الغد
مفهوم البيع في المعاملات المالية والمصرفية الإسلامية، يخضع إلى شروط وضوابط من أهمها، وجود اقتصاد حقيقي، تترجمه أدوات التمويل الإسلامية كافة، المضاربة، المشاركة، المرابحة، وعقود مختلفة قوامها الاقتصاد الحقيقي الذي يرتبط بالنمط والسلوك الاقتصادي البعيد كليا عن الاقتصاد الافتراضي، وما عانى منه الاقتصاد العالمي من الويلات والأزمات المتتالية وكانت آخرها الأزمة الاقتصادية والمالية منذ العام 2008، ولا يزال العالم يرزح تحت وطأتها لليوم، فالفلسفة المالية الإسلامية ترتكز على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، بمعنى أن جميع الأطراف المساهمة في العملية الاستثمارية سواء صاحب رأس المال أو المشارك بعنصر العمل، يتشاركان في نتيجة العملية الاستثمارية في نهاية المطاف سواء أكانت النتيجة ربحا أم خسارة، وهنا يقدم لنا الإسلام نموذجاً أخلاقيا في توظيف إمكانات المجتمع وطاقاته لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ضوابط هذه العمليات المالية، تقودنا كذلك إلى مفهوم آخر في السلوك المالي المصرفي، خاصة ضوابط البيع، ويعرف بـ"التوًرق"، الذي كثر فيه الجدل الفقهي حول مشروعيته أو الضرورة للجوء إليه في المصارف الإسلامية، وعلى العموم هو نوع من أنواع التمويل الغرض منه، إما سداد دين يرغب العميل في الحصول على التمويل من أجل سداده أو لغرض تمويل حاجات استهلاكية أو استثمارية، "فالتّورّق" المقصود نوعان: النوع الأول: الذي ينسجم مع العبارة، "لا تبع ما ليس عندك"، ويعرف "بالتّورّق الحقيقي" الذي أجازه فريق من الفقهاء ويتمثل في شراء شخص لسلعة من البائع شرط أن تكون ملكه وفي حوزته بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري لشخص آخر نقداً لغرض الحصول على المال وهنا، العملية مشروطة بعدم بيعها إلى البائع الأول، أما النوع الثاني الذي ينسجم مع معنى النهي الذي يفهم من سياق الجملة السابقة موضوع حديثنا، فهو "التورق المنظم"، ويتم بأشكال عدة، لا تختلف في جوهرها في نهاية المطاف وهي على النحو الآتي:
- المرابحة بصيغة الأمر بالشراء: حسب هذا الشكل من التورق، يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة مع الوعد بشرائها منه على أساس المرابحة، وبعد حصول المصرف على السلعة المتفق عليه مع العميل وتملكه لها بالكامل، تتم عملية البيع إلى العميل "بالأجل"، معلنا له السعر الحقيقي للسلعة مضافا إليه الربح، وبعد ذلك يقوم العميل بتوكيل المصرف ببيعها إلى طرف ثالث ويرصد الثمن الجديد، في حساب العميل.
- الشراء المسبق للسلعة والبيع بالمرابحة: المصرف هنا، يقوم بشراء عدد من وحدات سلعة معينة مسبقاً ويتملكها في مخزونه بشكل مؤكد، ثم يقوم ببيع وحدات أو أجزاء صغيرة من هذه السلعة إلى عملائه على أساس المرابحة بثمن مؤجل متمثلاً بالسعر الحقيقي المعلن من المصرف مضافا إليه الربح، بعد ذلك يقوم العميل بالطلب من المصرف بيع السلعة ويوكله في ذلك، ويرصد الثمن الذي تم الحصول عليه في حساب العميل.
- بيع المساومة: وفي هذا النوع من البيوع، لا يعلن المصرف السعر الحقيقي للسلعة وإنما يعلن سعرا يحدده هو يتضمن الربح الذي يرغب المصرف في الحصول عليه ويخضع للمساومة من قبل العميل، وبعد إتمام عملية الشراء، يقوم العميل بتوكيل المصرف ببيع السلعة ورصد الثمن في حسابه.
ففي جميع الحالات السابقة، تبقى العلاقة محصورة بين العميل والمصرف وهذا ما يسمى "بالتورق المنظم" وهو غير جائز حسب الشريعة الاسلامية، إذ نحن بحاجة إلى معالجة حقيقية لكل أشكال التمويل القائم على: "البيع بما لا نملك" والالتزام بالمقولة "لا تبع ما ليس عندك"، حتى لا نسمح للمتطفلين على الصناعة المصرفية الإسلامية، بتشويه صورتها الحقيقية وكي تخطو مصارفنا بثقة أكبر إلى الأمام.