الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة يحمل فرصا للاقتصاد الأردني
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
أعلن صندوق النقد الدولي عن توقعه أن يسجل أداء مؤشرات الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة تحسنا متتابعا، ليواصل المسار الإيجابي الذي يعيشه الاقتصاد الأردني منذ بداية العام الحالي.
وأكد الصندوق أن تسريع تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبيرة التي أُعلنت عنها من قبل الحكومة، إضافة إلى تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، من شأنه أن يساهم في تعزيز إمكانات النمو خلال السنوات المقبلة.
وأوضح الصندوق في تقرير الموظفين الشامل للمراجعة الرابعة لبرنامج الصندوق مع الأردن أن مرحلة الاستقرار الجيوسياسي المتوقعة في المنطقة يمكن أن تنشئ فرصا للاقتصاد الأردني خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد وقف إطلاق النار في غزة ولبنان (العدوان الإسرائيلي)، وانتهاء الأزمة السورية، حيث يمكن الاستفادة اقتصاديا من المشاركة في إعادة الإعمار في لبنان وسورية، إلى جانب تعميق التعاون والشراكة الاقتصادية بين الأردن والعراق.
وبحسب التقرير الذي أصدره الصندوق في 17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وترجمته "الغد"، من المتوقع أن يسجل معدل النمو الاقتصادي في المملكة للعام الحالي 2.7 %، على أن يرتفع في العام القادم إلى 2.9 %، قبل أن يتصاعد منحنى ارتفاعه إلى 3 % انطلاقا من عام 2027 حتى عام 2030.
كما توقع الصندوق أن يرتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي للأردن خلال السنوات القادمة، ليسجل العام القادم 46 مليار دينار، على أن يواصل ارتفاعه في عام 2027 إلى 48.6 مليار دينار، في حين من المتوقع أن يتنامى في عام 2028 إلى 51.2 مليار دينار، لتستمر وتيرة النمو في عام 2029 إلى 53.9 مليار دينار، بينما سيقفز في عام 2030 إلى 56.8 مليار دينار.
وحول معدلات التضخم خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 2026 إلى 2030، تشير توقعات الصندوق إلى استقرارها عند معدل 2.2 %.
وفي ما يتعلق بحجم الصادرات، توقع الصندوق أن ترتفع من 14.3 مليار دولار في نهاية العام الحالي إلى 14.9 مليار دولار في 2026، لتتنامى بحلول 2027 إلى 15.5 مليار دولار، على أن ترتفع إلى 16.4 مليار دولار في 2028، لتسجل في عام 2029 17.2 مليار دولار، لتواصل الصادرات ارتفاعها في عام 2030 إلى 18.2 %.
نتائج المراجعة الرابعة لبرنامج الأردن مع الصندوق
وحول أبرز النتائج الإيجابية التي كشفتها المراجعة الرابعة، نجاح الحكومة في تحقيق أهداف معايير الأداء لنهاية شهر تموز (يونيو) الماضي، الخاصة بالعجز الأساسي للحكومة المركزية والعجز الموحد، وكذلك الأهداف الإرشادية للإنفاق الاجتماعي والدين العام.
كما توسعت الإيرادات المحلية بما يتماشى مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى أيار (مايو) الماضي، قبل أن تتأثر بالصراع الإسرائيلي الإيراني، الذي أدى إلى انخفاضها بنسبة 9 %، على أساس سنوي في حزيران (يونيو) الماضي، أي ما يعادل خسارة 0.2 من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح أنه للتعويض عن ضعف الإيرادات، تم تقييد النفقات الجارية الأساسية، مع عكس الضغوط التي واجهت عام 2024 بعد اندلاع الحرب في غزة. ونتيجة لذلك، كان الحساب المالي الأساسي للحكومة المركزية (باستثناء المنح والتحويلات إلى شركات المرافق العامة) متوازنا خلال النصف الأول من 2025، متجاوزا هدف البرنامج والأداء للفترة نفسها في 2024.
تقييم الاقتصاد الأردني
وفي تقييمه العام للاقتصاد الأردني، أوضح التقرير أن النشاط الاقتصادي في المملكة استمر في التعافي رغم استمرار التوترات الإقليمية، حيث تعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.7 % في النصف الأول من عام 2025، ومن المتوقع أن يظل عند هذا المعدل لبقية العام، مدفوعا بنمو الصادرات الأقوى مما كان متوقعا وقت المراجعة الثالثة، والانتعاش القوي في تدفقات السياحة، وارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن مع استمرار تباطؤ التعافي في الطلب المحلي.
