الغد-هبة العيساوي
كشف تقرير ديوان المحاسبة الأخير عن جملة من المخالفات المالية والإدارية والتنظيمية التي ارتكبتها وزارة العمل خلال الفترة الخاضعة للتدقيق، في مؤشرات مقلقة تعكس ضعف الالتزام بالقوانين والأنظمة النافذة، وخللًا في آليات الرقابة الداخلية، ما يثير تساؤلات جدية حول سلامة إدارة المال العام وكفاءة تنظيم سوق العمل.
وأشار التقرير إلى أن المخالفات المسجّلة لم تكن حالات فردية معزولة، بل تكررت في أكثر من محور، ما يدل على وجود قصور مؤسسي يستدعي اتخاذ إجراءات تصحيحية شاملة وعاجلة.
مخالفات تصاريح العمل
كان من أبرز المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة، تلك المتعلقة بإجراءات إصدار وتجديد تصاريح العمل، حيث بيّن التقرير أن وزارة العمل قامت بإصدار تصاريح لعمالة وافدة دون استكمال المتطلبات القانونية المنصوص عليها في الأنظمة والتعليمات المعتمدة.
وأشار إلى أن بعض التصاريح صدرت دون التحقق من استيفاء شروط المهن المسموح بها أو دون دراسة حقيقية لاحتياجات سوق العمل.
كما سجّل التقرير حالات تجديد تصاريح عمل لعمال مخالفين دون تصويب أوضاعهم القانونية، إضافة إلى عدم الالتزام بالمدد الزمنية المحددة للتجديد، ما أدى إلى تراكم المخالفات واستمرارها.
وأكد الديوان أن ضعف الرقابة على أنظمة تصاريح العمل، وغياب التنسيق بين الوحدات المعنية داخل الوزارة، فتح المجال أمام أخطاء إجرائية واستغلال محتمل.
واعتبر أن هذه المخالفات تمس جوهر دور وزارة العمل في تنظيم سوق العمل، وتؤثر سلبًا على تكافؤ الفرص، وتضر بحقوق العمال وأصحاب العمل، فضلًا عن انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية.
وفي محور التعاقدات، كشف ديوان المحاسبة عن تجاوزات تتعلق بإجراءات الشراء والعطاءات، حيث تم إبرام عدد من العقود دون الالتزام بأحكام نظام المشتريات الحكومية.
وأشار التقرير إلى اللجوء للشراء المباشر في حالات لا تستدعي ذلك، ودون تقديم مبررات قانونية واضحة، ما يشكل مخالفة صريحة ويقوّض مبدأ الشفافية والتنافسية.
كما لوحظ أن بعض العقود لم تتضمن شروطًا جزائية أو ضمانات كافية، الأمر الذي يعرّض الوزارة لمخاطر مالية وقانونية في حال الإخلال بالتنفيذ أو تدني جودة الخدمات.
وسجّل التقرير مخالفات في إدارة الموارد البشرية، شملت التعيينات والترقيات وصرف المكافآت والحوافز.
وأشار إلى منح مكافآت مالية دون وجود قرارات رسمية أو مبررات موثقة، إضافة إلى تجاوز الصلاحيات الإدارية وعدم الالتزام بالتعليمات المنظمة للشؤون الوظيفية.
كما لفت إلى ضعف توثيق ملفات الموظفين، وغياب سجلات دقيقة لبعض الإجراءات، ما يفتح المجال أمام الاجتهادات الشخصية ويؤثر على مبدأ العدالة الوظيفية.
وأكد وجود حالات صرف مالي دون استكمال الموافقات الأصولية، فضلًا عن تجاوز بنود الموازنة المعتمدة في بعض النفقات، معتبرا أن هذه الممارسات تمثل مخالفة لقانون الموازنة العامة، وتعكس ضعفًا في التخطيط المالي والرقابة المسبقة على الصرف.
ضعف الرقابة
وأشار التقرير إلى ضعف منظومة الرقابة الداخلية في وزارة العمل، وعدم تفعيل وحدات الرقابة بالشكل المطلوب، إضافة إلى غياب المتابعة الجادة لتوصيات تقارير رقابية سابقة، ما أدى إلى تكرار المخالفات ذاتها.
كما بيّن أن السجلات المالية والمحاسبية لم تكن مكتملة أو منظمة في بعض الحالات، ما صعّب عملية التدقيق وأضعف القدرة على اكتشاف المخالفات في وقت مبكر.
وفي ختام التقرير، دعا ديوان المحاسبة وزارة العمل إلى تصويب المخالفات، واسترداد أي مبالغ صُرفت دون وجه حق، وتعزيز الرقابة الداخلية، وضبط إجراءات إصدار تصاريح العمل، إضافة إلى إحالة المخالفين إلى الجهات المختصة وفقًا للتشريعات النافذة.
وأكد أن معالجة هذه المخالفات تتطلب إرادة إدارية حقيقية، وتفعيل مبدأ المساءلة، بما يضمن حماية المال العام، وتنظيم سوق العمل بكفاءة، وتعزيز الثقة في أداء وزارة العمل كمؤسسة وطنية معنية بحقوق العمال وتنظيم التشغيل.