التكلفة الاقتصادية لكارثة فوكوشيكا*د. أيوب أبودية
الراي
بعد مرور نحو عقد ونصف على كارثة فوكوشيما النووية التي وقعت في مارس/آذار 2011، ما تزال اليابان تواجه أعباءً اقتصادية وبيئية ضخمة، في واحدة من أعقد عمليات المعالجة النووية في التاريخ الحديث. لقد كشفت هذه الكارثة عن هشاشة الطاقة النووية في مواجهة الكوارث الطبيعية، فضلا عن محدودية قدراتنا في التعامل مع مشكلاتها وكوارثها ونفاياتها، وطرحت تحديات بعيدة المدى لا تقتصر على الجانب البيئي، بل تمتد إلى الاقتصاد والمجتمع والسياسة.
من الناحية الاقتصادية، تكبدت اليابان نفقات هائلة منذ وقوع الانفجار في مفاعلات محطة فوكوشيما. فحتى نهاية عام 2021، بلغت المصاريف المباشرة نحو 12.1 تريليون ين، أي ما يعادل 82 مليار دولار تقريباً، تشمل التعويضات للسكان، وإجراءات إزالة التلوث، وبناء منشآت تخزين المواد الملوثة، كما جاء في مجلةThe Asahi Shimbun.
أما التقديرات الرسمية الأوسع التي صدرت عام 2016 فقد وضعت الكلفة الإجمالية في حدود 21.5 تريليون ين، أي نحو 141 مليار دولار، كما جاء في تقريرالجزيرة الخامس من اكتوبر 2023،غير أن مراكز الأبحاث الاقتصادية المستقلة قدّرت حجم الكارثة بأضعاف هذا الرقم، مشيرة إلى أن التكلفة الكلية قد تتراوح بين 35 و80 تريليون ين، أي ما يعادل 470 إلى 660 مليار دولار، وفقاً لسيناريوهات التعامل مع النفايات وفك المفاعلات كما جاء في التقرير الفني JCER 2019. وقد زرت المنطقة شخصيا عام 2015 رغم المخاطر الاشعاعية، وكانت النفايات الملوثة اشعاعيا، بما في ذلك التربة السطحية للمناطق المجاورة، قد جمعت باكياس بلاستيكية مقوية بالرصاص بارتفاع الجبال، ولم تعرف انذاك الحكومة كيف تتعامل معها.
أما على مستوى الزمن اللازم لإنهاء المعالجة، فقد أعلنت شركة "تيبكو" المشغلة للمحطة أن خطة التفكيك والتطهير ستستغرق ما بين 30 إلى 40 عاماً، على أن تكتمل بحلول عام 2051 تقريباً كما جاء في تقرير World Nuclear News,2023, إلا أن خبراء مستقلين يرون أن هذا الإطار الزمني قد يكون متفائلاً أكثر من اللازم، خاصة في ظل التأخر الملحوظ في بعض المراحل مثل استخراج الوقود المنصهر. وقد ذهب بعض المتخصصين إلى أن العملية قد تستمر أكثر من قرن كامل، نظراً للتعقيدات التكنولوجية ومستويات الإشعاع المرتفعة Associated Press News, January 10, 2023.
وفي الوقت الراهن، تسير العمليات بوتيرة بطيئة لكنها محكومة بالتجريب الحذر، إذ تمكنت الروبوتات مؤخراً من استخراج أجزاء صغيرة من الرواسب المنصهرة بحجم حبة الأرز تقريباً، في خطوة رمزية لكنها مهمة لإثبات إمكانية التعامل مع هذا النوع من التلوث. ومع أن الإنجاز محدود، فإنه يعكس ضخامة التحدي الذي يواجه اليابان على مدى أجيال كاملة.
إن الخلاصة الأساسية هي أن كارثة فوكوشيما لم تكن حادثة عابرة يمكن تجاوزها خلال سنوات قليلة، بل أزمة ممتدة تُقدَّر تكاليفها بمئات المليارات من الدولارات، وزمنها يمتد لعقود وربما لقرون. وهي بذلك تظل علامة فارقة في تاريخ الطاقة النووية، الى جانب كارثة تشرنوبل 1986, وقبلها كارثة مفاعل جزيرة الاميال الثلاثة في أميركا عام 1979، ودليلاً على أن الحصافة الاقتصادية والبيئية والسياسية تتطلب موازنة دقيقة بين المخاطر والمكاسب عند الاعتماد على هذا النوع من الطاقة.