الدين .. تحد للسياسة المالية*سلامة الدرعاوي
الغد
يشكّل الدين العام في الأردن تحديًا مهمًا للسياسة المالية، إذ بلغ في عام 2025 نحو 46 مليار دينار، أي ما يعادل 118 % من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوزع هذا الدين بين داخلي يقدّر بـ25.7 مليار دينار (66 % من الناتج) وخارجي يقارب 20.3 مليار دينار (52 %).
وعلى الرغم من ارتفاع الحجم الكلي، فإن تركيبة الدين تعكس قدرًا من التوازن، خاصة مع اعتماد كبير على مصادر تمويل محلية، حيث تُعد البنوك الأردنية أكبر الدائنين بما يقرب 13.3 مليار دينار (28 %)، تليها مؤسسة الضمان الاجتماعي بـ10.7 مليار دينار
(23 %)، أما المؤسسات الدولية والإقليمية فتحوز على 7.9 مليار دينار (17 %)، فيما تتوزع بقية الالتزامات على أدوات دين أخرى كاليوروبوندز والقروض الثنائية.
وجود 70 % من الدين الخارجي مقوّمًا بالدولار الأميركي يمنح الاستقرار النسبي في ظل ربط الدينار بالدولار، ما يقلل من أثر تقلبات أسعار الصرف، رغم الحاجة إلى التنويع مستقبلاً، وفي الوقت نفسه، تُظهر هذه الأرقام ضغطًا مستمرًا على المالية العامة، خاصة مع استمرار ارتفاع أعباء خدمة الدين، وهو ما يفرض أهمية التحرك نحو إدارة مالية أكثر كفاءة واستدامة.
النفقات الجارية في الأردن تتسم بالجمود، حيث يشكل الإنفاق الإلزامي ما يقارب 90 % منها، مع استحواذ الرواتب والتقاعد وخدمة الدين على معظم المخصصات، ما يقلل من مساحة التعديل المالي السريع.
وعلى جانب الإيرادات الضريبية، فإنها تبلغ إلى الناتج 17 %، وهي أعلى من المتوسط العالمي البالغ 14 %، إلا أن التحصيل يعاني من ضعف الكفاءة بسبب التهرب والتجنب الضريبي، إضافة إلى الاقتصاد غير المنظم الذي يُقدَّر بأكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي.
ومن جهة الإيرادات، فإن الأولوية لا تكمن في فرض ضرائب جديدة، بل في تحسين الامتثال الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية عبر إدماج الاقتصاد غير المنظم، ما يعزز العدالة ويقوّي الموارد العامة، أما من جهة النفقات، فإن إصلاح نظام الدعم يُعد خطوة مهمة، إذ يخفف من الهدر ويتيح توجيه الموارد إلى الفئات المستحقة من خلال التحويلات النقدية المباشرة.
وعلى صعيد النمو، فإن تعزيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، خصوصًا الصناعية، يسهم في توسيع القاعدة الاقتصادية ويقلل من الاعتماد على الاستهلاك، مع توفير فرص العمل، خاصة أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة واعدة لتمويل البنية التحتية دون زيادة في الدين، كما تُظهر تجربة مطار الملكة علياء الدولي، ويمكن توسيع هذه التجربة في مشاريع كبرى مثل مشروع الناقل الوطني.
أخيرًا، فإن إدارة الدين بشكل استباقي، خصوصًا مع توقعات بانخفاض أسعار الفائدة عالميًا، تمكّن الأردن من إعادة هيكلة محفظته المالية بتكاليف أقل وآجال أطول، كما أن بناء سياسات فعالة لإدارة الدين العام يتطلب مزيجًا من الرؤية الفنية والقدرة المؤسسية على التنفيذ، لضمان تحقيق الاستدامة المالية وتعزيز فرص النمو، بما يخدم الاقتصاد الكلي ويحسن مستوى معيشة المواطنين على المدى المتوسط والطويل.