الألعاب الإلكترونية تكشف عن أنيابها.. هل يشكل حظر "روبلكس" نقطة تحول؟
الغد-ابراهيم المبيضين
على قدر الحيز الذي احتلته صناعة الألعاب الإلكترونية في تعزيز قطاعات الترفيه والإبداع والتواصل بين أوساط الشباب والأطفال في العالم، إلا أن خبراء يرون أن ثمة ما تخفيه هذه الصناعة من مخاطر اجتماعية واقتصادية وسيبرانية تحتم على المستخدمين والأهالي والمؤسسات الحذر منها.
ويؤكد الخبراء أن هذه المخاطر ليست عادية فهي تحمل تأثيرات سلبية كبيرة على حياة الناس وقد تسهم في "إنحدار المجتمع".
ويشير الخبراء إلى أن هيمنة الأجهزة الذكية والألعاب الرقمية على استخدامات الشباب والأطفال للإنترنت بشكل عام، يحمل فوائد تربوية وتعليمية جمة إذا تم توجيهها واستخدامها بالطريقة الصحيحة، ولكن ألعابا كثيرة أو أجزاء منها تنطوي على مخاطر كبيرة أيضاً، وقد ينتج عنها الكثير من الأضرار الكبيرة مثل الإدمان، وتأثيرات الألعاب العنيفة، فضلا عن مخاطر اقتصادية وسيبرانية لألعاب قد تستغل بيانات المستخدمين وخصوصا شريحة الأطفال في بلد يقدر فيه عدد مستخدمي الإنترنت بنحو 11 مليونا.
ودعا الخبراء إلى أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها في مواجهة مخاطر الألعاب الرقمية مثل الدور التنظيمي والتشريعي والتوعوي للمؤسسات الحكومية، ودور التوعية للمؤسسات التعليمية، ودور الأهالي في استخدام أدوات الرقابة الأبوية الرقمية أو المتابعة لسلوكيات الأطفال وتحديد أوقات الاستخدامات الرقمية، الأمر الذي يسهم في تعظيم الفوائد ودرء المخاطر.
أخيرا، واستجابة لمخاطر مرصودة طفت على السطح في الدول التي تتواجد فيها اللعبة، قامت العديد من الجهات التنظيمية في المنطقة باتخاذ خطوات حاسمة تجاه لعبة "روبلكس" تراوحت بين حظر أجزاء من اللعبة مثل الأردن والإمارات والكويت والسعودية أو الحظر الكامل مثل عمان وقطر.
وانطلقت منصة "روبلوكس" عام 2004، وهي بيئة ألعاب إلكترونية تفاعلية مجانية تتيح للمستخدمين تصميم عوالم افتراضية خاصة بهم، وخوض مغامرات جماعية، والتواصل مع لاعبين حول العالم، وقد بلغ عدد مستخدميها حول العالم نحو 82 مليون مستخدم يومياً، أكثر من نصفهم دون سن 18 عاماً.
وفي أيار (مايو) الماضي، كشفت صحيفة "الغارديان" وشركة الأبحاث المتخصصة في السلوك الرقمي ريفيلينج ريالتي عبر تقرير مشترك عن مخاطر حقيقية يتعرض لها الأطفال على منصة الألعاب الشهيرة "روبلوكس" رغم أن ظاهرها الصديق للأطفال وإجراءات الأمان التي تعلن عنها الشركة.
وكشف التقرير أن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات تمكنوا من التواصل مع بالغين على المنصة دون تحقق فعال من العمر، كما تمكنت حسابات مسجلة لطفلة في العاشرة من دخول بيئات افتراضية ذات إيحاءات جنسية صريحة.
كما بيّن البحث أن بعض المستخدمين البالغين استطاعوا طلب تفاصيل اتصال خاصة، مثل حسابات "سناب شات"، من أطفال في الخامسة باستخدام لغة مشفرة، في تحايل واضح على مرشحات الدردشة والمراقبة المدمجة في اللعبة.
وجاءت هذه النتائج بعد أن أطلقت روبلوكس أدوات جديدة لمنح الآباء مزيداً من التحكم في حسابات أطفالهم، لكن البعض وصف هذه الضوابط بـ"محدودة الفعالية" وأن المخاطر ما تزال كبيرة.
