«المركزي الأوروبي»... تثبيت محتمل للفائدة وسط مخاطر اقتصادية وتوترات سياسية
بروكسل: «الشرق الأوسط»
في مواجهة تحديات متعددة الأوجه تتراوح بين المخاطر الاقتصادية الناشئة عن اتفاقيات التجارة الدولية والاضطراب السياسي في قلب أوروبا، يستعد البنك المركزي الأوروبي (ECB) لاتخاذ قراره بشأن السياسة النقدية. وبينما يراهن المستثمرون على تثبيت أسعار الفائدة، فإن كل الأنظار تتجه نحو رئيسة البنك كريستين لاغارد، التي تحمل على عاتقها مسؤولية الموازنة بين الحاجة إلى دعم النمو الاقتصادي، والمحافظة على استقرار الأسعار، والتنقل في بحر متلاطم من التقلبات السياسية. هذا القرار المرتقب ليس مجرد حدث اقتصادي روتيني، بل هو انعكاس للضغوط المتزايدة التي تواجهها المؤسسات المالية العالمية في عالم يتغير بسرعة.
المركزي يفضل «الانتظار والترقب»
من المتوقع أن يثبت البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الثانية على التوالي، وذلك في نهاية اجتماعه يوم الخميس. يأتي هذا القرار في ظل اعتقاد واسع بأن البنك «مرتاح» في موقفه الحالي، خصوصاً بعد أن خفَّت لهجة لاغارد المتشددة في يوليو (تموز) الماضي.
وفقاً لتحليل من بنك أوف أميركا (BofA)، من المرجح أن تكون التغييرات في بيان البنك طفيفة، وأن يتم إيصال أي تعديلات في الموقف عبر المؤتمر الصحافي للاغارد. ويرى البنك أنه يتعين على لاغارد الإشارة إلى الاتفاق التجاري الأخير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع التحذير في الوقت نفسه من أن المخاطر الاقتصادية الكلية قد ارتفعت منذ بداية الصيف. ورغم أن هذا قد يُنظر إليه على أنه موقف أكثر «مرونة»، فإن لاغارد ستؤكد أهمية المرونة وعدم الالتزام بأي مسار مستقبلي محدد.
توقعات متباينة
على الرغم من أن محللي «بنك أوف أميركا» يرون أن أسعار الفائدة قد تنتهي عند مستويات أقل مما تشير إليه التوقعات المستقبلية بسبب المخاطر التي تواجه النمو في منطقة اليورو وتشديد الأوضاع المالية، فإن المتداولين يضعون في حسبانهم احتمال خفض محدود للغاية يبلغ 7 نقاط أساس فقط بحلول نهاية العام، مع توقعات بخفض أكبر بقيمة 17 نقطة أساس بحلول يونيو (حزيران) 2026.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن البنك المركزي الأوروبي قد انتهى من دورة خفض الفائدة الحالية، خصوصاً بعد أن وضعت لاغارد معياراً مرتفعاً لأي خطوات إضافية. لكنّ آخرين لا يستبعدون احتمال استئناف التخفيضات، إذا ما تأثر النمو الاقتصادي بشكل أكبر بالتعريفات الجمركية، أو في حال شهدت أسواق السندات ضغوطاً جديدة، أو إذا أدت تخفيضات الفائدة الأميركية إلى ارتفاع قيمة اليورو وانخفاض التضخم.
اليورو ودراما السياسة الفرنسية
تضيف الاضطرابات السياسية في فرنسا طبقة جديدة من عدم اليقين على قرار «المركزي الأوروبي». فمع توقع أن تفقد الحكومة الفرنسية تصويتاً على الثقة، فإن هذا يثير مخاوف في أسواق السندات، وقد يؤدي إلى اتساع الفارق بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية.
وفي حال تصاعد التوتر في الأسواق، قد يواجه البنك المركزي الأوروبي ضغوطاً للنظر في استخدام أداته الجديدة لحماية النقل (TPI) لدعم الدول التي تتعرض ديونها لضغوط. إلا أن المحللين يشيرون إلى أن مستويات مماثلة من الضغط لم تدفع البنك للتدخل في الماضي، مما يقلل من احتمالية استخدامه الآن.
استقلالية البنوك المركزية على المحك
تعد استقلالية البنوك المركزية قضية بالغة الأهمية بالنسبة إلى رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد. وقد حذرت في وقت سابق من أن محاولات الإدارة الأميركية عزل رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول، أو الحاكم ليزا كوك، ستشكل «خطراً جدياً للغاية» على الاقتصاد العالمي.
ويخشى صناع السياسات والاقتصاديون أن يؤدي خضوع «الاحتياطي الفيدرالي» لضغوط خفض الفائدة إلى تأجيج التضخم، مما قد يؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية في منطقة اليورو ويدفع اليورو إلى الارتفاع بشكل أكبر. ويؤكد الخبراء أن استقلالية البنوك المركزية هي الضمان الرئيسي للاستقرار المالي، وهي قضية تثير قلقاً كبيراً في ظل التداخل المتزايد بين السياسة والاقتصاد.