
موجات حارة طويلة الأمد
وبات يشهد الأردن موجات حرارة يطول أمدها الزمني، بحيث لم تعد تقتصر على أيام قليلة، وإنما تتجاوز عشرة أيام، والذي يعد أمراً "غير مسبوق"، ويرتبط بتأثيرات التغيرات المُناخية، وفق تأكيدات مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد آل خطاب.
وضرب مثلاً على ذلك، بقوله: "شهد عام 2023 موجة حر استمرت 13 يوماً، في شهر آب (أغسطس)، اذ سجلت درجات حرارة "كسر" حاجز الأرقام القياسية المسجلة في سجلات المناخ في الأردن.
وكل ذلك ينعكس على الموسم المطري وبشكل أخص 2023-2024 الذي شهد هطولا مطريا أقل من المعدلات الطبيعية، حيث إن نسبة الهطول المطري تراوحت في المناطق ما بين 40 % و60 %، بحسبه.
لكنه أوضح في ذات الوقت أن "شهر آب (أغسطس) يشهد وبشكل سنوي أعلى معدلات حرارية مقارنة بالأشهر كلها خلال العام، وفي المرتبة الثانية يلحقه شهر تموز (يوليو)".
وخلال شهر آب (أغسطس) يتأثر الأردن بنظام المنخفض الموسمي الحراري، والذي يدفع بالكتل الهوائية الحارة والجافة، القادمة من شبه الجزيرة العربية، باتجاه منطقتنا، والذي يزيد من معدلات الحرارة الطبيعية، تبعا له.
وبين أن "موجة الحر تتطلب تحقيق شرطين، الأول أن تزيد درجات الحرارة بما لا يقل عن خمس درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي، والثاني أن تستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية".
وأما النظام الثاني الذي يتأثر به الأردن، بحد قوله، امتداد المرتفع القادم من فوق البحر الأبيض المتوسط.
ولفت الى أن "عام 2024 وحسب تقرير منظمة الأرصاد العالمية الذي نشر سابقاً هو الأكثر دفئاً
على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، ومن المتوقع أن واحدة من السنوات ولغاية 2029 ستكون أكثر حرارة من ذلك العام".
وكل ذلك يتطلب في رأيه "تكاتف العالم لاتخاذ قرارات حقيقة خلال قمة المناخ "كوب 30"، لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، وبذل المزيد من الجهود للتكيف مع التغيرات المناخية".
تبعات التغيرات المناخية لا تنحصر بالأردن
ومن وجهة نظر رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة فإن تبعات التغيرات المُناخية لم تعد شأناً محصوراً على الأردن وحده، وإنما العديد من الدول باتت تشهدها، بحيث أصبحت قضية عالمية.
وهنا تطرق الى أن التوسع العمراني، وتدني المناطق الحرجية، وتزايد انبعاثات غازات الدفيئة جميعها عوامل تلعب دوراً في زيادة درجات الحرارة.
ومع كل ذلك، بحسبه، "اكتفت الأردن بالتوسع في الطاقة البديلة وبنسب بقيت ضمن معدل العشرينيات، وليس هنالك مشاريع كبيرة نفذت في هذا المجال، وذلك لأن الرسوم والضرائب التي تُجبى من الطاقة التقليدية تعد كبيرة".
و"تغيير النهج" على المستوى الوطني في التعامل مع ملف العمل المُناخي في الأردن باتت "ضرورة ملحة”، وخاصة في ضوء تدني معدلات الهطولات المطرية، والذي يعد أمراً "خطيراً"، ولم تتخذ إجراءات ناجعة للتعامل مع مثل هذه التحديات، وفق تأكيداته.
وعلى صعيد قمة المناخ "كوب 30"، التي ستعقد في نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لا بد من تبديل التوجهات التي تقوم على أساسها، والتي تتحكم بها الدول الكبرى والصناعية، والمرتكزة على "قلة الاكتراث" بهذه الظاهرة، أو "تقليل الانبعاثات"، تبعا له.
وأعرب عن أسفه بأن "المحور السياسي والاقتصادي يطغى على هذه القمم، على حساب حماية البيئة وتقليل الخسائر الناجمة عن التغيرات المُناخية".
