أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    29-Jun-2025

بين تحسن المؤشر وتحديات الواقع.. أين تقف الحرية الاقتصادية في المملكة؟

 الغد

 في وقت أحرز فيه الاقتصاد الأردني تحسنا طفيفا على مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025، يرى خبراء اقتصاديون أن التحديات الهيكلية العميقة ما تزال تلقي بظلالها على قدرة المملكة في تعزيز أدائها، وتحد من إمكانية البناء على هذا التحسن لتحقيق مكتسبات اقتصادية طال انتظارها، لا سيما في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
 
 
ويؤكد الخبراء أن أهمية مؤشر الحرية الاقتصادية لا تكمن فقط في تحسين بيئة الاستثمار، بل تشمل أيضا تعزيز جاذبية الاقتصاد الأردني على المستويين الإقليمي والدولي، ورفع فرص تحسين التصنيف الائتماني للمملكة، إضافة إلى كونه مؤشرا على مدى مرونة أو جمود سوق العمل المحلية.
دعوات للإصلاح
ولتحقيق تقدم ملموس على المؤشر، شدد الخبراء على ضرورة تبني إصلاحات مفصلية، في مقدمتها تحسين الإدارة المالية العامة وتخفيض مستويات الدين العام، إلى جانب تسريع إصلاح سوق العمل الذي يعاني من اختلالات مزمنة. كما دعوا إلى معالجة ملف الهيئات المستقلة، الذي بات يشكل عبئا ماليا وتنظيميا متزايدا دون نتائج ملموسة.
وأكد الخبراء أهمية العمل على إزالة التشوهات التي تحكم العلاقات الاقتصادية بين مختلف القطاعات، والتوجه نحو توزيع أكثر عدالة للدعم الحكومي، بما يعزز كفاءة الإنفاق ويخدم النمو الاقتصادي الشامل، بدلا من تركيز الدعم في قطاعات دون أخرى.
كما أشاروا إلى أهمية التركيز على تحسين المؤشرات الفرعية المرتبطة بالحرية الاقتصادية، مثل سيادة القانون، وحماية الملكية الفكرية، وجودة البنية التحتية، ومستويات الدين العام، والتي ما تزال دون المستوى المأمول.
وتُعرّف مؤسسة "هيريتدج فاونديشن" – الجهة المصدرة لمؤشر الحرية الاقتصادية العالمي – الحرية الاقتصادية بأنها "القدرة على اتخاذ قرارات اقتصادية بحرية دون تدخل حكومي مفرط، مع ضمان حماية حقوق الملكية وتعزيز سيادة القانون، وتطبيق سياسات اقتصادية منفتحة وشفافة".
الأردن على المؤشر لعام 2025
وفقا لتقرير "هيريتدج فاونديشن"، أحرز الأردن 59.4 نقطة من أصل 100 على مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025، مسجلا تحسنا بمقدار 1.1 نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق، ليحل في المرتبة 91 عالميا من أصل 184 دولة شملها التصنيف، ويصنف ضمن فئة الدول ذات الاقتصاد "الأقل حرية".
وعلى المستوى الإقليمي، جاء الأردن في المركز التاسع من أصل 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ورغم هذا التحسن الطفيف، ما تزال مؤشرات أساسية تعكس تحديات هيكلية، خصوصا في مجالي سيادة القانون ومرونة سوق العمل. ولفت التقرير إلى أن الأردن يتمتع بانفتاح نسبي على التجارة والاستثمار الأجنبي، إذ بلغ صافي التدفقات الاستثمارية نحو 1.1 مليار دولار، في حين بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 92.8 %.
الأثر على أداء الاقتصاد الكلي
وفي السياق، أكد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن الدول تسعى عادة إلى تحسين مواقعها في مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي من أجل تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية المانحة، إضافة إلى رفع فرص تحسين التصنيف الائتماني، ما ينعكس بشكل مباشر على أداء الاقتصاد الكلي.
واعتبر مخامرة أن تحسين تصنيف الأردن في هذا المؤشر يتطلب أولا إصلاح سوق العمل، الذي يعد المحور الأكثر تأثيرا وجدوى، نظرا لانعكاسه المباشر على أربعة عناصر رئيسة في المؤشر: حرية العمل، حرية الاستثمار، النظام الضريبي، وكفاءة الحكومة.
