أقساط المدارس الخاصة.. حمل مؤجل يزداد ثقلا كل عام
الغد- رهام زيدان
على بعد أقل من شهر يبدأ الموسم الدراسي الجديد ليضيف أعباء مالية “غير مرحب بها” بالنسبة لكثير من الأسر الأردنية، فتتحول العودة إلى المدارس الخاصة من محطة تربوية وتعليمية إلى “تحد اقتصادي ثقيل”.
وبمجرد استحضار الحديث أو التفكير بأقساط المدارس الخاصة، تجد كثيرا من الأسر الأردنية نفسها محاصرة، فمن أمامها دفعات مالية ملزمة بها لإدارات المدارس ومن خلفها فواتير وأقساط وقروض والتزامات أسرية اجتماعية، لا نهاية لها.
ويقول أحمد عادل وهو أب لطفلتين “إن التحضيرات بدأت منذ أسابيع، حيث نستعد للتسجيل في المدارس وننتظر صرف الرواتب لتسديد المستحقات”. ويضيف الوضع بات أكثر صعوبة في ظل ارتفاع رسوم المدارس الخاصة التي تلتهم ما يقارب 40 % من دخلي الأمر الذي يدفعني للاعتماد على البطاقة الائتمانية، لتسديد الأقساط في وقت أنهكتنا فيه الالتزامات”. ويبين أن هذه النفقات المتزايدة تجعل موسم العودة إلى المدارس، تحديا سنويا مرهقا يفوق القدرة على الاحتمال.
وتتفاوت أقساط المدارس الخاصة في الأردن بشكل لافت، إذ تبدأ من 500 دينار للصفوف الأولى خلال السنة الواحدة (عدا المواصلات) في بعض المدارس التي تعتبر أقل كلفة، فيما تصل كلف أقساط بعض المدارس التي تعتبر أكثر كلفة إلى ألفي دينار للصفوف الأولى، فيما تتخطى الكلف في بعض المدارس 4 آلاف دينار للصفوف الأولى (عدا المواصلات).
وكذلك تصل كلف الاقساط للصفوف العليا بما فيها التوجيهي في بعض المدارس الخاصة، إلى 8 آلاف دينار في السنة الواحدة، علما أن هناك بعض المدارس المحدودة تصل فيها كلفة الدراسة للصفوف العليا إلى أكثر من 15 ألف دينار (عدا رسوم التسجيل والمواصلات).
وتشير الأرقام إلى أن عدد طلاب المدارس الخاصة في الأردن بلغ زهاء 584 ألف طالب وطالبة، مقابل 1.6 مليون طالب في المدارس الحكومية للموسم الدراسي للعام 2023-2024 الصادر عن وزارة التربية والتعليم.
لكن في المقابل، يبلغ عدد المدارس الخاصة في المملكة 3354 مدرسة إلى جانب 4083 مدرسة حكومية موزعة على مختلف المناطق تقدم التعليم مجانا.
وتقول نسرين خالد، وهي أم لثلاثة طلاب “إن التحضيرات للمدارس هذا العام تأتي بعد صيف أنهك ميزانيتنا، بين مصاريف العيد وحفلات التخرج والزفاف، والآن نجد أنفسنا أمام مصاريف لا يمكن تأجيلها، مثل الكتب والزي المدرسي”. وتصف افتتاح العام الدراسي بأنه موسم يفرض التزامات لا مفر منها، في وقت تضغط فيه الالتزامات المتتالية على دخل الأسرة، لتجعل من رسوم المدارس الخاصة واللوازم المرتبطة بها عبئا مضاعفا.
يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن عودة الطلبة إلى المدارس يثير في كل عام تساؤلات حول كيفية تعامل الأسر مع أعباء مالية تأتي مباشرة بعد موسم صيفي حافل بالمصاريف، ما يجعل رسوم المدارس الخاصة والتكاليف المرتبطة بها تحديا إضافيا يثقل كاهل الأسر.
تكاليف التعليم وفجوة الدخل
ويبين عايش، أن التكاليف لا تقتصر على رسوم المدارس الخاصة، بل تمتد لتشمل القرطاسية والحقائب والأحذية والكتب الإضافية والدروس الخصوصية والمواصلات، إضافة إلى الأجهزة والتقنيات الرقمية والاشتراكات المرتبطة بها، ما يجعل العودة إلى المدارس موسما مرتفع الكلفة يتجاوز قدرات كثير من الأسر ذات الدخل المحدود أو المنخفض.
ويرى أن على الأهالي والحكومة معا، أن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار، عبر اعتماد التخطيط المالي المسبق والتمييز بين الضروري والكمالي، والاستفادة من حملات مجتمعية لتبادل أو إعادة تدوير المستلزمات المدرسية، إلى جانب إتاحة أنظمة الأقساط أو تكاليف التعليم.
كما يقترح عايش إنشاء صناعات تعنى بإعادة تدوير الأدوات والزي المدرسي أو إطلاق مبادرات رقمية لتبادل الكتب والمستلزمات، بما يخفف من الأعباء.
ويشار إلى أن الحد الأدنى للأجور في الأردن يبلغ 290 دينارا، فيما يصل معدل الرواتب إلى 544 دينارا وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة، ويرتفع إلى نحو 677 دينارا بحسب مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهي أرقام تكفي بالكاد لتغطية النفقات الاعتيادية، لكنها لا تستوعب نفقات إضافية كرسوم المدارس الخاصة، ما يضطر الأسر إلى الاستدانة أو تقليص إنفاقها على احتياجات أساسية أو اللجوء إلى أشكال تكيف سلبية، بحسب عايش.
ويشدد عايش على أن المشكلة أعمق من مجرد نصائح اقتصادية، إذ ترتبط بضعف الحماية الاجتماعية، وارتفاع كلفة التعليم حتى في المدارس الحكومية التي تفرض رسوما وإن كانت رمزية.
ويرى أن الحل يتطلب تدخلا حكوميا مباشرا عبر دعم القرطاسية وتخفيض الرسوم وتوسيع الإعفاءات الممكنة، إلى جانب شراكات مجتمعية مستدامة تجعل التعليم أقل اعتمادا على الدروس الخصوصية والرسوم المرتفعة.
ويقول عايش “الهدف هو أن تكون العودة إلى المدارس مناسبة إيجابية تترك آثارا نافعة على المجتمع والاقتصاد، لا أن تتحول إلى عبء يثقل كاهل الأسر والطلاب، خصوصا مع تضخم رسوم المدارس الخاصة وتأثيرها المباشر على دخل الأسرة الأردنية”.