شراكة "المركزي" و"الأوروبي".. تسريع للتحول نحو اقتصاد أخضر
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
يواصل البنك المركزي الأردني دوره في دعم عملية التحول الأخضر في الأردن، من خلال تمكين القطاع المالي من تبني ممارسات صديقة للبيئة، وتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع المستدامة التي تعزز الاقتصاد المحلي وتقوي مقاومة الشركات لتأثيرات تغير المناخ.
وفي هذا السياق جاء توقيع الاتفاقية بين البنك المركزي الأردني والبنك الأوروبي للاستثمار، لتكون حجر الزاوية في برنامج تخضير الأنظمة المالية.
ويؤكد خبراء أن هذه الخطوة ستسرع من التحول نحو اقتصاد أخضر مستدام، وتفتح آفاقا أوسع للتمويل للشركات المحلية والمشاريع المراعية للبيئة، إضافة إلى تمكين القطاع الخاص المحلي من الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة لا تضر بالمناخ وتعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية.
وأوضح هؤلاء الخبراء أن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر لم يعد مجرد خيار، إنما بات ضرورة إستراتيجية للشركات والمصانع الناشطة في القطاع الخاص كافة خلال السنوات القادمة، حيث إذا لم يتمكن القطاع الخاص من الانخراط في منظومة الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد الدائري خلال الخمس سنوات القادمة، فإن قدرته على المنافسة محليا ستتأثر سلبا، كما ستفقد الشركات والمصانع فرصا مهمة في الأسواق التصديرية المستقبلية في ظل الشروط الحديثة المطبقة عالميا.
ويرى الخبراء أن من شأن البرنامج أن يمكن الأردن من قيادة أجندة التمويل الأخضر في المنطقة العربية، وكذلك تمكينها أصبح مركزا ماليا إقليميا لمثل هذا النوع من المبادرات.
برنامج تخضير الأنظمة المالية في الأردن
وكان البنك الأوروبي للاستثمار في العالم، الذراع التنموية للبنك الأوروبي للاستثمار (EIB)، أطلق مؤخرا وبالشراكة مع البنك المركزي الأردني، برنامج تخضير الأنظمة المالية في الأردن.
وسيدعم البرنامج البنك المركزي الأردني في تطوير بيئة مواتية لتعزيز التحوّل إلى نظام مالي خالٍ من الانبعاثات الكربونية وقادر على التكيّف مع المناخ، كما سيدعم البنوك التجارية الأردنية في إدماج تقييم المخاطر المناخية ضمن عملياتها وتبني نموذج أعمال أكثر استدامة بيئيًا. ونتيجة لذلك، ستستفيد الشركات الأردنية من تحسين فرص الحصول على التمويل لزيادة قدرتها على التكيّف مع تغيّر المناخ والاستثمار في التقنيات الخضراء والمستدامة.
وبذلك ينضم الأردن إلى مجموعة متنامية من البلدان من بينها إثيوبيا وكينيا ونيجيريا وجورجيا المشاركة في برنامج البنك الأوروبي للاستثمار لتخضير الأنظمة المالية الذي صممه بنك الاستثمار الأوروبي عالميا بتمويل من ألمانيا عبر المبادرة الدولية للمناخ (IKI)، ويساهم في عمل شراكة المساهمات الوطنية (NDC Partnership)، وهي تحالف عالمي يضم 130 بلدا وأكثر من 110 مؤسسات، يهدف إلى دعم تحقيق اتفاق باريس ودفع عجلة التنمية المستدامة.
ويعد البنك الأوروبي للاستثمار داعما قويا للشركات الأردنية، فمنذ عام 2017، قدم البنك أكثر من مليار يورو على شكل قروض، إضافة إلى تقديم ضمانات قادرة على تغطية محافظ قروض تتجاوز قيمتها 200 مليون يورو، وذلك بالشراكة مع 8 بنوك ومؤسستين للتمويل الأصغر. ويعد تحسين فرص الحصول على التمويل الأخضر أولوية قصوى لدى البنك الأوروبي للاستثمار في الأردن.
ربط الأردن مباشرة بمنظومة التمويل الأخضر العالمية
واعتبر عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال الأردنية الأوربية محمد الصمادي، أن حرص الاتحاد الأوروبي على إطلاق هذا البرنامج في الأردن عبر ذراعه التنموية البنك الأوروبي للاستثمار يعكس بوضوح مكانة الأردن كشريك إستراتيجي في المنطقة، ويؤكد الثقة الأوروبية في قدرة القطاع المالي الأردني على أن يكون منصة رائدة للتحول الأخضر.
