أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    20-Jan-2013

عدالة توزيع الدخل *د. يوسف منصور

العرب اليوم-هل حققت برامج الإصلاح وقرارات الحكومات المتعاقبة عدالة اقتصادية أكبر في الأردن؟ لم تكن العدالة في توزيع الدخل أحد أهداف الإصلاح، وربما كانت أحد أهم ضحاياه، ونتاج عمل وجهد كل من شارك على مستوى القرار الاقتصادي في الحكومة في العقد الماضي سواء كنواب في الجهاز التشريعي أو وزراء في الجهاز التنفيذي.
يستخدم "معامل جيني" (نسبة إلى كورادو جيني العالم الإيطالي الذي طور التقنية المستخدمة لحسابه في عام 1912) بشكل عام في علوم الاقتصاد والاجتماع كمعيار لقياس عدم المساواة أو العدالة في توزيع الدخل. وتتنافس الدول الديمقراطية في تخفيض قيمة هذا المعامل، لأن صغر قيمة المعامل يعني عدالة اقتصادية أفضل، وإذا كانت قيمة المعامل صفرا، وهي قيمة شبه مستحيلة، فإنه يشير إلى العدالة/المساواة التامة بين السكان في الدخل، أي أنهم يحصلون على حصص متساوية من الدخل. لاحظ مثلا أن معيار جيني لدولة السويد التي تعتبر أفضل بلد في العالم من حيث المساواة في الدخل يبلغ 23 فقط. أما إذا كانت قيمة المعامل مائة فتشير إلى حد أقصى من عدم العدالة أو المساواة في توزيع الدخل، كأن يحصل شخص واحد على كامل دخل الأمة. وترصد المنظمات الدولية المعنية بالتنمية كهيئة الأمم المتحدة أي نسبة تغير في معامل جيني، ولو كانت قليلة، فهنالك مدلولات قد تكون كبيرة على العدالة في توزيع الدخل لأي تغير في النسبة.
نتيجة تغيير الحكومات لقانون ضريبة الدخل ورفع نسبة ضريبة المبيعات مرتين وتوسيع تغطيتها، ارتفع معامل جيني في الأردن في أوائل العقد الماضي، وبالتحديد في الفترة 2002-2003، بعد أن كان حوالي 36 في منتصف التسعينيات ليصبح 38.8. لاحظ أن العدالة في توزيع الدخل كانت أفضل في الأردن قبل البدء بعملية الإصلاح الاقتصادي في منتصف التسعينيات، (صحيح أن الحكومات كانت قد أعلنت البدء بالإصلاح الاقتصادي منذ 1989، ولكن هذه العملية لم تبدأ فعلا إلا قبيل منتصف التسعينيات، وبالنتيجة شوهت تلك القرارات نسب توزيع الدخل ليصبح اقتصاد الأردن أقل عدالة ومساواة في توزيع الدخل.
وفي عام 2007، ارتفعت نسبة عدم المساواة في الدخل مرة أخرى إلى 39.7، وهي نسبة ارتفاع كبيرة، وجعلت المعامل مرتفعا بحيث قارب 40، وهي نسب مرتفعة تقارب نسب أفقر الدول وأقلها تنمية، بل هي قريبة من نسب الدول المتقدمة إذا حسب معامل جيني من دون التدخل الحكومي، فالدول المتقدمة تقلل من قيمة جيني من خلال شبكات الأمان الاجتماعي والضرائب فتقوم بوضع ضرائب تصاعدية لتأخذ من الغني وتعطي للفقير.
لذا تشير هذه النسب بوضوح إلى اختلالات في وضع وتطبيق القرارات الاقتصادية في الأردن وعدم شموليتها للبعد الوطني الكلي، ويجب التنبيه هنا إلى أن نسب الدخل المتفاوتة بين المحافظات (الدخل في الطفيلة أقل من الدخل في عمان بنسبة 68%) كانت أيضا أحد نتائج "الإصلاح" غير المسؤول.
وتقول دراسة حديثة لدائرة الإحصاءات العامة حول الوضع المعيشي بأن المواطن أقل رضا عن وضعه المعيشي في 2010 بالنسبة إلى وضعه في 2008، ربما لأن الفقر ازداد من 13.3% في 2008 إلى 14.4% في 2010، ولكن في ذات الوقت تقول دراسة الفقر إن معامل جيني أصبح 37، أي أن العدالة في توزيع الدخل قد تحسنت كثيرا خلال عامين.
كيف حدث هذا؟ لقد أصبح الأردنيون أشد فقرا في 2010، وهذا واضح وأيضا أصبحوا أكثر مساواة في الدخل وهو أمر يحتاج إلى تفسير. أغدقت الحكومة في الدعم والمعونة مع بداية الربيع العربي، كما أن الشلل في اتخاذ القرارات نتيجة تهم الفساد قللت من قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات كانت ستؤدي كما هو معهود إلى المزيد من الفروق الاجتماعية وحشر الثروات في أيدي عدد محدود ومعروف من الناس، فكان لعدم اتخاذ القرار أثر إيجابي أفضل على العدالة في توزيع الدخل من اتخاذ القرارات السيئة.
ولو أنني من النوع المقامر لراهنت على أن معامل جيني ارتفع في 2012 في ظل سياسة التقشف وإزالة الدعم المزعوم، مما يشير أيضا إلى أن الإصلاح الحقيقي المطلوب قد تراجع خلال العام الماضي، وستبين الأيام صحة هذه النتائج.