الراي
يصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا يقضي برفع رسوم تأشيرات العمل المعروفة بـ H- 1B إلى مائة ألف دولار أمريكي سنويًا، بما يعني خروج بلاده من المنافسة القائمة على استقطاب الكفاءات من حول العالم، وإلحاق ضرر كبير بالشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة وهي التي تعتمد على استقدام العقول المتميزة من بلدان مثل الهند وباكستان.
تدور فكرة ترامب الأساسية حول توفير فرص العمل للمواطنين الأمريكيين، والإشكالية الأساسية التي يتجاهلها هو أنه لو توفر الزخم الكافي من المؤهلين لشغل هذه الوظائف لشغلتهم الشركات الأمريكية لأنهم في النهاية أقل تكلفة من استقدام عاملين من بلدان أخرى، ولكن الواقع أنه لا تكاد توجد دولة منفردة في العالم تمتلك المؤونة الكافية من العاملين في مجال التكنولوجيا سوى الصين، ولذلك تحدث رئيس شركة أبل سابقًا عن ضرورة الإنتاج في الصين ليس لأنها الأقل تكلفة، فهذه الفرضية أصبحت جزءًا من الماضي، ولكن ببساطة، أين يمكن أن تتحصل شركة مثل أبل على عشرات آلاف المهندسين والفنيين في أماكن متقاربة؟
يقوم سلوك الرئيس الأمريكي على التطلع إلى الأهداف المباشرة وقصيرة المدى، حيث يمكن أنه يزيد فرص توظيف المواطنين الأمريكيين، ولكن في النهاية لن يحقق وفرًا على مستوى السلع المنتجة في بلاده، وهو الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه من خلال الحماية الجمركية، وبجانب ذلك، يضع الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا أمام خيارين، الاستمرار في التوظيف من الخارج بما يرفع تكلفتها ويزيد من أسعار المنتجات الأمريكية ويسبب تراجع تنافسيتها، أو الخروج من السوق الأمريكي للاستقرار في أسواق الهند وباكستان، أو دول أخرى تتعامل بصورة أفضل نسبيًا مع العمالة الخارجية.
القرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي تلحق أثرًا واسعًا وعميقًا بالاقتصاد الأمريكي وتسترضي النزعة الشعبوية، ولكنها في الوقت نفسه تخرج أمريكا من التنافسية الاقتصادية في المدى البعيد، فهل يسعى لأن يجعل أمريكا ذلك البلد الذي لا يرى في العالم وفي كل وأي شيء سوى مصالحه، وهل يمكن لترامب الذي استغل فجوة القيادة في الأحزاب الأمريكية أن يجعل أمريكا نسخة منه، وهل يتحمل العالم تكلفة هذه النسخة من أمريكا، وماذا على دول العالم ومحاوره أن تفعل مع سيناريوهات الالتهام الذاتي التي يؤسسها ترامب؟