الغد-عبدالرحمن الخوالدة
بينما بات العالم مشغولا كل بنفسه في مواجهة التقلبات والمخاطر لسياسية والاقتصادية في ظل تبدل التحالفات ومراكز القوى، يؤكد خبراء ضرورة تغيير نهج استقطاب المساعدات الدولية لمجاراة المرحلة المقبلة مع تزايد احتمالات جفاف منابع التمويل.
ويشدد الخبراء على ضرورة إرساء آليات مبتكرة لاستقطاب المنح في مقدمتها الاستفادة من قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال تدشين مشاريع مشتركة كبرى مع شركات أجنبية تمتلك القدرة على الوصول إلى التمويل الدولي كما يبرز التعاون مع الدول الصديقة لتشجيع شركاتها الكبرى على الاستثمار في السوق الأردنية، إضافة إلى توجيه الاستثمارات من داخل تلك الدول إلى المملكة.
ويشير الخبراء إلى أهمية تعزيز الترويج للفرص الاقتصادية والعوائد المتوقعة في حال توفير المنح التمويلية، مع التأكيد على ضرورة تنويع العلاقات الاقتصادية للأردن لتشمل دولا جديدة خارج الشركاء التقليديين، إضافة إلى الاستفادة من صناديق التمويل الأخضر.
وحذر هؤلاء من أن أطر التمويل الدولية تتجه حاليا نحو أساليب مغايرة لما كانت عليه في العقود السابقة، ما يقلل من إمكانية استمرار المساعدات الخارجية بالوتيرة نفسها ويستدعي من الآن التخطيط لوضع تصور واضح على المدى المتوسط للأعتماد التام على الذات.
المعطيات الإحصائية للمساعدات والمنح في الأردن
بحسب آخر تحديث رسمي للبيانات المساعدات الخارجية، بلغت قيمة المساعدات الخارجية من المنح والقروض الميسرة الملتزم بها للأردن والموقعة خلال أول سبعة أشهر من العام الحالي نحو 1.463 مليار دينار مرتفعة 5 % من مستوى 1.396 مليار دينار في نفس الفترة من العام الماضي.
غير أن اللافت أن الحكومة لم تصدر أرقاما حول قيمة المساعدت منذ أكثر من عام وتحديدا منذ نهاية تموز(يوليو) الماضي رغم أنه من المفترض أن تكون الأرقام قد صدرت حتى منتصف العام الحالي.
ووفقا للبيانات، وصلت قيمة المنح الاعتيادية من إجمالي قيمة المساعدات آنذاك، ما يقارب 413.77 مليون دينار، إذ تم تخصيص ما قيمته ما يقارب 62.21 مليون دينار من إجمالي هذه المنح الاعتيادية لدعم الموازنة العامة. فيما خصص ما قيمته 351.56 مليون دينار من هذه المنح لدعم المشاريع التنموية في قطاعات المياه والصرف الصحي والتنمية الاقتصادية والتعليم والصحة، إضافة إلى قطاعات تحديث القطاع العام وغيرها.
في المقابل، بلغ حجم القروض الميسرة من إجمالي قيمة هذه المساعدات، فقد بلغت قيمتها 957.56 مليون دينار بحسب التقرير، إذ خصص ما قيمته 905.63 مليون دينار من إجمالي هذه القروض لدعم الموازنة العامة، بينما خصص ما قيمته ما يقارب 52 مليون دينار لدعم المشاريع التنموية المختلفة.
ويشار إلى أن تحليل سابق خاص بـ"الغد" نشر في عام 2023 كشف أن إجمالي قيمة المساعدات التي حصل عليها الأردن خلال الأعوام التسعة الممتدة (2013 - 2021) ما مقداره 30.42 مليار دولار مقارنة مع 9.96 مليار في الأعوام (2004-2012).
وتشمل هذه المساعدات (المنح والقروض الميسرة ) الملتزم بها وتم توقيعها من خلال وزارة التخطيط والتعاون الدولي خلال الأعوام (2013-2021) و (2004-2012) وفقا لبيانات تقارير المساعدات الخارجية المنشورة على الموقع الإلكتروني للوزارة.