ويرى الصمادي أن هذه المبادرة ليست مجرد دعم مالي أو تقني، بل هي رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن الاتحاد الأوروبي يضع الأردن في قلب جهوده الإقليمية لتعزيز التمويل المستدام ومواجهة تحديات المناخ.
وبين أن البرنامج يربط الأردن مباشرة بمنظومة التمويل الأخضر العالمية، ويمكن مؤسساته المالية من تبني معايير دولية متقدمة لإدارة مخاطر المناخ. وهذا بدوره يرفع من جاذبية السوق الأردني أمام المستثمرين الأوروبيين والدوليين الذين أصبحوا يشترطون اليوم توافق المشاريع مع معايير الاستدامة والبيئة. بالنسبة لنا في جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية (JEBA)، نعد أن هذا التعاون يعزز موقع الأردن كدولة قادرة على اجتذاب رؤوس الأموال الخضراء وتوظيفها في مشاريع حقيقية تحقق النمو الاقتصادي وتخدم أهداف التنمية المستدامة.
وحول انعكاس البرنامج على القطاع الخاص والشركات المحلية، بين الصمادي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الأردني، حيث تشكل أكثر من 90 % من مجموع الشركات، لكنها تواجه دائما تحديات في الحصول على التمويل بشروط مناسبة، حيث من المنتظر أن يحدث البرنامج الجديد فرقا كبيرا على هذا المستوى، ما سيرفع من قدرة هذه الشركات على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية، خاصة أن الطلب العالمي والإقليمي يتجه بسرعة نحو المنتجات والخدمات الخضراء. بهذا الشكل يصبح التمويل الأخضر ليس فقط وسيلة للبقاء، بل فرصة للنمو والتوسع.
ولفت الصمادي إلى أن البرنامج لا يقتصر على التمويل، بل يوفر أيضا خبرات فنية وإرشاد للشركات حتى تتمكن من إعداد خطط استثمارية ناجحة في مجالات الطاقة المتجددة، إعادة التدوير، كفاءة استخدام المياه والطاقة. هذا يعني أن الشركات لن تحصل فقط على المال، بل على المعرفة والأدوات اللازمة للنجاح في مشاريع استدامة حقيقية، وفي ذلك أهمية إستراتيجية وتنموية مستدامة على المدى البعيد. وأشار إلى أن البرنامج سيتيح للاقتصاد الوطني الاستفادة من تراكم خبرات دول أخرى، وفي الوقت نفسه سيبني الأردن نموذجا محليا يتناسب مع أولوياته الاقتصادية والتنموية. وهذا يعزز مكانتنا كدولة قادرة على قيادة أجندة التمويل الأخضر في المنطقة العربية، بل وربما أن نصبح مركزا ماليا إقليميا لمثل هذه المبادرات.
وأكد وجود مبادرات أوروبية عديدة يمكن للأردن الاستفادة منها بجانب برنامج تخضير الأنظمة المالية، أبرزهاHorizon Europe لدعم الابتكار، وEU Green Deal Investment Plan لتمويل المشاريع الخضراء الكبرى، وصندوق EFSD+ الذي يقدم ضمانات للاستثمارات، إضافة إلى مبادرة Team Europe التي تركز على مشاريع الطاقة المتجددة والمياه. هذه الأدوات تفتح أمام الأردن فرصا واسعة لجذب استثمارات أوروبية تسهم في تسريع التحول الأخضر.
خطوة إستراتجية نحو اقتصاد مستدام
بدوره، قال عمر أبو عيد، مدير برامج الطاقة والتغيير المناخي في الاتحاد الأوروبي، إن برنامج تخضير الأنظمة المالية في الأردن يمثل خطوة إستراتيجية نحو تعزيز الاقتصاد الأخضر محليا، ودعم تنفيذ إستراتيجية التمويل الأخضر للبنك المركزي (2023-2028)، كما يواكب الخطط الوطنية لتنمية الاقتصاد المستدام، فضلا عن مبادرات التحول للاقتصاد الأخضر ضمن رؤية التحديث الاقتصادي.