خطوات مقترحة للإصلاح
واقترح مخامرة في هذا السياق حزمة من الخطوات العملية تشمل تبسيط إجراءات التوظيف والفصل، وتخفيف القيود المفروضة على توظيف العمالة الأجنبية في القطاعات التي تعاني نقصا في العمالة، بالإضافة إلى ربط الحد الأدنى للأجور بمستوى المهارة بدلاً من القطاع الاقتصادي.
كما أشار إلى إمكانية تحسين موقع الأردن من خلال إصلاح السياسة المالية، عبر تحويل الدعم العام إلى دعم نقدي مباشر (Cash Transfers) ضمن خطة تدريجية تبدأ بإلغاء دعم المحروقات، مما سيوفر قرابة 500 مليون دينار سنويا. وأوضح أن هذا المبلغ يمكن توجيهه إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنسبة 30 %، والتحويلات النقدية المباشرة للأسر الفقيرة بنسبة 40 % عبر استحداث بطاقة "تمكين"، إضافة إلى خفض الدين العام بنسبة 30 %.
وقال إن هذه الإجراءات ستسهم في تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزيز الشفافية، والحد من فرص الفساد في توزيع الدعم، إلى جانب دورها في تقليص العجز وتحرير الموارد نحو أولويات التنمية.
وأشار إلى أن تنفيذ هذه الإصلاحات بفعالية قد يرفع تصنيف الأردن بين 3 إلى 5 نقاط على المؤشر، ويخفض معدل البطالة بنسبة تتراوح بين 3 % و4 %.
الدين العام.. عبء ثقيل
وفي ما يتعلق بمستوى الدين العام المرتفع، أوضح مخامرة أنه يشكل عبئا كبيرا على مؤشر الحرية الاقتصادية، إذ يصل إلى نحو 114 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تذهب ما يقارب 30 % من إيرادات الدولة إلى خدمة الدين، بحسب بيانات وزارة المالية. هذا الواقع، بحسب مخامرة، يقيّد قدرة الحكومة على الإنفاق في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والتعليم والصحة.
وأضاف أن هذا الوضع يفرض ضغوطا متزايدة على صانع القرار المالي، وقد يؤدي إلى رفع الضرائب أو فرض رسوم إضافية، ما يثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويضعف قدرة القطاع الخاص على النمو، فضلاً عن تراجع ثقة المستثمرين وارتفاع تكلفة الاقتراض بسبب تدني التصنيف الائتماني.
معضلات الموازنة العامة
ولفت مخامرة إلى أن الحكومة تواجه ثلاث معضلات رئيسية في إدارة الموازنة العامة، أولها ارتفاع كلفة خدمة الدين التي تتجاوز 1.3 مليار دينار سنويًا، وثانيها الالتزامات الاجتماعية والسياسية، كدعم الطاقة الذي يشكل نحو 14 % من إجمالي الإنفاق العام، بالإضافة إلى معدلات البطالة المرتفعة التي تجاوزت 17.9 %. أما ثالث هذه المعضلات، فهو الاعتماد على المنح والقروض الخارجية، التي تمول نحو 24 % من الموازنة من مصادر غير مستقرة، مما يضعف استدامتها المالية.
تحسن طفيف لا يخفي التحديات
وخلص مخامرة إلى أن التحسن الطفيف الذي أحرزه الأردن في النسخة الأخيرة من تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية العالمي قد يعود إلى تحسينات إجرائية محدودة أو وقتية، في ظل استمرار ضعف المؤشرات الجوهرية، خصوصا في مجالي سيادة القانون ومرونة سوق العمل، إلى جانب غياب إصلاحات بنيوية في القطاعين العام والقضائي.
وأكد أن الأردن ما يزال يصنّف ضمن فئة الدول "غالبا غير حرة اقتصاديا"، وهي الفئة التي تشمل الدول التي لم تتجاوز حاجز 60 نقطة، في حين ما يزال أداء الأردن أقل من المتوسط العالمي البالغ 61.8 نقطة.
تحديات هيكلية 
من جهته، اعتبر مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين، طارق حجازي، أن التحديات الهيكلية العميقة التي تؤثر على مناخ الأعمال في الأردن ما تزال تقيد فرص تحسن أداء الاقتصاد الوطني في مؤشر الحرية الاقتصادية، الذي يُعد من المؤشرات الحيوية في استقطاب الاستثمارات وتعزيز السمعة الاقتصادية للدول.
وأوضح حجازي أن أهمية المؤشر تكمن في قدرته على رفع جاذبية الاقتصاد الأردني إقليميا ودوليا، إلى جانب قياس مدى مرونة أو جمود سوق العمل المحلي، ومتابعة مؤشرات فرعية استراتيجية مثل سيادة القانون، والتشريعات الاقتصادية، والبنية التحتية.