وفي التفاصيل، شكلت المنح التي تم الحصول عليها- في الأعوام التسعة- ما نسبته 39.3 % من مجموع هذه المساعدات بمقدار 11.79 مليار دولار بينما شكلت القروض الميسرة ما نسبته 38.8 % بمقدار 11.66 مليار وشكلت قيمة المساعدات الإضافية المخصصة لدعم خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية والتي تم إدراجها لأول مرة ضمن حزمة المساعدات الخارجية عام 2016 ما يقارب 6.97 مليار دولار.
التمويل المبتكر
وقال وزير التخطيط السابق وسام الربضي إن "تسارع التحولات على الساحة الدولية وتراجع القدرة معها على التعويل طويل الأمد على المنح التقليدية، يدفعنا اليوم إلى ضرورة البحث عن آليات مبتكرة للتمويل تحافظ على زخم الدعم الخارجي ولكن بشكل أكثر استدامة وفعالية".
وشدد الربضي على أن المطلوب من صانعي القرار ليس فقط البحث عن منح جديدة، بل بناء منظومة تمويل مبتكرة تجعل كل دولار من المساعدة الدولية مضاعف الأثر، وتقلل تدريجياً من هشاشة الاقتصاد الأردني أمام تقلبات المانحين.
ولفت الربضي إلى أن هناك آليات مبتكرة عدة يمكن من خلالها استدامة الحصول على المنح والمساعدات رغم التحولات الحاصلة حاليا، ومن أهم هذه الآليات ما يعرف
بـالتمويل المبتكر أو "الـBlended Finance"، وهو أسلوب يجمع بين الأموال العامة (كالمساعدات والمنح) ورؤوس الأموال الخاصة، بحيث يتم استخدام المنح الميسرة لتقليل المخاطر أمام المستثمرين وتشجيع دخول التمويل الخاص في مشاريع تنموية كبرى.
وأوضح الربضي أن هذه المقاربة مطبقة اليوم في دول عديدة من إفريقيا وآسيا، إذ ساعدت على تعبئة مليارات الدولارات لمشاريع في الطاقة المتجددة، المياه، والبنية التحتية. وأوضح الربضي أنه يمكن الاستفادة من أدوات أخرى مثل الصناديق الوقفية التنموية، سندات التنمية المرتبطة بالأهداف(SDG Bonds)، أو سندات الشتات (Diaspora Bonds) التي تعبئ مدخرات الأردنيين في الخارج لدعم المشاريع الوطنية" هذه الأدوات لا تُلغي الحاجة إلى المساعدات الخارجية، لكنها تعيد تشكيلها لتصبح "رافعة" تحفّز استثمارات أكبر وأكثر استدامة".
قانون الشراكة بين القطاعين كأحد الحلول
من جانبه قال وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق يوسف منصور "حالة التوتر الجيوسياسي والمتغيرات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية، من شأنها أن تأثر سلبا على تراجع المنح والمساعدات المعتاد أن يحصل عليها الأردن من الدول الصديقة والشريكة".
ويرى منصور أن الحكومة مطالبة بالعمل على إرساء أدوات جديدة لاستقطاب المنح وفي مقدمتها توظيف قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، في تدشين مشاريع مشتركة كبرى مع الشركات الأجنبية القادرة على الوصول إلى التمويل الدولي والتعاون مع الدول الصديقة لحث الشركات الكبرى لديها في دخول السوق الأردنية، إضافة إلى أهمية التركيز على ملف المنح التنموية من خلال إبراز الفرص التنموية في القطاعات المختلفة أمام الشركاء والجهات المانحة.
ودعا منصور إلى أهمية الخروج من دائرة التقليدية في معالجة مشكلات الاقتصاد الوطني، بما في ذلك التعامل مع التحول إلى الاعتماد على الذات، إذ لم تنجح الحكومات المتعاقبة في الوصول بالاقتصاد الوطني إلى مرحلة الاعتمادية التامة على الذات.
