رفع الإقراض الزراعي.. هل يعالج أزمة القطاع؟
الغد-عبدالله الربيحات
فيما كشفت مؤسسة الإقراض الزراعي عن خطتها الإقراضية للعام 2025، مبينة أنها بلغت 65 مليون دينار، وزيادة عدد المستفيدين بنسبة 25 % عن العام الماضي، أكد خبراء زراعيون أنه على الرغم من أن هذا الإعلان يمثل نجاحا للمؤسسة، لكنه سيظل غير مضمون زراعياً ما لم يُربط الإقراض بتحول هيكلي حقيقي في القطاع الزراعي نفسه، إذ إن المؤسسة قد تنجح مالياً بينما يضعف القطاع الذي أُنشئت أساساً لخدمته.
وبينوا لـ”الغد” أن التحدي الحقيقي لا يكمن في حجم القروض أو نسب التحصيل، بل في قدرة المؤسسة على تحويل أدوات الإقراض من مجرد إدارة للمخاطر إلى وسيلة لإعادة تشكيل نموذج الزراعة.
تساؤلات مشروعة
وفي السياق قال وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري إن الأداء المالي الذي حققته مؤسسة الإقراض الزراعي خلال العام 2025 يثير تساؤلات مشروعة حول طبيعة نموذجها المالي وصلابته في مواجهة بيئة إنتاجية متدهورة.
وعلل المصري ذلك بأن المؤسسة أعلنت عن قروض بقيمة 40 مليون دينار، بينما تجاوزت تحصيلاتها 57 مليوناً، وتحدثت عن خطط لرفع رأس المال والتوسع في الإقراض والاعتماد على التمويل الذاتي، في وقت يواجه فيه القطاع الزراعي تحديات غير مسبوقة من تغيّر مناخي وشح في المياه وارتفاع متواصل في تكاليف الإنتاج.
وبين أن هذا النجاح المالي لا يمكن إنكاره، إذ يعكس قدرة المؤسسة على إدارة محفظة قروضها بكفاءة، ويظهر تحسناً في الانضباط الائتماني لدى المقترضين، كما يخفف نسبياً من العبء على خزينة الدولة عبر الاعتماد على التمويل الذاتي، ويعزز الملاءة المالية من خلال رفع رأس المال.
وتابع: “غير أن هذا النجاح لا يعكس بالضرورة تحسناً في أوضاع الزراعة نفسها، بل يعكس إدارة ذكية للسيولة في بيئة عالية المخاطر، حيث بقيت المشاريع الزراعية التقليدية عاجزة عن تحقيق عوائد مجزية في ظل الظروف المناخية والمائية القاسية”.
وأشار إلى أن المؤسسة حققت هذا الأداء عبر إعادة تدوير الأموال لا عبر توسيع القاعدة الإنتاجية، إذ إن جزءاً كبيراً من التحصيلات جاء من قروض سابقة، وأصبح الالتزام بالسداد شرطاً أساسياً للحصول على تمويل جديد، كما اتجهت المؤسسة نحو انتقائية في الإقراض، فركزت على مشاريع أقل استهلاكاً للمياه، واعتمدت تقنيات حديثة وطاقة متجددة، ما خفّض نسبياً من مخاطر التعثر، لكنه في المقابل أبعد شريحة واسعة من المزارعين التقليديين عن دائرة التمويل.
إلى جانب ذلك، وفقا للمصري، اعتمدت المؤسسة على أدوات لامتصاص الصدمات، مثل تأجيل الأقساط وجدولة الديون وتفعيل صناديق التكافل والتأمين، وهي إجراءات تمنع الانفجار المالي لكنها لا تعالج جذور الأزمة المتمثلة في تراجع الجدوى الاقتصادية للزراعة التقليدية.
وأضاف: “أما بالنسبة لرفع رأس المال فقد شكّل وسادة أمان للمؤسسة، لكنه لم يغيّر حقيقة تراكم المخاطر المناخية واستمرار شح المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج مقابل عوائد محدودة”.