من جانبها، أقرت الشركة آن ذاك بوجود "جهات فاعلة سيئة" على المنصة وأن التحقق من أعمار المستخدمين دون 13 عاماً يمثل تحدياً على مستوى الصناعة، لكنها شددت على أن "الثقة والسلامة" في صميم عملها.
الإيجابيات والمخاطر
وفقا لتقارير عالمية تتميز "روبلوكس" بدمج عناصر البرمجة التعليمية والأدوات الإبداعية في التصميم، ما يجعلها بيئة جذابة للأطفال والمراهقين، لكنها تواجه انتقادات بسبب نظامها المفتوح الذي قد يسمح بنشر محتوى غير مناسب والتواصل مع الغرباء، إضافة إلى مخاطر الإدمان الرقمي وتأثيره على التحصيل الدراسي وعمليات الشراء غير المراقبة عبر العملة الافتراضية "روبوكس".
مخاطر الألعاب الإلكترونية
وقال الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي "صناعة الألعاب الإلكترونية هي صناعة نامية ينتظرها الكثير من النمو مستقبلا، كما أن استخدامها وخصوصا من قبل شريحة الشباب والأطفال هو في نمو كبير لان هذه الشريحة من المجتمعات هي الأكبر والأقرب من التقنيات التي تقدم الكثير من الفوائد من أهمها الترفيه والتعليم وتشجيع الإبداع والابتكار.
ورغم فوائد صناعة الألعاب الإلكترونية إلا أن ممارستها ينطوي على مجموعة من المخاطر العامة بحسب الصفدي الذي بين أن أول هذه المخاطر يتمثل في (الإدمان) إذ يمكن أن يؤدي قضاء ساعات طويلة في اللعب إلى الإدمان، مما يؤثر سلباً على الأداء الدراسي، والعلاقات الاجتماعية، والصحة الجسدية والنفسية، فضلا عن مخاطر تتعلق بالمحتوى العنيف وغير اللائق فبعض الألعاب تحتوي على مشاهد عنف مفرط أو ألفاظ بذيئة، مما قد يؤثر على سلوكيات الأطفال ويجعلهم أكثر عدوانية.
ولفت إلى تأثيرات الألعاب على الصحة الجسدية مبينا أن الجلوس المطول أمام الشاشات يسبب مشاكل صحية مثل السمنة، ضعف البصر، وآلام في الظهر والعنق.
مخاطر لعبة روبلكس
وعن مخاطر لعبة " روبلكس" على وجه الخصوص أوضح الصفدي أن مخاطرها تزيد وتتجاوز الألعاب التقليدية كونها منصة تعتمد على المحتوى الذي يصنعه المستخدمون، إلى جانب احتوائها على محتوى غير الخاضع للرقابة فبعض الألعاب التي ينشئها المستخدمون قد لا تخضع لرقابة كافية، مما يتيح ظهور محتوى غير مناسب بسهولة لللاعبين.
ولفت إلى مخاطر تتمثل في التواصل مع الغرباء حيث تتيح ميزة الدردشة للأطفال التواصل مع أشخاص مجهولين، مما قد يعرضهم للتنمر، التحرش، أو حتى الاستغلال، علاوة على مخاطر الإنفاق المالي لان اللعبة تشجع على شراء عملة "روبوكس" الافتراضية، ما قد يؤدي إلى قيام الأطفال بعمليات شراء مكلفة دون وعي الأهل قد تمتد لتحويل الأموال على الغير أو حتى بداعي الابتزاز.
دور الأهل والمستخدمين
وإلى جانب الإجراءات الحكومية، يقع على عاتق الأهل والمستخدمين دور كبير في الحماية بحسب الصفدي، الذي استعرض عددا من الخطوات فيها ومنها استخدام أدوات الرقابة الأبوية: فعل رمز الحماية الشخصي الأبوي "بن" في إعدادات لعبة روبلوكس، وضبط إعدادات الخصوصية لتحديد من يمكنه التواصل مع أولاده
وأكد أهمية تحديد وقت اللعب من خلال وضع جدول زمني يحدد ساعات اللعب اليومية أو الأسبوعية لتجنب الإفراط في الاستخدام والإدمان، مع حوار والتوعية والتحدث مع الأولاد بصراحة حول مخاطر الإنترنت، وعلمهم كيفية التصرف عند مواجهة محتوى غير لائق أو طلبات غريبة.
