الغد
يثبت الاقتصاد الأردني مرة جديدة أنه قادر على الصمود، بل والمضي قدمًا نحو النمو، إذ إن تسجيل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 2.8 % خلال الربع الثاني من عام 2025 هو شهادة على مرونة هذا الاقتصاد وقدرته على إدارة الأزمات وتجاوزها.
قراءة المشهد الاقتصادي بدقة تكشف أن هذا النمو ناتج عن تحرك ديناميكي في بعض القطاعات الإنتاجية الحيوية، فالقطاع الصناعي التحويلي، على سبيل المثال، سجل نموًا بنسبة 5 %، وساهم بـ 0.89 نقطة مئوية في النمو الإجمالي، وهو ما يعكس قفزة نوعية في الإنتاج الصناعي، وتوسعا ملحوظا في القاعدة التصديرية الأردنية التي باتت تشمل صناعات دوائية وزراعية وغذائية ونسيجية، بدلًا من الاعتماد الحصري على الفوسفات والبوتاس كما في السابق.
الزراعة أيضًا أظهرت أداءً استثنائيًا، محققة أعلى معدل نمو بين كل القطاعات بنسبة
8.6 %، وهو مؤشر إيجابي على عودة هذا القطاع إلى الواجهة، ليس فقط كرافد غذائي، بل كجزء مهم من الاقتصاد الإنتاجي، وصحيح أن مساهمته ما تزال متواضعة في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن النمو الكبير يشير إلى إمكانات قابلة للتوسيع والدعم.
وفي قطاع الطاقة، ورغم أزمة انقطاع الغاز التي كلفت الأردن ماليًا، فقد حقق قطاع الكهرباء والمياه نموًا بنسبة 4.9 %، ما يعكس سرعة التعافي وكفاءة الإدارة في التعامل مع الأزمات الفنية، كذلك قطاع النقل والتخزين والاتصالات أظهر صلابة بنمو بلغ 3.9 %، مدفوعا بارتفاع الحركة التجارية ومرونة سلاسل الإمداد.
حتى في القطاعات الاجتماعية، هناك مؤشرات واعدة؛ الخدمات الاجتماعية والشخصية نمت بنسبة 4 % وساهمت بـ 0.33 نقطة من النمو، ما يدل على تحسن في النشاط المحلي رغم الضغوط الإقليمية، وهذا يُظهر أن الاستهلاك الداخلي ما يزال حاضرًا كمحرك نمو داعم، ويؤكد على وجود نوع من الثقة داخل السوق الأردنية.
الأهم من ذلك كله أن هذه الأرقام تأتي في سياق تصاعدي بدأ منذ عام 2021 عندما خرج الأردن من دائرة النمو السالب، ليرتفع تدريجيًا عامًا بعد عام، وهذا المسار الثابت يعكس متانة السياسات النقدية والمالية، والقدرة على التكيف مع الضغوط الخارجية دون التخلي عن الاستقرار.
المطلوب اليوم ليس تغيير المسار، بل تسريعه، فالنمو موجود، لكنه بحاجة إلى تعزيز عبر تحفيز أكبر للقطاعات الكبرى التي لم تساهم بالشكل المطلوب، كقطاع الخدمات الحكومية والمالية والعقارات، وهذا يتطلب إصلاحات هيكلية ذكية ترفع كفاءة هذه القطاعات دون أن تثقل كاهل الميزانية.
وإذا استمر هذا النهج الإنتاجي المدعوم بسياسات رشيدة واستثمارات ذكية، فإن الوصول إلى معدلات نمو بين 5 % و7 % ليس مستحيلًا، بل هدف واقعي يستحق السعي الجاد لتحقيقه خلال السنوات القليلة القادمة.