وأضاف أبو عيد أن البرنامج سيعمل على تسريع التحول الأخضر محليا في القطاعات الحيوية، بما فيها الطاقة والمياه وإدارة النفايات والزراعة والسياحة والنقل.
وأوضح أن قنوات التمويل التي يوفرها البرنامج ستسهل تنفيذ المشاريع الخضراء، وتدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، مؤكدا أن ذلك قد يجعل الأردن قاعدة جاذبة للاستثمار الأخضر.
وأكد أن الأردن منخرط بقوة في ملف المناخ والاقتصاد الأخضر، ويتضح ذلك من خلال توقيعه على أبرز الاتفاقيات والمبادرات الدولية ذات الشأن، وإطلاقه خطط وإستراتيجيات وطنية مبكرا على المستوى الإقليمي، ما عزز ثقة الاتحاد الأوروبي بالأردن ورفع مستوى الدعم المقدم لتعزيز التحول الأخضر.
تمهيد الطريق لاستدامة الصناعة الأردنية ومنافسة التصدير العالمية
بدوره، قال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية إياد أبو حلتم إن "برنامج تخضير الأنظمة المالية يعد خطوة مهمة وحيوية لدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر على المستوى الوطني"، موضحا أن هذه المبادرة تتعلق بشكل مباشر بسياسات الدول في قبول المنتجات المستوردة، ومدى التزام الشركات المصدرة والمصنعة بتخفيض الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة والملوثة للبيئة.
وأضاف أن الاتفاقية الموقعة بين البنك المركزي الأردني والبنك الأوروبي للاستثمار جاءت في سياق دعم البنك المركزي، ومن خلاله دعم البنوك التجارية الأردنية، لتحسين قدرتها على تقييم المخاطر المتعلقة بتغير المناخ والانبعاثات الكربونية، بطريقة تمكن الشركات الأردنية، وعلى رأسها الشركات الصناعية، من الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة لا تضر بالمناخ وتعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية.
وأشار أبو حلتم إلى أن هذا التوجه أصبح ضروريا، خصوصا في ظل خطط دول الاتحاد الأوروبي لعام 2050 لتحقيق صفر انبعاثات كربونية (Zero Emissions)، مؤكدا أن أي مصنع أو شركة ترغب في التصدير مستقبلا ستواجه متطلبات صارمة تتعلق بخفض الانبعاثات الكربونية، وأن التكيف مع هذه المعايير سيكون ضرورياً للحفاظ على القدرة التنافسية في الأسواق الدولية.
وأكد أن الاقتصاد الحديث يتجه نحو الاقتصاد الدائري، الذي يشمل الاقتصاد الأخضر، ويعني توفير الموارد، تقليل الانبعاثات المضرة، زيادة الإنتاجية، وتحقيق كفاءة أعلى في استخدام الموارد، مبينا أن هذا يشمل منع إنتاج المواد الضارة غير القابلة للتدوير أو التحلل أو إعادة الإنتاج، واستخدام أنظمة إنتاج ذات كفاءة طاقة عالية، ما يعني استهلاكا أقل للطاقة وانبعاثات كربونية أقل، وهو ما يحقق عوائد اقتصادية كبيرة.
ولفت أبو حلتم إلى أن الشركات التي استثمرت في مشاريع كفاءة الطاقة، على سبيل المثال، استطاعت خفض تكاليف التشغيل بين 25 و30 بالمائة، مشيرا إلى أن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر ليس خيارا بل ضرورة إستراتيجية للمصانع الأردنية خلال السنوات القادمة.
وأوضح إذا لم تتمكن الشركات الصناعية الأردنية من الانخراط في منظومة الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد الدائري خلال الخمس سنوات القادمة، فإن قدرتها على المنافسة محلياً ودولياً ستتراجع بشكل كبير، وستفقد فرصاً مهمة في الأسواق التصديرية المستقبلية.
ويرى أبو حلتم أن برنامج تخضير الأنظمة المالية في الأردن يوفر للبنوك أدوات لتقييم المخاطر المناخية بشكل أفضل، ويتيح للشركات تحسين عملياتها الإنتاجية لتقليل الانبعاثات الكربونية، وإنتاج مواد قابلة للتحلل وإعادة التدوير، وزيادة كفاءة الطاقة والإنتاجية، بما يجعل الاقتصاد الأردني أكثر استعداداً لمتطلبات المستقبل ويعزز دوره كبيئة جاذبة للاستثمار الأخضر.