الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في الوقت الذي أصدرت فيه اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة النظام الجديد للحسابات القومية 2025، تبنته الأردن أسوة بدول كثيرة في العالم، دعا اقتصاديون إلى ضرورة تسريع تطبيق النظام الجديد، الذي يعد أداة محورية لرصد تطورات الاقتصاد الوطني بدقة وشفافية أكبر.
ويرى هؤلاء أن تطبيق هذا النظام يمثل خطوة حاسمة نحو تحديث العمل الإحصائي الوطني وتعزيز دقة البيانات الاقتصادية، والحصول على صورة أدق للناتج المحلي الإجمالي، مما يدعم صنع السياسات الاقتصادية المستندة إلى الأدلة، ويعزز الشفافية والقدرة على الاستفادة من الدعم الفني والمالي الدولي.
وأوضح الخبراء أن تطبيق النظام الجديد للحسابات القومية سيساعد على سد الثغرات في البيانات الاقتصادية، لا سيما المتعلقة بالاقتصاد غير الرسمي والتجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية والمعاملات المالية الإسلامية، مشددين على أن إدراج الاقتصاد غير الرسمي ضمن الحسابات الرسمية يفتح الباب لوضع سياسات دمج تدريجي توفر الحماية الاجتماعية للعاملين فيه، وتوسع قاعدة الاقتصاد المنظم بما يحقق عدالة اقتصادية أكبر.
الحسابات القومية صورة مقربة
وكانت اللجنة اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة اعتمدت في وقت سابق من العام الحالي نظام الحسابات القومية لعام 2025، في دورتها السادسة والخمسين، ليحل محل نظام الحسابات القومية لعام 2008 السابق، الذي تم تبنيه من معظم دول العالم، بما فيها الأردن.
ويوفر هذا المعيار الإحصائي الدولي المحدث إطارا عالميا منقحا للقياس الاقتصادي، يدمج عناصر مثل الاستدامة والرقمنة والاقتصاد غير الرسمي والرفاهية لتقديم رؤية أوسع للنشاط الاقتصادي بما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي.
وتتمثل الجوانب الرئيسة لنظام الحسابات القومية الجديد لعام 2025، في توسيع النطاق الإحصائي والتي تتعدى الناتج المحلي الإجمالي التقليدي لتشمل عناصر تؤثر على الرفاهية والاستدامة.
وإدراج المواضيع الاقتصادية الناشئة في نظام الحسابات القومية لعام 2025 بإصدار إرشادات محدثة بشأن قضايا مثل التحول الرقمي، والتمويل الإسلامي، والاقتصاد غير الرسمي، إضافة إلى احتساب رأس المال الطبيعي، من خلال التعامل مع استنزاف الموارد الطبيعية مثل المعادن كتكلفة إنتاج وتعترف بالموارد المتجددة كأصول.
كما تضمن النظام الجديد حسابات توضح توزيع الدخل والثروة والاستهلاك والادخار حسب مجموعات الأسر لتسليط الضوء على عدم المساواة والعمل غير مدفوع الأجر: ويتضمن ذلك العمل المنزلي والرعاية للاعتراف بمساهمات المرأة.
وأصدر منتدى الإستراتيجيات الأردني مؤخرا ورقة سياسات بعنوان "تبنّي النظام الجديد للحسابات القومية 2025: ضرورة إستراتيجية للأردن" وذلك لتسليط الضوء على أهمية منهجية النظام الجديدة، وضرورة تطبيق الأردن لها.
وذكرت الورقة، أن عملية اعتماد نظام الحسابات القومية 2025 يمثل خطوة إستراتيجية تمكّن الدول، ومنها الأردن، من مواءمة أنظمتها الإحصائية مع أحدث المعايير العالمية لتحسين جودة بياناتها الاقتصادية، ودعم عملية صنع القرار المبني على الأدلة، بالإضافة إلى رصد مساهمات كافة الأنشطة الاقتصادية في احتساب الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك الاقتصاد غير المنظم.
سد ثغرات النظام الإحصائي
وأكد مدير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية السابق قاسم الزعبي أن الأردن منخرط منذ عام 2014 في الاجتماعات السنوية للجنة الإحصائيين التابعة للأمم المتحدة، ومناقشات النظام الجديد للحسابات القومية الذي أصدرته المنظمة مؤخراً، ما يعكس رغبة المملكة وتطلعها للتحول نحو هذا النظام الإحصائي الحديث.
وأشار إلى أن أهمية النظام الجديد تكمن في قدرته على سد الثغرات التي تعتري النظام الإحصائي الأردني حالياً، بما في ذلك غياب المعطيات الاحصائية للاقتصاد غير الرسمي، وإحصاءات التجارة الإلكترونية، واقتصاد الرقمي، والبيانات الاحصائية المتعلقة بالمعاملات المالية الإسلامية.
وأكد الزعبي أن النظام الجديد سيوفر الأدوات والمسوح اللازمة لرصد واقع الاقتصاد غير الرسمي في المملكة، وجمع البيانات المتعلقة به، مشيرا إلى أن غياب هذه البيانات كان من نقاط النقد الدائم الموجهة للإحصاءات العامة.
وأوضح أن النظام يتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي، وسيساهم في تحسين جودة البيانات، والحفاظ على سمعة المملكة دوليا في المجال الإحصائي، وتعزيز شفافية الاقتصاد أمام المؤسسات الدولية.