وأشار إلى خطوة مهمة تتعلق بمراقبة الإنفاق عبر القيام بربط الحسابات المصرفية بحسابات الأهل واستخدام بطاقات مدفوعة مسبقا محددة السقف للتحكم في المشتريات داخل اللعبة او خارجها حتى لا يتم استغلالهم من قبل أشخاص مجهولين أو حتى الأصدقاء الوصوليين.
التصنيف العمري للمستخدمين
ومن جانبه أكد الخبير في صناعة الألعاب الإلكترونية نور خريس أن قرارات تشديد الرقابة أو الحظر على لعبة إلكترونية مثل " روبلكس" في عدد من الدول ومنها الأردن " يسلّط الضوء على أهمية التركيز على التصنيف العمري وضرورة تحقيق توازن واعٍ بين الأمان الرقمي والفوائد التعليمية المحتملة".
وأوضح أن بعض الجهات التنظيمية في عدد من الدول اتخذت هذا القرار بسبب مخاوف تتعلق بتعرّض الأطفال لمحتوى غير ملائم أو لتفاعلات وسلوكيات سلبية، مثل التنمّر أو التصرفات غير اللائقة.
الألعاب الإلكترونية تعزز الإبداع
بيد أن خريس ، وهو المؤسس لشركة " ميس الورد" لألعاب الموبايل، يرى أنه من الضروري ألا نتجاهل الفوائد الكبيرة للألعاب الإلكترونية؛ فهي توفّر منصات تعزّز الإبداع، وتنمّي مهارات حل المشكلات، وتشجّع على التعاون والتفكير النقدي لدى الأطفال، بشرط استخدامها بطريقة مسؤولة.
وقال: " هنا يبرز دور الأهل في متابعة التصنيف العمري والمشاركة الفعّالة في توجيه أبنائهم لضمان تجربة لعب آمنة وبنّاءة".
وأضاف خريس : " يحرص مطوّرو الألعاب باستمرار على تعزيز الوعي بالعناصر التي قد تشكّل ضررًا على اللاعبين، ويقومون بذلك من خلال وضع تصنيفات عمرية واضحة، وإضافة رسائل تحذيرية، وتوفير ميزات سلامة متعددة. تهدف هذه الجهود إلى مساعدة اللاعبين وأولياء الأمور في اتخاذ قرارات واعية ومدروسة قبل التفاعل مع اللعبة".
متعة وترفيه لا تخلو من التحديات
وقال الخبير في مضمار الأعمال الإلكترونية أ.د.أحمد غندور إن الألعاب كانت عبر العصور وسيلة للتسلية والتعلم معا، فمن اللعب التقليدي في الساحات والبيوت إلى الألعاب التعليمية التي تنمي الخيال والتفكير.
ومع دخول عصر الرقمنة، أصبحت هذه الألعاب إلكترونية، تجمع بين المتعة والفائدة، لكنها في الوقت نفسه تحمل تحديات ومخاطر جديدة.
ولفت إلى أن ألعابا مثل "ماينكرافت" و"روبلوكس" تمنح الأطفال فرصا للإبداع والتصميم، وتساعد على تنمية مهارات حل المشكلات والتعاون، كما يمكن أن تقدم محتوى تعليميا في مجالات الرياضيات واللغة والبرمجة.
لكن غندور يرى أن الوجه الآخر لهذه الألعاب مقلق، فالإدمان على اللعب لفترات طويلة يؤثر على صحة الأطفال ودراستهم، والمشتريات داخل الألعاب قد تعرضهم للاحتيال والإنفاق غير الواعي.
محتوى عنيف
بين غندور أن بعض الألعاب تتضمن محتوى عنيفا أو غير مناسب، بينما يفتح التواصل مع الغرباء عبر المحادثات الإلكترونية الباب أمام التنمر والاستغلال، كما أن الإفراط في الانغماس يضعف الروابط الأسرية والاجتماعية.
وأضاف غندور "بسبب هذه المخاطر، اتخذت دول عربية عديدة ومنها الأردن إجراءات ضد لعبة منها فرض الحظر الكامل، أو إيقاف ميزة المحادثة فيما نشطت دول في تشجيع مؤسسات مجتمعية وأمنية إلى توعية الأسر بأهمية متابعة نشاط أبنائهم داخلها".
