الغد
لطالما كان تصنيف الأسواق المالية من أبرز محددات حركة رؤوس الأموال العالمية. فمجرد انتقال دولة إلى «سوق ناشئة» ليس تغييرا في التسمية بل يعني فتح الأبواب أمام مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية، نظرًا لارتباط آلاف الصناديق الاستثمارية بمؤشرات MSCI التي تعتبر المرجع الأول في قراراتها، فمن ليس على رادارها قفزت عنه ومن دخل المجال فاز بختم ثقة المجتمع الاستثماري العالمي.
الطريق ليس مفروشاً بالورود، فرغم أن لدينا استقرارا في الإطار التشريعي والمؤسسي ونجاحا في مستوى التطور الاقتصادي والانفتاح على الملكية الأجنبية، إلا أن الشروط في لغة الأرقام ازدادت تشدداً في 2025. هناك شركات وبنوك وطنية كبرى تتجاوز قيمتها السوقية المليارات لكن لا تتوفر 3 شركات قيمتها السوقية للواحدة حوالي 3 مليارات دولار.
كما أن الأسهم الحرة (free float) أي المتاحة للأجانب للشركة الواحدة يجب أن تكون 1.5 مليار دولار، والسيولة معدلها (ATVR) لا يقل عن 15 %. في حين أن السوق الأردني يفتقر لهذه الشركات، وما يزال يسجل معدلات سيولة لا تتجاوز 9 % في أحسن الأحوال، وهو ما يعني أن حجم التداول لا يتناسب مع حجم الأسهم الحرة السائلة المطلوبة.
رغم التحديات الفرصُ موجودةٌ، والأردن يعمل على تعزيز البنية التحتية المالية والتشريعية ويشجع إدراج شركات جديدة تقفز بحجم الأسهم الحرة، ومتحمس لرؤية التحديث الاقتصادي حيث سوق رأس المال جزء أصيل منها. وهنا تبرز الحاجة إلى خطوات جريئة تكون برفع عدد الشركات المؤهلة، ربما بطرح شركات ناجحة من المحفظة الحكومية بما يزيد من عمق السوق، والتوسع في الطروحات الأولية (IPO) للشركات القائمة عبر خصخصة منضبطة ومدروسة، تضمن توسيع قاعدة الملكية، ورفع حجم الأسهم الحرة المتاحة لكن بأسعار تحقق العوائد العادلة للخزينة.
أنا واثق أن خطوات كهذه إن بدأت ستشجع القطاع الخاص على السير على ذات الخطى نحو الإدراج، حيث حرص كبار الملاك في الشركات العائلية والخاصة على تنمية ثرواتهم والتوسع في الملكية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال سوق مالي نشط جاذب للاستثمار الأجنبي المؤسسي.
إن الانضمام إلى نادي الأسواق الناشئة ليس ترفًا اقتصاديًا، بل هو ضرورة لتعزيز الثقة وجذب الاستثمارات النوعية وتخفيف البطالة، والأهم القفز بمعدلات النمو التي نمت بشكل يبعث على الارتياح بعد أن أعلن عن تحقيق 2.8 % رغم التحديات، وهو رسالة للعالم بأن الاقتصاد الأردني يسير في اتجاه الإصلاح والانفتاح والاستدامة.