تحديات العمل الإحصائي
وعن التحديات التي قد تواجه العمل الإحصائي في المملكة إلى نظام الحسابات القومية، يرى الزعبي أن نجاح النظام يتطلب إرادة سياسية واضحة، وخطة تنفيذ من مجلس الوزراء تحدد تقييم الواقع الحالي، إلى جانب توفير كوادر بشرية مؤهلة، والاستثمار في بناء البرمجيات الخاصة بالنظام، وضمان التمويل اللازم لتنفيذه. وأكد إمكانية الاستعانة بالمؤسسات الشريكة، مثل صندوق النقد الدولي، للحصول على البرمجيات اللازمة.
وأشار الزعبي إلى أن تجربة الأردن في العمل الإحصائي تحظى باحترام في المنطقة، وأن للمملكة مساهمات مهمة في تطوير العمل الإحصائي لدى العديد من الدول المجاورة، معتبرا أن تطبيق النظام الجديد يمكن أن يتحول إلى منتج يقدم لدول المنطقة. وأضاف أن ربط دائرة الإحصاءات العامة برئاسة الوزراء مباشرة من شأنه تسريع وتيرة تطوير العمل الإحصائي في المملكة.
بيانات الاقتصاد غير الرسمي
بدوره، أكد أمين عام وزارة العمل الأسبق حمادة أبو نجمة أن اعتماد نظام الحسابات القومية الجديد سيمنح الأردن فرصة مهمة لتعزيز جودة بياناته الاقتصادية لأنه سيمكن من قياس أنشطة لم تكن محسوبة سابقا مثل الاقتصاد الرقمي والاقتصاد غير المنظم، وهذا التطوير سيجعل الصورة أوضح حول حجم الاقتصاد الحقيقي ويساعد صانع القرار على بناء سياسات أكثر دقة وفعالية وسيحسن من مصداقية الأردن أمام المؤسسات الدولية ويتيح إجراء مقارنات عالمية عادلة.
واعتبر أبو نجمة التأخر في تطبيق مثل هذا النظام سيبقي بيانات الاقتصاد الوطني ناقصة ويؤثر على فعالية السياسات الاقتصادية، بينما البدء المبكر يمنح الأردن وقتا كافيًا لتأهيل الكوادر وتجهيز البنية التحتية الإحصائية ويجعل عملية التطبيق تدريجية وسلسة وسيسمح لنا بالاستفادة من الدعم الدولي والبرامج الفنية المتاحة.
وأوضح أن النظام سيتيح لنا لأول مرة قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بدقة أكثر، وهذه البيانات ستساعد في فهم واقع العمالة غير المنظمة وتوجيه سياسات عملية لدمجهم في الاقتصاد الوطني من خلال الحماية الاجتماعية وتبسيط إجراءات الترخيص وبرامج التدريب والدعم، بمعنى أننا سننتقل من التقديرات إلى الأرقام وهذا ما يجعل الحلول أكثر واقعية وفاعلية.
وأوضح أبو نجمة أن هناك تحديات متوقعة أهمها محدودية البيانات في بعض القطاعات ونقص الكفاءات الفنية والحاجة لتمويل إضافي لتغطية المسوح الميدانية المطلوبة، إضافة إلى ضيق الفترة الزمنية المتاحة حتى عام 2030، لكن هذه التحديات لن تكون معيقا إذا ما بدأنا مبكرا بخطة واضحة وشكلنا فريقا وطنيًا متخصصا واستفدنا من برامج الدعم الدولي وهو ما يمكن أن يكون فرصة حقيقية لتطوير البنية الإحصائية وتعزيز صناعة القرار المبني على الأدلة.
التغلب على فجوة البيانات الاقتصادية
من جانبه، أكد رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، أن اعتماد نظام الحسابات القومية لا يعد مجرد إجراء إحصائي تقني، بل يمثل خطوة إستراتيجية يمكن من خلالها في حال العمل به إعادة صياغة الطريقة التي ننظر بها إلى الاقتصاد الوطني.
ولفت عوض إلى أنه لطالما عانى الأردن من فجوة في البيانات الاقتصادية الدقيقة، ما جعل السياسات العامة في كثير من الأحيان قائمة على تقديرات أكثر من كونها مبنية على أدلة. ومع تطبيق هذا النظام، سيكون بالإمكان الحصول على صورة أشمل وأكثر دقة للناتج المحلي الإجمالي، بما يتيح لصانع القرار رسم سياسات أقرب إلى الواقع، ويعزز فرص الأردن في الحصول على دعم فني ومالي من المؤسسات الدولية.
وشدد عوض على أن الأهمية الأكبر لتطبيق هذا النظام تكمن في إدراج الاقتصاد غير الرسمي (غير المنظم) ضمن الحسابات. هذا القطاع، الذي يشغل شريحة واسعة من الأردنيين، ظل لسنوات طويلة خارج الرؤية الرسمية، رغم أنه يساهم فعليا في الناتج القومي. إدخاله اليوم ضمن الحسابات الرسمية يعني الاعتراف بحجمه الحقيقي، وفتح الباب أمام سياسات دمج تدريجي تضمن للعاملين فيه الحماية الاجتماعية وتحسّن ظروف عملهم، وتمنح الاقتصاد الرسمي (المنظم) قاعدة أوسع وأكثر عدالة.
وأشار إلى أن تطبيق النظام الجديد لن يخلو من تحديات مرتبطة بالموارد والقدرات الفنية، لكنه في الوقت ذاته يشكل فرصة نادرة للأردن لتحويل هذه التحديات إلى مكاسب. إنه خطوة نحو بيانات أكثر دقة، واقتصاد أكثر شفافية.