وأشار التقرير إلى أن الأداء العام يعكس أيضا التعافي المستمر في قطاعات الزراعة والتصنيع والنقل. وكانت اضطرابات السفر الجوي وإمدادات الغاز الناجمة عن الصراع الإسرائيلي الإيراني قصيرة الأجل، مع تأثير ضئيل على النمو، لافتا إلى أن معدل البطالة بين الأردنيين بقي ثابتا منذ عام 2023 عند قرابة 21 %، وهو ما يزال أعلى من مستويات ما قبل الجائحة، مما يعكس ارتفاع معدلات بطالة الشباب والإناث إلى 51 % و33 % على التوالي.
في الوقت ذاته، حذر التقرير من أن التعافي الاقتصادي ما يزال عرضة للتطورات الخارجية السلبية. فبينما تدعم السياسات والإصلاحات الحالية زخم النمو، يثقل كاهل الطلب المحلي بسبب عدم اليقين المحيط بالوضع الأمني الهش في المنطقة وسط تراجع آفاق التجارة العالمية، وتأثير زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على صادرات الأردن.
وأوضح التقرير أنه للتخفيف من هذه التحديات قصيرة الأجل وحماية التعافي الاقتصادي، أُعيدت معايرة السياسة المالية لعام 2026 لتقليل أثرها السلبي على الطلب المحلي ودعم الاستثمار العام.
وبفضل هذا الدعم، من المتوقع أن يصل النمو إلى 2.9 % في عام 2026 ونحو 3 % بعد ذلك، دون تغيير عن التوقعات التي سجلت وقت المراجعة الثالثة، وذلك مع إطلاق الحكومة الأردنية للبرنامج التنفيذي الثاني (2026-2029) من رؤيتها للتحديث الاقتصادي، مدفوعا بإصلاحات إستراتيجية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق.
ووفقا لتقرير، من المتوقع أن يؤدي النمو القوي للصادرات في 2025، مقارنة بما كان متوقعا وقت المراجعة الثالثة، إلى جانب انتعاش قطاع السياحة، إلى تقليص عجز الحساب الجاري إلى 5.1 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ5.8 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.
تأثر الأردن بالرسوم الجمركية الأميركية محدود
وأكد تقرير المراجعة الرابعة أن تأثير ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية كان محدودا، حيث ما تزال المنسوجات، التي تمثل حوالي ثلثي صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة، قادرة على المنافسة، نظرا لأن منافسي الأردن الرئيسيين يواجهون رسوما جمركية أعلى، حيث ارتفعت الرسوم الجمركية المفروضة على صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة إلى 15 % من 10 % سابقا.
في المقابل، يواجه منافسو الأردن الرئيسيون في صادرات الملابس إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك بنغلاديش والصين وتايلاند، رسوما جمركية تتجاوز 30 % (حتى أكتوبر 2025).
ورجح التقرير أن يتقلص عجز الحساب الجاري تدريجيا إلى أقل من 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع اتساع طفيف في السنوات القادمة، مما يعكس انتعاش الطلب المحلي والواردات المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر.
إجمالي الموارد القابلة للاستخدام
وأشار التقرير إلى أن هوامش الفائدة السيادية للأردن وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية، رغم اتساعها مؤقتا إلى ما يزيد عن 300 نقطة أساس في أواخر حزيران (يونيو) الماضي، عقب الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران التي ألقت بتبعات ثقيلة على الاقتصاد الأردني، موضحا أنها انخفضت منذ ذلك الحين إلى أقل من 200 نقطة أساس، مما يعكس مصداقية سياسات الحكومة الأردنية واستمرار الدعم المالي الدولي القوي.
وأفاد التقرير بأنه استغلالا لانخفاض هوامش الفائدة، لجأت الحكومة إلى سوق سندات اليورو في أوائل نوفمبر لتمويل سندات اليورو المستحقة في يناير 2026، مؤكدا أن النظام المصرفي المحلي الأردني متين، كما أن ثقة السوق في ربط العملة ما تزال قوية.