ولا بد من ان ربط التحسن البيئي مع الموارد الاقتصادية يعد من الأولويات الملحة الواجب على الدول أن تضعها على سلم أولوياتها في الجلسات النقاشية التي تجرى داخل أروقة المفاوضات في قمة المناخ، بحسب محاسنة.
المملكة ستواجه مخاطر تراجع الإنتاجية
ولم يعد التغير المناخي قضية بيئية فحسب، بل أصبح تحديًا مباشرًا للأمن الوطني الأردني، لما له من تأثيرات عميقة على الموارد المائية والزراعية، والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الصحة العامة، من وجهة نظر رئيس اتحاد الجمعيات البيئية (الاتحاد النوعي) عمر الشوشان.
وتشير وثيقة المساهمات المحددة وطنيًا المحدثة لعام 2021 إلى التزام الأردن بخفض الانبعاثات بنسبة 31 % بحلول 2030، منها 5 % بجهود وطنية و26 % مشروطة بالدعم الدولي، مع إدراج المياه والزراعة والصحة والتنوع الحيوي كقطاعات أولوية للتكيف.
لكن التوقعات المناخية حسب تقرير البلاغات الوطني الرابع للفترة 2070 - 2100 تنذر بتحولات جذرية، فوفق سيناريو الاحترار العالمي 4.5 درجة مئوية، قد ترتفع درجات الحرارة بمعدل 2.1 درجة مئوية لتصل الى 3.2 درجة مئوية.، بحسب الشوشان.
بينما في سيناريو الاحترار العالمي 8.5 درجة مئوية قد تصل الزيادة إلى 4 درجة مئوية، بحيث سيكون أكثر وضوحاً صيفاً، مع احتمال تجاوز متوسط الحرارة العليا في بعض السيناريوهات 42–44°م، ما يعني زيادة موجات الحر وشدتها، كما ذكر.
وأما على صعيد الهطول، يتوقع انخفاض الأمطار بنسبة 15 % في سيناريو الاحترار العالمي 4.5 درجة مئوية، و21 % في سيناريو الاحترار العالمي 8.5 درجة مئوية، مع تراجع أكبر في الخريف والشتاء قد يصل إلى 35 % في الخريف.
هذه الأنماط، بحد قول الشوشان، ستؤدي إلى مناخ أكثر جفافًا، وازدياد أيام الجفاف المتتالية ومعدلات التبخر، إضافة إلى تراجع حاد في تساقط الثلوج، ما يضع إدارة الموارد المائية أمام تحديات معقدة.
وفي قطاع المياه، بحيث لا تتجاوز حصة الفرد حاليًا 97 م³ سنويًا، تُظهر المؤشرات أنها مرشحة للانخفاض إلى نحو 60 م³ سنويًا خلال السنوات القادمة، ما يضع الأردن في مستوى العجز المائي الحاد، كما أفاد.
واستند برأيه على ما يشير اليه تقرير للبنك الدولي ان الأردن يتطلب 9.5 مليار دولار لغاية العام 2030 في القطاعات الحيوية لتعزيز المنعة المناخية.
أما الزراعة فأكد الشوشان على أن المملكة ستواجه مخاطر تراجع الإنتاجية وزيادة الحاجة للري وانتشار الآفات، بينما يحذر القطاع الصحي من تصاعد الأمراض المرتبطة بالحرارة والمياه.
وفي هذا السياق، تبرز جاهزية القطاع الخاص المالي كعامل حاسم في تعبئة التمويل المناخي وزيادة الاستثمارات الخضراء، عبر تطوير أدوات مالية مبتكرة، وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ودعم كفاءة الموارد في القطاعات الحيوية، تبعا له.
وشدد على أن الشراكة بين الحكومة والمؤسسات المالية والمستثمرين المحليين والدوليين باتت ضرورة استراتيجية لضمان صمود الأردن أمام التحديات المناخية، وتحقيق التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ولفت الى أن وضع التغير المناخي في قلب أولويات الأمن الوطني يستدعي تسريع تنفيذ الخطة الوطنية للتكيف، وتوسيع التمويل والشراكات الدولية، مع حشد كامل طاقات القطاعين العام والخاص.