تنويع العلاقات الاقتصادية
بدوره، أكد رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، وجود أدوات عدة يمكن من خلالها استعادة زخم المساعدات والمنح التي تحصل عليها الحكومة من الجهات الدولية المانحة أو على الأقل المحافظة على حجمها الحالي، في ظل المتغييرات والأزمات السياسية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على أولويات المنح لدى كثير من الدول في الأعوام الأخيرة.
وتتمثل هذه الأدوات بحسب عوض، بما يلي البحث مع الدول المانحة عادة للأردن، توجيه استثمارات أجنبية من داخلها إلى المملكة، إضافة إلى مضاعفة الجهود التوضيحية والترويجية للفرص الاقتصادية والعائد الممكن لها في حال ما تم توفير المنح التمويلية لها، إلى جانب أهمية الحرص على تنويع العلاقات الاقتصادية للأردن مع دول جديدة من خارج الشركاء التقليديين.
وحذر عوض من أن العالم يتجه نحو أطر تمويل دولية مغايرة لما كان عليه الحال في العقود السابقة، ما يجعل من الصعب استمرار المساعدات الخارجية بالوتيرة السابقة والاعتماد عليها.
وبين عوض أن الأردن بحاجة إلى وضع خريطة طريق اقتصادية متوسطة وطويلة المدى، تقوم على بدائل حقيقية لتقليص الاعتماد على المساعدات، عبر سياسات تشمل تقليل النفقات غير الضرورية، ومحاربة التهرب الضريبي، وتنظيم الأنشطة الاقتصادية، وهي أدوات يمكن أن تعوض تدريجيا عن تراجع المنح.
وشدد عوض على أن التحول نحو الاعتماد على الذات ليس سهلا في المرحلة الراهنة، لكنه خيار لا بد منه على المدى المتوسط والطويل.
طرق أبواب التمويل الأخضر
الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة، يرى أنه في ظل التراجع الملحوظ في زخم المساعدات والمنح الدولية للأردن، يمكن للقائمين على الاقتصاد الوطني الاستفادة من أدوات جديدة ومبتكرة لاستعادة هذا الزخم. كما تعتمد هذه الأدوات على الإصلاحات الهيكلية، والتنويع، والتركيز على القطاعات الإستراتيجية.
وبحسب المخامرة، من الأدوات الممكنة لتعزيز زخم المساعدات، تعزيز الإصلاحات الهيكلية لربطها بمساعدات مشروطة جديدة حيث يمكن ربط الإصلاحات في مجالات المالية العامة، إدارة الضرائب، سوق العمل، الطاقة، وبيئة الأعمال ببرامج مساعدات مشروطة، إلى جانب تنويع مصادر التمويل والشراكات الدولية من خلال التركيز على شركاء جدد أو غير تقليديين، سواء دول أو مؤسسات تمويلية كالصناديق المناخية مثل صندوق المناخ الأخضر.
ويضاف إلى ذلك الاستثمار في المشاريع الخضراء والمستدامة كأداة جذب تمويلات متخصصة من خلال تطوير مشاريع مثل مشروع تحلية المياه العقبة -عمان الذي يمكن أن يجذب منحا أميركية استثنائية رغم التراجع العام، أو تمويلات من الـبنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية، لزيادة سعة الطاقة المتجددة وتقليل المياه غير المفوترة بنسبة 2 % سنويا هذه الأداة الجديدة تركز على التمويلات المناخية، حيث يقدر صندوق النقد الدولي تكاليف تكيف الأردن مع التغيير المناخي بنسبة 0.9 % من الناتج المحلي الإجمالي، مما يفتح أبوابا للحصول على المزيد من المنح من الصناديق الدولية.
المساعدات كحاجة محورية
إلى ذلك أكد أستاذ الاقتصاد قاسم الحموري، أن المساعدات والمنح الخارجية أدت دورا محوريا في دعم الموازنة العامة والتخفيف من عجزها المزمن، إلى جانب تقليص الحاجة إلى مزيد من الاقتراض. لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن فرص الأردن في الحصول إلى هذه المساعدات تتراجع بشكل ملحوظ.