أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Jul-2025

عمان على خريطة المستقبل نحو اقتصاد رقمي مستدام: الطريق إلى مدينة ذكية

 الغد-د.مروة سلمان آل صلاح

 
في خضم عالم يتغيّر بوتيرة متسارعة، لم يعد التحول الرقمي خيارا مؤجلا أو ترفا تنظيميا، بل تحوّل إلى شرط أساسي لبقاء المدن واستدامة ازدهارها. وفي قلب الشرق الأوسط، تنهض العاصمة الأردنية عمّان كلاعب طموح يحمل إرث الماضي ويستشرف معالم المستقبل، وهي تمضي بخطى إستراتيجية لتكون في صدارة المدن الذكية في المنطقة، ضمن رؤية ملكية يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، حيث يُعد التحول الرقمي ركيزة محورية في بناء اقتصاد معرفي مستدام ومجتمع أكثر عدالة وابتكارا.
 
 
المدينة الذكية: 
من البنية إلى البوصلة
المدينة الذكية ليست شبكة من الأجهزة أو حزمة من التطبيقات، بل هي بوصلة جديدة للتنمية الشاملة. إنها إعادة تعريف جذرية للعلاقة بين الإنسان والمكان، حيث تُمكّن التقنية الإنسان لا أن تُقصيه، وتعيد توجيه طاقات المدينة نحو الرفاه والعدالة والإبداع.
وفي هذا السياق، لا يُنظر إلى التحول الرقمي كعملية تقنية فحسب، بل كمنهجية تفكير جديدة، تبدأ من تمكين المواطن، وتمر عبر تحويل البيانات إلى قيمة إستراتيجية، وتنتهي بـخلق مدن تستمع وتتعلّم وتستجيب. فالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات لم تعد أدوات مرافقة، بل مكونات جوهرية في بنية المدن المعاصرة.
مشروعات تصنع الفرق عمّان اليوم لا تطرح شعارات بل تنفذ خطوات عملية، تضعها على مسار التحول الحقيقي.
 ومن أبرز المبادرات الذكية:
أنظمة النقل الذكية لتحسين حركة المرور وخفض الانبعاثات وتوفير الوقت.
المنصات الرقمية الموحدة التي تسهّل وصول المواطنين إلى خدمات التعليم، الصحة، والإسكان من نافذة واحدة.
البوابات الإلكترونية للخدمات البلدية التي اختزلت زمن الإجراءات وزادت من كفاءة العمليات.
مشاريع الطاقة المتجددة كتركيب الخلايا الشمسية وإنارة الشوارع الذكية، ما يعزز كفاءة الطاقة والاستدامة البيئية.
توسيع شبكات الإنترنت المجاني في الأماكن العامة لتمكين الجميع من الوصول إلى الفضاء الرقمي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن أكثر من 68 % من خدمات عمّان أصبحت رقمية بالكامل، مع خطة للوصول إلى رقمنة شاملة في مختلف القطاعات بحلول عام 2027.
حضور المرأة الأردنية: من التقنية إلى القيادة
تُسجّل عمّان تجربة ملهمة في إبراز دور المرأة الأردنية في قيادة التحول الحضري، حيث تؤدي النساء أدوارا محورية في مجالات هندسة البيانات، والتخطيط الذكي، وتصميم الأنظمة الرقمية.
وعبر مقاربة "أنسنة التقنية"، تسهم النساء في بناء مدينة ذكية لا تستنسخ فقط النماذج الغربية، بل تُعيد مواءمتها مع الهوية الأردنية، فتُصبح التكنولوجيا حاملة للقيم وليست بديلا عنها.
هذه الريادة النسائية لا تمثل فقط تمكينا نوعيا، بل تترجم واقعا اجتماعيا ناضجا يدرك أهمية التنوع في صناعة القرار الحضري، فهي شريك حقيقي وفاعل في صياغة المدينة الجديدة.
الأردنيات جزء لا يتجزأ من الحراك الحضري، وأن التقنية يمكن أن تُصاغ برؤية إنسانية تراعي الثقافة والهوية.
