في ظل تزايد نشاط المؤثرين الماليين (الإنفلونسرز) على منصات التواصل الاجتماعي وتأثيرهم على المستثمرين الأفراد، برزت الحاجة إلى تنظيم هذا القطاع لحماية السوق والمستثمرين، مما دفع هيئة الأوراق المالية الى إصدار  تحذيرات من الانجراف نحو المحتوى المالي النصائحي  الاستثماري غير المبني على أسس مهنية، مؤكدةً  أن المشهد المالي الرقمي لم يعد هامشيا.

 

 

في الدول الرائدة لا تقتصر الاستجابة على التحذير، بل جرى تحويل هذا التحدي إلى حماية فعالة وفرص ريادية من خلال ترخيص نشاط المؤثرين الماليين، حيث لم يعد  يُنظر اليهم باعتبارهم مشكلة فحسب بل كطرف مرغوب فيه وضمن نطاق المنظومة المالية الرقمية التي يمكن الاستفادة منها إذا ما خضعت للحوكمة والرقابة.  

   تبدأ رحلة المؤثر بتسجيله، والإفصاح عن مؤهلاته وخبراته، والتأكد من امتلاكه لقاعدة متابعين حقيقية، لا تقل مثلاً عن 500 شخص. 

 المؤثر المرخص يقوم بالإفصاح الكامل عن مصادر معلوماته، وتوضيح الفارق بين الرأي الشخصي والحقائق المؤكدة، بالإضافة إلى الإعلان عن أي تضارب محتمل في المصالح أو أي مقابل مادي يتلقاه مقابل التوصيات التي يقدمها، مع الالتزام  بالحذر التنظيمي وادارة المخاطر في الترويج للأصول المشفرة التي هي قيد التنظيم.

 يهدف التنظيم  أيضاً إلى محاربة الترويج غير المرخص لأسهم الشركات أو الاكتتابات وبعد منح الترخيص، تُعقد اختبارات دورية إلزامية للمؤثرين في مجال الأخلاقيات والسلوك المالي، وقد يتم تصنيف الرخص حسب مستوى الخبرة لتحديد السقف المسموح به لتقديم النصائح المالية.

 في المقابل لا بد من حملات توعية مستمرة من الهيئة تشرح للمستثمرين كيفية تقييم المحتوى المالي وتحديد علامات التضليل، كما يتم نشر «قائمة بيضاء» رسمية للمؤثرين المرخصين والممتثلين، وملصقات بجانب كل محتوى مالي ليكون له لونه الأحمر او الأخضر او الأصفر ليوضح درجة المخاطر في الاداة، مما يسهل على الجمهور التمييز بين المصادر الموثوقة والمحتوى العشوائي.

 أما على الصعيد التقني، فإن الرقابة التقليدية لم تعد كافية. ولا بد من  استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمراقبة منصات التواصل الاجتماعي استباقياً، والبحث عن الكلمات المفتاحية التي تشير إلى ترويج غير مرخص أو وعود مبالغ فيها، مما يضمن تدخلاً سريعاً وفورياً. ولإكمال هذه الحلقة، يجب تفعيل آلية إبلاغ رقمية سهلة الاستخدام تتيح للمستثمر الإبلاغ عن المحتوى المخالف بشكل سري وفوري، تمهيداً لتطبيق العقوبات والغرامات.

 وأخيراً، يتطلب العمل التنظيمي الفعال تعاوناً إقليمياً ودولياً خاصة في مشاركة قواعد البيانات ومنع ما يسمى بالترحال التنظيمي لمن يفقد ترخيصه في سوق ليظهر في سوق آخر دون رقابة، بما يحقق العدالة للمرخصين الملتزمين بالتشريعات وبدفع الرسوم. 

الخلاصة، المؤثرون قناة استثمارية واعدة تحمي المستثمرين، في سياق من الممارسات الريادية الحديثة المواكبة للعصر الرقمي.