ورأى المصري أن نجاح المؤسسة قابل للاستدامة مالياً على المديين القصير والمتوسط إذا استمرت التحصيلات المرتفعة والانضباط الائتماني والدعم الرأسمالي، لكنه يظل غير مضمون زراعياً ما لم يُربط الإقراض بتحول هيكلي حقيقي في القطاع الزراعي نفسه، فالمؤسسة قد تنجح مالياً بينما يضعف القطاع الذي أُنشئت أساساً لخدمته.
وقال إن التحدي الحقيقي، إذن، لا يكمن في حجم القروض أو نسب التحصيل، بل في قدرة المؤسسة على تحويل أدوات الإقراض من مجرد إدارة للمخاطر إلى وسيلة لإعادة تشكيل نموذج الزراعة، فإذا بقي التمويل منفصلاً عن إدارة المياه، وغير مرتبط بتأمين زراعي شامل، وغير مشروط بتحسين الإنتاجية وكفاءة الموارد، فإن النجاح سيظل محصوراً في دفاتر الحسابات دون أن ينعكس على التنمية الزراعية.
تداعيات المناخ
من جهته، أوضح المدير العام لاتحاد المزارعين الأردنيين المهندس محمود العوران، أنّ مؤسسة الإقراض الزراعي، ورغم محدودية الفوائد التي تحققها، استطاعت أن تمنح قروضاً بقيمة أربعين مليون دينار، وأن تحقق عوائد تصل إلى سبعة وخمسين مليوناً.
وأضاف العوران إن هذا الأداء يعكس قدرتها على تغطية مصاريفها التشغيلية والاعتماد على ذاتها في إدارة الفوائد، باعتبارها مؤسسة إقراضية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق أرباح تكفل استمرارها وتغطية نفقاتها.
وبين أنّ التحدي الأبرز لا يكمن في الجانب المالي المباشر، بل في التداعيات التي يفرضها التغير المناخي على القطاع الزراعي.
ولفت إلى أن تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة الظروف المناخية القاسية، أدى إلى عجز العديد من المزارعين عن سداد القروض، الأمر الذي يفاقم تراكم الفوائد عليهم ويضع المؤسسة أمام معادلة صعبة قوامها الحفاظ على ربحيتها من جهة، ومساندة المزارعين المتعثرين من جهة أخرى.
وأشار العوران إلى أنّ الأرباح المتحققة تُستخدم في تعزيز رأس مال المؤسسة، بما يتيح لها الاستمرار في تقديم خدماتها للقطاع الزراعي.
واستدرك: “إلا أنّ هذه المعادلة تظل حساسة، إذ إن المؤسسة تبقى ربحية بطبيعتها، بينما يواجه المزارعون ضغوطاً متزايدة نتيجة تراكم الديون والفوائد، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة النظام الإقراضي الزراعي على التوازن بين الاستدامة المالية والدور التنموي”.
خطط إقراضية
من جهته، أكد المدير العام لمؤسسة الإقراض الزراعي المهندس محمد دوجان، أن الخطة الإقراضية للعام 2025 بلغت 65 مليون دينار وتم إنجاز 64 مليونا منها بنسبة 98 % تقريبا.
وأضاف دوجان لـ”الغد”، إن عدد المقترضين بلغ 12880 مزارعا ومزارعة، حيث شهد هذا العام زيادة في الخطه الإقراضية بمعدل 7 ملايين دينار عن العام 2024 بزيادة عدد المستفيدين بنسبة 25 % عن العام الماضي.
وزاد إن الخطة التحصيلية للعام 2025 بلغت 70 مليون دينار، حيث تم تحصيل 65 مليونا بزيادة مليون دينار عن العام الماضي، وبلغت نسبة التحصيلات لهذا العام 93 %.