وأوضح أن هذه التدابير العربية تضاف إلى ما قامت به دول أخرى حول العالم مثل كوريا الجنوبية وبعض الدول الأوروبية التي شددت الرقابة على الألعاب الموجهة للأطفال أو اعتبرت بعض ممارساتها المالية أقرب إلى المقامرة.
الحظر وحده غير كاف
ورغم هذه الإجراءات، يبقى الوصول إلى اللعبة ممكنًا باستخدام تطبيقات تجاوز الحظر " الفي بي ان" وبالتبعية قال غندور : " إن الحظر أو التقييد غير كافٍ".
الحل الأكثر فاعلية هو الدمج بين التشريعات والرقابة الأسرية والتعليم، ومن بين الحلول الجوهرية محو الأمية الرقمية، بحيث يصبح لدى الأطفال والأسر وعي وقدرة على مواجهة مخاطر الألعاب الإلكترونية والتعامل معها بذكاء.
بهذا النهج يمكن تحويل الألعاب الإلكترونية إلى أداة تعليمية آمنة بدلاً من أن تكون مصدر تهديد لسلوك الأطفال وقيمهم.
مخاطر سيبرانية واقتصادية
وإلى جانب المخاطر سابقة الذكر للألعاب الرقمية، أكد الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي رامي الدماطي أن هذه الألعاب تشكل بيئة خصبة للمخاطر السيبرانية، خصوصًا مع شريحة الأطفال، حيث قد يتعرضون لاختراق الحسابات وسرقة بياناتهم الشخصية أو المالية، او لمحاولات خداع عبر الهندسة الاجتماعية مثل الروابط المزيفة والوعود بجوائز مجانية.
وقال الدماطي "تحميل الألعاب أو الإضافات من مصادر غير رسمية قد يؤدي إلى إصابة الأجهزة ببرمجيات خبيثة، إضافة إلى مخاطر التنمّر والتحرش الإلكتروني داخل غرف الدردشة أو أثناء اللعب الجماعي، وما يرافقها من تأثيرات نفسية سلبية".
وأشار إلى أن المشتريات داخل الألعاب تمثل أيضا تهديدًا إذا لم تكن مؤمنة، حيث قد يتم استغلال بيانات الدفع أو قيام الأطفال بعمليات شراء غير مراقبة.
وقال الدماطي "كل ذلك يتطلب مواجهة هذه المخاطر، حيث يجب على الأهل استخدام أدوات الرقابة الأبوية، وتوعية أبنائهم بعدم مشاركة المعلومات الحساسة، والاكتفاء بتنزيل الألعاب من المتاجر الرسمية، إلى جانب تفعيل المصادقة الثنائية لحماية الحسابات، والمتابعة الدائمة للمحتوى والأنشطة الرقمية التي يشارك فيها الأطفال".
نصائح لمواجهة المخاطر
ولمواجهة المخاطر والتقليل من آثارها السلبية قدم الدماطي للناس مجموعة من النصائح من أهمها تحديد أوقات اللعب ، لافتا إلى أهمية مراقبة المحتوى من خلال قراءة تقييمات التطبيق والتأكد أن اللعبة مناسبة لعمر الطفل من جهة المحتوى (العنف، اللغة، التفاعل مع الآخرين).
وأشار الدماطي إلى أهمية تشجيع الشباب والأطفال على النشاط البدني والأنشطة الاجتماعي، وضبط بيئة النوم ، مبينا أهمية التوعية بالخصوصية والأمان الرقمي عبر تعليم الطفل بأنه لا يجب مشاركة معلومات شخصية، استخدام إعدادات الأمان، مراقبة الأصدقاء الذين يلعب معهم.
ويرى الدماطي انه من المهم أيضا الانتباه ومراقبة علامات الإنذار إذا لاحظ الأهل أن الأداء الدراسي للطفل يسوء، أو أي ملاحظات تتعلق بالمزاج المتقلب، وان الطفل يفضّل اللعب دائمًا على كل شيء آخر، فهنا عليهم التدخّل وتقليل الوقت أو استشارة مختص.