فمن خلال “أنسنة التقنية” أو ما يسمى بأنسنة الذكاء الاصطناعي، تصبح المدينة الذكية مساحة للتفاعل الإنساني، تتقاطع فيها الاحتياجات العاطفية والمعرفية للمجتمع مع حلول رقمية متقدمة، ما يعيد صياغة تجربة العيش في المدينة ويجعل منها كيانا نابضا بالابتكار والتنوع.
التحديات اختبارات للمرونة والإبداع ومسارات للفرص
مثل أي مشروع تحولي جذري، لا تخلو رحلة عمّان من تحديات، بعضها تقني وبعضها تشريعي أو ثقافي، أبرزها:
الحاجة إلى أطر قانونية مرنة تواكب سرعة الابتكار وتضمن الخصوصية الرقمية.
تطوير الكفاءات البشرية المحلية لتصميم وإدارة الحلول الذكية بكفاءة واستقلالية.
تقليص الفجوة الرقمية بين العاصمة والمناطق الطرفية لتحقيق عدالة تقنية حقيقية.
تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الذكية.
لكن هذه التحديات لا تُعد عوائق بقدر ما هي فرص لبناء نموذج أردني فريد، يتكئ على خصوصية المجتمع ويُصدر حلولا ذكية إلى الإقليم والعالم.
من مدينة خدمات إلى منصة معرفة رقمية مفتوحة
ما يحدث في عمّان ليس رقمنة سطحية للخدمات، بل تحوّل جذري في فلسفة المدينة ووظيفتها. فالمدينة لم تعد مجرد مقدّم خدمات، بل منصة تفاعلية للمعرفة والتجريب والتشاركية، فهي تنتقل إلى فضاء مفتوح للابتكار والتجربة والتفاعل، حيث تصبح البيانات أداة للتخطيط، والمواطن شريكا في صنع المستقبل من خلال البيانات المفتوحة، وتطبيقات التفاعل المجتمعي، ونماذج الإدارة الذكية، كعنصر فاعل في تطوير مدينته، يقيّم، ويقترح، ويشارك في صنع القرار.
ومع تزايد الزخم الإقليمي للتحول الرقمي، تمتلك عمّان الفرصة لتكون مركزا عربيا للمدن الذكية، مستفيدة من نُخبها المؤمنة بالتغيير، ومن شبابها الطموح الذي يرى في التقنية أداة لخلق غد أفضل.
التقنية كرافعة اقتصادية
المدينة الذكية لا تعني تحسين الخدمات فحسب، بل إطلاق قوى اقتصادية جديدة، من خلال:
تحسين إدارة الموارد وتقليل الفاقد.
رفع كفاءة الإنفاق العام والعمليات التشغيلية.
خلق بيئة استثمارية جاذبة قائمة على الشفافية والحوكمة.
دعم الشركات الناشئة والابتكار التكنولوجي في الطاقة والمياه والنقل.
وفي ظل التقدّم التقني المتسارع في المنطقة، تصبح الرقمنة خيارا إستراتيجيا لتعزيز التنافسية وخفض التكاليف مقابل عائد تنموي واقتصادي مرتفع، ما يجعل الاستثمار في المدن الذكية استثمارا في المستقبل ذاته.
وقد أشارت تقديرات اقتصادية إلى إمكانية رفع الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 4 % خلال خمس سنوات إذا تم تسريع تعميم الرقمنة وتوسيعها خارج العاصمة.
هذه الرؤية ليست فقط استجابة للمتغيرات، بل تعبيرا عن حبنا للأردن، وانتمائنا العميق لهذه الأرض. هذا المقال لم يأتِ من موقع تنظيري، بل من قناعة راسخة أن القمة تليق بالأردنيين، وأن مكاننا الطبيعي هو الصدارة، بجهود مخلصة وعقول مؤمنة، وبقيادة ترى في الإنسان الأردني مصدر قوة لا ينضب.
وفي الختام المدينة الذكية ليست نهاية الرحلة، بل بداية لمرحلة حضرية جديدة.
إنها انعكاس لوعي وطني متجدد يؤمن بأن التقدم لا يُقاس بعدد الأجهزة، بل بنوعية الحياة، وأن التقنية ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لبناء مجتمع أكثر عدالة، شمولا، واستدامة.
ومع استمرار هذا التحول، فإن الأردن لا يواكب المستقبل فحسب، بل يُعيد صياغته بشخصيته وموروثه وابتكاره.
وتؤكد أن الإنسان الأردني، حين تتوفر له الرؤية والأدوات، يصنع مدينة تستحق أن تُدرج على خريطة العالم.