وأشار إلى أن السياسات المالية المنضبطة والحرية النقدية النسبية التي تتمتع بها المملكة أسهمت في رفع تصنيف الأردن على عدد من المؤشرات الدولية المهمة، ومن ضمنها مؤشر الحرية الاقتصادية، الأمر الذي يعزز من جاذبية الأردن كمركز إقليمي وعالمي للاستثمار.
توسيع القاعدة الضريبية
ودعا حجازي إلى ضرورة تحسين إدارة المالية العامة وتخفيض مستويات الدين العام، إلى جانب التركيز على إصلاح المؤشرات الفرعية التي لا تزال دون المستوى، بما يشمل الجوانب القانونية والمؤسسية والتنظيمية.
كما طالب بإعادة هيكلة النظام الضريبي ليصبح أكثر تحفيزا للنمو الاقتصادي، عبر توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز الامتثال، مع الإسراع في تنفيذ خطة التطوير الإداري وتخفيض مستويات البيروقراطية، باعتبارها من أبرز المعيقات أمام تحسين بيئة الأعمال، وأسباب عزوف بعض المستثمرين عن دخول السوق المحلي أو التوسع فيه.
وأكد أن تخفيف العبء الضريبي على الشركات يسهم في تحفيز نموها، ويعزز تنافسية الاقتصاد الأردني في بيئة إقليمية تتسم بالتنافس الشديد على جذب الاستثمارات.
قانون يُطبق بعدالة
من جانبه، بيّن الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الحرية الاقتصادية، وفقا للتعريفات المعتمدة دوليا، تقوم على مبدأ أساسي مفاده أن لكل فرد الحق في إدارة نفسه وماله وعمله، ضمن مجتمع يحترم حرية التملك، والإنتاج، والاستثمار، دون تدخل حكومي يتجاوز الحد الضروري لحماية هذه الحقوق.
وأوضح عايش أن الحرية الاقتصادية تُقاس بناءً على أربعة محاور رئيسة هي سيادة القانون وتشمل حماية حقوق الملكية، ونزاهة الحكومة، واستقلالية وفعالية الجهاز القضائي. إضافة إلى حجم الحكومة ويشمل مستويات الإنفاق العام، والسياسات الضريبية، والصحة المالية للدولة.
وأضاف أن المحور الثالث هو الكفاءة التنظيمية مثل حرية ممارسة الأعمال، وسهولة التوظيف، والاستقرار النقدي. أما المحور الرابع فهو الأسواق المفتوحة وتشمل حرية التجارة، وحرية الاستثمار، والحرية المالية.
وأكد عايش أن العلاقة بين القانون والحرية الاقتصادية هي علاقة تكاملية، حيث يشكّل القانون الضامن الأساسي للحريات، إلا أن وجود النصوص لا يكفي، "فالعبرة في التطبيق، والنية المؤسسية في تفعيل تلك القوانين".
وأشار إلى وجود فجوة بين ما هو منصوص عليه في التشريعات، وما يتم تطبيقه فعليا على أرض الواقع، لافتا إلى أن التفسيرات الفردية أو الذهنية البيروقراطية تفرغ مضامين الحرية الاقتصادية من محتواها، ما ينعكس سلبا على ثقة المستثمرين ورجال الأعمال.
وشدد على أن الأردن قطع خطوات في مجال حماية الملكية والعقود، لكن تفعيل تلك القوانين يتطلب مراجعة بعض الأنظمة، وتعزيز الشفافية، وربط النصوص القانونية بأثر ملموس على النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
إجراءات ضرورية
ودعا عايش إلى اتخاذ جملة من الإجراءات المفصلية لتحسين موقع الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية خلال السنوات المقبلة، في مقدمتها مراجعة الأنظمة والتشريعات والسياسات الاقتصادية القائمة. ومعالجة الأسباب التي تبقي الاقتصاد في حالة "مراوحة". إضافة إلى إصلاح ملف الهيئات المستقلة الذي يشكل عبئا ماليا وتنظيميا مزمنا. وإزالة التشوهات في العلاقات الاقتصادية بين القطاعات المختلفة. وتوحيد جهود الدعم الاقتصادي للقطاعات كافة، والتوقف عن تفضيل قطاع على حساب آخر.
واختتم عايش بالتأكيد على أن الطريق نحو بيئة اقتصادية حرة وأكثر جاذبية للاستثمار يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات بنيوية شاملة تتجاوز الشكل إلى المضمون.