أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    08-Jan-2023

صناعة الرفاهية*إسماعيل الشريف

 الدستور

قادني حظي المتعثر إلى متجر ألعاب غربي بامتياز في أحد مولات عمّان، أرادت ابنتي شراء لعبة، لم أصدق أن في الأردن متجر ألعاب بهذا الحجم بداخله كم كبير من الناس، ابتاعت ابنتي لعبة بسيطة بثلاثة وثلاثين دينارًا كنا نلعبها ونحن أطفال آنذاك، وكان سعرها لا يتجاوز الدينارين، وأضافت إلى لعبتها جربان بسبعة دنانير، شاهدت مثله على بسطات البلد الثلاثة بدينار.
قلت لزوجتي:»رزق الهبل على المجانين»، ابتسمت ببرود وردت: هكذا هي محلات الرفاهية في عَمان الغربية!
أطاح برنار آرنو بإيلون ماسك -صاحب تيسلا وتويتر- ليصبح أغنى رجل في العالم بثروة تقدر ب 176 مليار دولار، ويتربع السيد آرنو-وهو فرنسي- على إمبراطورية LVMH التي تمتلك أكثر من سبعين علامة تجارية للأزياء ومواد التجميل؛ مثل لويس فيتون وسيفورا وبلغاري وجيفنشي وكريستيان ديور... بالإضافة إلى فنادق بليموند الفخمة وشركة صناعة يخوت هي الأعلى قيمة في الاتحاد الأوروبي.
ثروته تأتي من بيعه أشياء باهظة الثمن لا يستطيع شراءها إلا القلة القليلة، ومع هذا فقد غدا أغنى رجل في العالم، فهذا له دلالة واحدة:أن السلعة الغالية لها روادها!
يقال إن نسبة الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تغلق في الأردن هي 59% وهي الأعلى عربيًّا تليها مصر، والذي لفت نظري أنني لم أرَ محلًا من المحلات الفاخرة قد أغلق أبوابه، بل وأصبح لهم تجمعاتهم ومناطقهم، وتتمدد هذه التجمعات، أغلقت مئات المطاعم ومحلات الأزياء والإكسسوارات أبوابها، ولكن سم لي محلًا أو مطعمًا مترفًا قد أغلق.
قد يجيب على هذه الظاهرة ما شاهدته في فيلم وثائقي دار فيه نقاش بأنه منذ عام 2008-وهو عام بداية التراجع الاقتصادي العالمي- قد زاد استهلاك أصحاب الثروات الكبيرة بشكل كبير، وأصبحوا أقل ذنبا في الاستهلاك، وينطبق هذا على جميع دول العالم، لا سيما الدول النامية والفقيرة.
على الرغم من أن معظم الشركات تعاني بسبب الركود والتضخم وارتفاع كلف الإنتاج، إلا أن قطاع الرفاهية والسلع مرتفعة الأثمان في ازدهار، لا يعني الأغنياء لو ارتفع سعر الأرز أو الخبز أو الخضار أو ارتفع سعر المحروقات، فهذه السلع ليس لها قيمة مادية بالنسبة لهم، ولا تشكل رقمًا في ميزانياتهم مهما ارتفعت أثمانها.
تشير التوقعات إلى أن حجم سوق قطاع الرفاهية سوف يرتفع بنسبة 60% حتى عام 2030، مع أن الغريب انخفاض في مشتريات 80% من عملائهم، ولكن الباقي زادت مشترياتهم بشكل غطى فرق الآخرين، بل وزاد، وفي سوق السيارات تشكل السيارات الفخمة حاليا ما مجموعة 2-3% وسترتفع إلى 14% في العقد المقبل!
الاقتصاد أصبح لعبة رياضية يلعب فيها الأغنياء مع بعضهم، يتداولون النقود والسلع فيما بينهم، أمام جمهور تعس فقير، فكل شيء يُصنع لهؤلاء الأثرياء، إنه أمر محزن وغير أخلاقي أن يصمم الاقتصاد لتلبية حاجات الأثرياء ويجعلهم أكثر راحة، فيما يعاني باقي الشعب، ولكنه اقتصاد غير مستدام، فلا يوجد عدد كاف من الأثرياء الذين يستطيعون تحريك عجلة الاقتصاد، والأخطر من هذا كله أن التفاوت الكبير بين أفراد المجتمع واختفاء الطبقة الوسطى هو من الأسباب الرئيسة للاضطرابات.
سوف يأتي يوم وينظر أولادنا إلى الخلف ويستغربون؛ لماذا نبذل كل هذا الجهد وننتج كل هذه السلع المترفة التي لا لزوم لها لعدد قليل جدًّا من الناس؟! وسيسأل أحدهم: لماذا ابتاع جدي جربان بسبعة دنانير وكان بإمكانه شراء الثلاثة بدينار؟!