الغد
ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن القطاع الزراعي، فعلى مدى عقود مضت كتبت الكثير من المقالات منحازا لهذا القطاع، ناقدا أحيانا ومتفائلا أحيانا أخرى، ومتمنيا في كل حين أن يحتل هذا القطاع مكانته التي يستحقها في صدارة القطاعات الإنتاجية. وأن يحظى بالاهتمام الذي يستحق على مستوى الدولة، وفي اهتمامات الحكومات المتعاقبة ليكون العامل الرئيسي من عوامل الأمن الغذائي، إضافة إلى ما يمكن أن يحققه من ميزات تنعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني بكل تفرعاته وبمجموعه العام. وبما يتعاطى مع القضايا الوطنية وعلى رأسها قضايا الفقر والبطالة وما يتبعها من إشكالات مجتمعية معقدة.
وفي كل ما كتبت تطرقت إلى الكثير من العقبات التي تواجه هذا القطاع، وفي مقدمتها تدني الدعم المالي وغياب التخطيط طويل الأمد، والتغييرات المتسارعة التي تطال بعض قيادات القطاع وفقا لرؤى سياسية قصيرة الأمد وغير مفهومة أحيانا، الأمر الذي ينتهي بفشل مشاريع ومخططات كان من الممكن أن تكون ناجحة فيما لو أخذت وقتها الكافي، وحصلت على الدعم والرعاية والتمويل ومتطلبات النجاح الأخرى.
المؤشرات الجديدة توحي بأن تلك العقبات قد تكون انتهت، وأن القطاع الذي دخل مرحلة التحول التزاما بالرؤية الملكية للتحديث الاقتصادي، حقق نتائج بارزة في مجال النمو الاقتصادي بشكل عام، وأخرى مبهرة على مستوى القطاع مقارنة بنتائج السنوات السابقة، ومخرجات القراءات التي تؤشر على المستقبل.
فقد كشفت أرقام الإنتاج عن أن القطاع الزراعي قاد ـ لأول مرة ـ عملية النمو للناتج المحلي الإجمالي، وتصدرت أرقامه مختلف العناصر الإيجابية للاقتصاد. وتحول من حالات النشاط الموسمي إلى حالة الديمومة، وإلى الأطر المؤسسية التي يمكن إدخالها ضمن النشاطات الاقتصادية العامة تخطيطا وقياسا وغيره.
فالأرقام التي كشفت عنها تقارير دائرة الاحصاءات العامة وأكدتها مصادر وزارة الزراعة تشير إلى أن نسبة النمو للقطاع الزراعي في عام 2024 بلغت 6.9 بالمائة، مقابل 5.8 بالمائة عام 2023 ، فيما قفزت الصادرات الزراعية إلى 426 مليون دينار بزيادة مقدارها 39 بالمائة، منها 14 بالمائة نموا كميا، ما يعكس تحسنا نوعيا في سلسلة الإنتاج والتسويق.
اللافت هنا، أن نسبة النمو التي تم تسجيلها ليست مجرد حالة عادية، وإنما عملية تطور جذرية طالت الأنماط الزراعية التقليدية، وأحدثت نقلة نوعية لها بصماتها على العملية على مديات طويلة بحكم تأثيراتها على البنية التحتية للقطاع الزراعي والامتداد الإيجابي لتلك التأثيرات على المدى المستقبلي، وبما يؤسس لاستمرار حالة النمو.
فقد أظهرت دراسة قامت بها دائرة الإحصاءات العامة أن القطاع الزراعي يؤثر على 23.5 % من النشاط الاقتصادي الكلي في المملكة، وأشارت أن هذه الأرقام تشكل سابقه لمساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي.
وأظهرت الدراسة أن 27 % من الإنتاج الزراعي موجه للتصدير وأن 52 % من مستلزمات إنتاج القطاع هي من الإنتاج المحلي وهذا يعني أن قطاع الزراعة لديه القدرة على تحمل أية صدمات خارجية، والاعتماد على ما لديه من مقومات داخلية.
بالطبع فقد غطت التقارير الإخبارية الكثير من المعلومات والأرقام المهمة، التي تكشف عن تميز القطاع، وما شهده من نقلة نوعية تركت بصمات بارزة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي الوطني، وكشفت عن القطاع ما يزال واعدا في العديد من المجالات، ما يدفعنا الى التأكيد مجددا ضرورة الاستمرار في ايلائه العناية المطلوبة والدعم اللازم لزيادة مساهمته في عناصر التحديث الاقتصادي والاجتماعي. وإلى حد كبير في التحديث السياسي الذي يستند الى مجمل عمليات التحديث التي تضمنتها الرؤى الملكية السامية.