أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    21-Apr-2025

التسول الوظيفي.. دائرة تبدأ ولا تنتهي*د. إبراهيم الخلوف الملكاوي

 الراي 

في مجتمعاتنا العربية، يمر كثير من الشباب برحلة طويلة وشاقة بحثا عن الوظيفة. هذه الرحلة لا تبدأ فقط بإعداد السيرة الذاتية أو التقديم عبر المواقع الإلكترونية، بل تأخذ طابعا اجتماعيا مليئا بالاستجداء غير المباشر، أو ما يمكن تسميته مجازا بـ"التسول الوظيفي».
 
يتنقل الشاب من مكتب إلى آخر، ومن مسؤول إلى آخر، يحمل ملفه تحت ذراعه وكله أمل أن يجد من «يشفق» عليه ويمنحه فرصة، لا بناءً على كفاءته، بل بناءً على شفاعة أو توصية. يبعث الرسائل، يتصل بالأقارب، يزور المسؤولين في المناسبات، يمد يده لا لطلب المال، بل لطلب العمل، حتى بات التوظيف لا يقوم على معايير الجدارة بل على من يملك قدرة أكبر على «التسول» بطريقة لبقة.
 
ولكن الغرابة لا تقف هنا.
 
فما إن يحصل هذا المواطن على الوظيفة، خاصة إن كانت في قطاع خدمي أو إداري، حتى تنقلب الآية. يصبح هو الآخر مقصدا للمتسولين، لا بالمال، بل بالخدمات. المواطنون يتزاحمون أمام مكتبه، يطلبون معاملة أسرع، توقيعا خارج النظام، أو حتى «واسطة» لآخرين. فيبدأ بدوره في توزيع الخدمات بحسب من «توسل إليه أكثر»، وكأن الخدمة حق يُمنح لا يُنتزع.
 
وهكذا تستمر الدائرة:
 
يتسول المواطن الوظيفة، ثم يتسول المواطنون إليه، ويعيش المجتمع في دائرة من العلاقات الشخصية والشفاعة والوساطات، بدلًا من الكفاءة والعدالة والنظام.
 
التسول الوظيفي ليس فقط ظاهرة فردية، بل انعكاسٌ لمنظومة فقدت ثقتها في المؤسسات، وتخلت عن مبدأ «لكل مجتهد نصيب»، واستبدلته بمبدأ «لكل متوسل نصيب أكبر».
 
ربما آن الأوان أن نكسر هذه الدائرة، ونؤمن بأن الوظيفة حق، والخدمة واجب، وبأن الكفاءة هي الطريق الوحيد للعدالة الحقيقية.
 
كيف نكسر دائرة التسول الوظيفي؟
 
لكي نخرج من هذه الدوامة، لا بد من تغييرات جذرية على مستوى الثقافة والسياسات. أولى هذه الخطوات تبدأ من تحقيق العدالة في التوظيف، وذلك من خلال تفعيل أنظمة التقديم العادلة والشفافة، بعيدًا عن الواسطة والمحسوبية، مع تعزيز مبدأ «الفرصة المتكافئة» لكل من يمتلك الكفاءة والمؤهلات.
 
كذلك يجب إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة، عبر تبسيط الإجراءات الإدارية، والرقابة على أداء الموظفين، وتحفيزهم على تقديم الخدمة بجودة واحترام، دون الحاجة للرجاء والتوسل.
 
ولا يمكن إغفال أهمية التوعية المجتمعية، لترسيخ فكرة أن الوظيفة ليست منّة، والخدمة ليست فضلًا، بل هي مسؤولية وأمانة. حين يتحول هذا المفهوم إلى ثقافة عامة، سنشهد تحولًا حقيقيًا في العلاقة بين المواطن والمؤسسة.
 
وأخيرًا، فإن الرقمنة وتوسيع الاعتماد على الأنظمة الإلكترونية للخدمات الحكومية، قد تساهم في الحد من التدخل البشري، وبالتالي تقل فرص «التسول» وتزيد فرص العدالة.
 
الطريق طويل، لكنه ممكن... فقط حين نؤمن بأن الكرامة لا تُطلب، بل تُصان، وأن الوظيفة حق والخدمة واجب.