أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Jul-2025

خريطة لإنقاذ "تقاعد المهندسين".. مخاوف من جمود النهج وإغفال الاستثمار

 الغد-محمد الكيالي

تزامنا مع إعلان نقابة المهندسين عن إعادة طرح عطاء لإجراء الدراسة الاكتوارية العاشرة الخاصة بصندوقي التقاعد والتأمين الاجتماعي، إضافة إلى وضع خريطة طريق لإصلاح الصندوق، تسود مخاوف حقيقية من أن يواصل الصندوق نهجه الحالي القائم على مبدأ "الاحتيال الهرمي"، عبر تغطية التزامات المتقاعدين من الاشتراكات الجديدة، بدلا من الاعتماد على عوائد استثمارية مستدامة.  
 
 
ودعت النقابة أمس، الشركات المختصة لتقديم عروضها وفق شروط محددة تتضمن الخبرة المهنية والتراخيص المعتمدة، على أن تنتهي فترة تسليم العروض بتاريخ 20 تموز (يوليو) الحالي. 
 
ويهدف العطاء إلى إعداد دراسة اكتوارية تمتد لثلاث سنوات، تبنى عليها قرارات إصلاحية تخص واقع الصندوقين.
وفي محاولة جديدة لمعالجة الأزمة المالية المتفاقمة التي تعصف بصندوق التقاعد، أعلن مجلس النقابة عن إطلاق خريطة طريق تشمل حزمة من الإجراءات التنظيمية والمالية، تتقدمها الدراسة الاكتوارية العاشرة، التي يعول عليها لفهم دقيق لواقع الصندوق وتحديد مسار إصلاحي للمرحلة المقبلة.
عجز متراكم
وتحذيرات اكتوارية
ويعاني صندوق التقاعد منذ سنوات من تراجع مالي حاد نتيجة اختلال في المعادلة بين الإيرادات والمصروفات وسط ارتفاع مطرد في أعداد المتقاعدين وتباطؤ في نمو عدد المنتسبين الجدد. 
ووفقا للدراسات الاكتوارية السابقة، فإن الصندوق ماض نحو العجز الكامل ما لم تتخذ إجراءات تصحيحية عاجلة.
جاء ذلك مع ارتفاع حجم الاستحقاقات المتأخرة على صندوق التقاعد لمصلحة نحو 20 ألف مهندس متقاعد قدرت مجمل رواتبهم التي دفعت على مدى أكثر من عقد بنحو 200 مليون دينار. 
إلا أن النقابة، وفق ما تداوله مهندسون، تخلفت مؤخرا عن صرف 12 شهرا من هذه الرواتب، ما يشكل عبئا ماليا جديدا تقدر قيمته بحوالي 100 مليون دينار.
وبينما تحدث نقابيون عن خطط لسداد هذه المتأخرات على مدى 60 شهرا، يرى مراقبون أن ذلك يعني عمليا التزاما مزدوجا: دفع الرواتب الشهرية المستمرة، إضافة إلى ما يعادل "نصف راتب إضافي" شهريا، لتعويض ما تم التخلف عنه، وهي معادلة تبدو مستحيلة التنفيذ في ظل شح السيولة وغياب مصادر تمويل مستقرة.
وتسود مخاوف حقيقية من أن يواصل الصندوق نهجه الحالي القائم على مبدأ "الاحتيال الهرمي"، عبر تغطية التزامات المتقاعدين من اشتراكات الجدد، بدلا من الاعتماد على عوائد استثمارية مستدامة، ويرى مهندسون أن هذا النموذج المالي الهش لم يعد قابلا للصمود، في ظل تفاقم الديون وعجز الاستثمارات عن تغطية الفجوة المتنامية.
انقسام داخل الجسم النقابي
وفي خضم هذه التحديات، تتباين الآراء داخل أوساط المهندسين بشأن مستقبل الصندوق، إذ يدعو بعضهم إلى إلغاء الصندوق وفتح المجال أمام بدائل تقاعدية فردية أو تجارية، بينما ترى فئة أخرى أن الحفاظ على الصندوق يمثل ركيزة أساسية في العمل النقابي وتطالب بإصلاحه لا بإنهائه.
وشهدت النقابة في الأعوام الماضية موجات من السجال والاحتجاج في ظل تكرار التحذيرات من عجز محتمل، وغياب رؤية واضحة للإصلاح، وسط تخوفات من المساس بحقوق المتقاعدين أو تحميل المهندسين أعباء مالية إضافية.
وتبدي النقابة حذرا كبيرا في التعامل مع هذا الملف في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية على المهندسين، وتتراجع ثقة بعضهم بالجدوى المستقبلية للصندوق.
أزمة الصندوق
تهدد كيان النقابة 
وفي هذا السياق، أكد الناشط النقابي المهندس رائد الخطيب، أن قضية صندوق التقاعد في نقابة المهندسين وصلت إلى مرحلة حرجة، محذرا من أن استمرار تجاهل الأزمة أو التعامل معها بأدوات تقليدية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، ليس على مستوى الصندوق فحسب، بل على مستوى النقابة كمؤسسة نقابية تضم عشرات الآلاف من المنتسبين.
وأوضح الخطيب أن التوسع في طرح الدراسات الاكتوارية يجب أن يكون مدفوعا بفهم دقيق لمسار الأزمة، مشيرا إلى أن النقابة شهدت منذ عام 1996 تقارير اكتوارية متعاقبة، أظهرت جميعها مؤشرات مقلقة على العجز المالي. 
ففي نهاية عام 2000، بلغ العجز الاكتواري نحو 42 مليون دينار، وفقا للدراسات الاجتماعية آنذاك، بينما وصلت قيمة العجز عام 2014، بحسب الدراسة الاكتوارية المستندة إلى النموذج اللبناني، إلى قرابة 593 مليون دينار.
ولفت إلى أن النقابة دخلت منذ عام 2017، ما وصفه بـ"نقطة التعادل الثالثة"، أي المرحلة التي تتساوى فيها الإيرادات مع الالتزامات دون وجود فوائض مالية حقيقية، مؤكدا أن المجلس الذي أتى بعد انتخابات عام 2018 كان يعلم تماما حجم الأزمة، ويدرك أن الصندوق يقترب من مرحلة حرجة تتطلب حلولا جذرية.
وحول جدوى الدراسة الاكتوارية العاشرة، تساءل الخطيب: "هل ستقدم هذه الدراسة حلا فعليا؟ الجواب على الأرجح لا، لأن المشكلة لم تعد بحاجة إلى توصيف فني جديد، بل إلى إرادة حقيقية لإنقاذ الصندوق من مصيره المحتوم". 
وشدد على أن الحديث عن حل الصندوق أو تصفيته أمر مستحيل ليس فقط لأبعاده المالية بل لما يحمله من تأثير اجتماعي كبير، إذ إن نحو ربع مليون مواطن يرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الصندوق.
وأشار إلى أن الأزمة تستوجب فتح حوار وطني ونقابي شفاف حول مستقبل الصندوق، مع ضرورة تبني حلول عملية مبنية على معادلة الاستثمارات الذكية، وتعظيم العوائد بدلا من المراوحة في دائرة الاقتراحات القديمة التي تكتفي برفع الأقساط أو تمديد سن التقاعد.
حلول جذرية
وأوضح الخطيب أن أنظمة التقاعد المعاشية في العالم تقوم على ركيزتين: الاشتراكات الشهرية التي لا تشكل عادة أكثر من 51 % من موارد الصندوق، والعوائد الاستثمارية التي تعد المصدر الأهم للاستدامة. 
وأكد أن أي محاولة لإنقاذ الصندوق يجب أن تبدأ من هذا المبدأ، عبر بناء معادلة استثمارية فاعلة تمكن الصندوق من الوفاء بالتزاماته وضمان كرامة المتقاعد.
وعن البعد السياسي للأزمة، أشار الخطيب إلى أن المجالس التي تولت إدارة النقابة منذ عام 1991 وحتى 2018 كانت من لون نقابي واحد، وقد ساهمت -حسب وصفه- في إيصال الصندوق إلى وضعه الحالي رغم إنكارها المتكرر لحجم المشكلة، ورفعها شعارات من قبيل "الصندوق آمن وقوي".
وأضاف إن "المجلس الذي تولى المسؤولية بعد انتخابات 2018، جاء بتفويض شعبي قائم على الوعد بالشفافية ومكاشفة المهندسين بحقيقة الأوضاع المالية"، مؤكدا أن هذا المجلس انتخب لا لشخصياته، بل لمشروعه الذي طرح من جنوب الأردن إلى شماله، وكان عنوانه الأساس هو "إنقاذ صندوق التقاعد".
ودعا الخطيب إلى ضرورة فتح حوار حقيقي داخل البيت النقابي، مشيرا إلى أن المجلس الحالي -الذي يعد امتدادا لمجلسي 2018 و2022- لا يملك رفاهية التأجيل أو التردد، بل هو مطالب اليوم بوضع كل الحقائق على الطاولة، والعمل بعقلية منفتحة لإيجاد مخرج واقعي من الأزمة، لأن "انهيار صندوق التقاعد يعني انهيار النقابة بأكملها".
خريطة طريق ملزمة للمجلس 
بدوره، أكد نائب نقيب المهندسين مسؤول ملف صندوق التقاعد في النقابة المهندس أحمد الفلاحات، أن النقابة شكلت لجنة توجيهية عليا تضم نقابيين إلى جانب لجنة متخصصة مالية واقتصادية تضم خبراء، إضافة إلى لجنة إدارة الصندوق المنصوص عليها في نظام التقاعد، وكذلك لجنة الأراضي والإسكان. 
وأشار إلى أن معظم هذه اللجان باشرت أعمالها مطلع الأسبوع الحالي في إطار استعداد مبكر لمرحلة قد تكون حاسمة في مستقبل الصندوق.
وأكد الفلاحات أن الدراسة الاكتوارية العاشرة، التي جرى طرح عطائها مؤخرا، يتوقع إنجازها قبل نهاية العام وستبنى على بيانات ومعلومات دقيقة تعبر عن الواقع المالي للصندوق، بما يتيح لمجلس النقابة اتخاذ قرارات مستندة إلى تحليل علمي ومهني واضح، مشددا على أن مخرجات الدراسة ستكون بمثابة "خريطة طريق" ملزمة لمجلس النقابة.
وأضاف إن المجلس اتفق على جملة من الضوابط الأساسية لضمان شفافية وعدالة الإدارة المالية، أبرزها عدم بيع أي من أصول الصندوق لسداد الرواتب التقاعدية وعدم اللجوء إلى الاقتراض من البنوك أو إجراء مناقلات مالية بين الصناديق داخل النقابة. 
كما شدد على ضرورة الفصل الكامل بين الذمم المالية لكل صندوق على حدة، خصوصا بين صندوق التقاعد وصندوق التأمين الصحي، مع الالتزام بعدم صرف أي أموال من حسابات المهندسين في صندوق التقاعد إلى أي جهة أخرى.
وبشأن الرواتب التقاعدية، أوضح الفلاحات أن صرفها سيكون بحسب ما يتوفر فعليا في حساب الصندوق، مع إعطاء الأولوية للمهندسين المصابين بالعجز، والأرامل والأيتام، مشيرا إلى أن هذه الترتيبات تشكل الهيكل التنفيذي لخطة العمل حتى نهاية العام.