أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Apr-2025

المعشوقة السمراء وجنون المناخ*خالد دلال

 الغد

لطالما كانت المعشوقة السمراء، القهوة، سر نشاطنا، حيث لا يكاد يخلو صباح أحد منا إلا وكوب القهوة بين يديه، بما حباها الله من رائحة وطعم وتأثير ساحر، ينعكس في تحسين أمزجة البشر، ودفعهم للعمل والإنتاج، والاستمتاع بالحياة.
 
 
إلا أنه، ورغم كونها سلعة لا غنى عنها، بسوق عالمي يصل إلى 138 مليار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 174 مليار دولار في العام 2029، فقد بدأت تعاني ويلات تداعيات التغير المناخي، الذي بات يفتك بمحصول البن عالميا، رغم كثرة المنكرين لتعاظم جنون الطبيعة في وجه البشر، وفي مقدمتهم رئيس القوة الأعظم سياسيا وعسكريا واقتصاديا على وجه الأرض، دونالد ترامب.
 
التحذيرات من العلماء توالت خلال السنوات القليلة الماضية، من شح متوقع لما ينتجه البشر من محاصيل بفعل ارتفاع غير مسبوق لدرجات حرارة الأرض بسبب تعاظم ظاهرة الاحتباس الحراري، حتى أن الأمر وصل إلى "أن سجل الشهر الماضي رقما قياسيا كثاني أكثر أشهر السنة حرا على الصعيد العالمي بعد آذار/ مارس 2024، ما يعني استمرار السلسلة المتواصلة من درجات الحرارة القياسية أو شبه القياسية منذ تموز/ يوليو 2023"، وذلك وفق مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي.
وللعلم، فقد حذرت دراسة قام بها مؤخرا فريق من جامعة زيوريخ في سويسرا، حسب صحيفة الديلي ميل البريطانية، من "أن أفضل مواقع زراعة البن، بما في ذلك البرازيل، وفيتنام، وإندونيسيا، وكولومبيا، باتت مهددة الآن بسبب تغير المناخ".
وهذا بدوره انعكس في ارتفاع حاد في أسعار حبوب القهوة من صنف أرابيكا، المستخدم في الخلطات الفاخرة، وفي صنف روبوستا، مع تراجع المخزون العالمي وخوف من تأثير ذلك على الإمدادات العالمية التي تعاني من كلف شحن مرتفعة، وكل ذلك بفعل ما شهدته البرازيل، وهي أكبر منتج لقهوة أرابيكا في العالم، وفيتنام، وهي المنتج الأكبر لقهوة روبوستا، من حالات جفاف قياسية ضربت الإنتاج العالمي للبن. أما الحديث عن انخفاض أسعار القهوة عالميا، خلال الأسبوع الماضي، فهو نتاج حالة عدم اليقين الاقتصادي بفعل التعرفات الجمركية التي صدم بها ترامب العالم، وما تبعها من تخوف من انكماش الاستهلاك العالمي بسبب انخفاض الطلب والركود المتوقع في الأسواق، إلا أن الأمر لن يدوم طويلا.
ليست القهوة وحدها من يترنح بفعل التغير المناخي، فالقائمة تشمل محاصيل أساسية، ومنها الأرز والموز والبطاطا والكاكاو وغيرها، وقد تخسر معركتها قريبا في وجه الطبيعة، ما يستدعي فعلا اتحاد العالم -رغم الخذلان الأميركي بعد انسحاب إدارة ترامب من اتفاقيات المناخ العالمية- لمواجهة حقيقية لوحش التغير المناخي، عبر العمل معا وصولا إلى التزام فعلي بتنفيذ بنود اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، "بحيث لا تزيد درجة الحرارة حول العالم، مقارنة بالمستويات الحالية، على 1.5 درجة مئوية"، وكل ذلك عبر المثابرة الجادة وصولا إلى الحياد الكربوني بما يتصل بانبعاثات الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان على وجه الخصوص).
أما إن فشلت البشرية، وهي قاب قوسين أو أدنى من ذلك، فإن وتيرة الكوارث الطبيعية ستتفاقم، من موجات حرارة حادة، وجفاف شديد، وحرائق غابات هائلة، وارتفاع كارثي لمنسوب مياه البحر بسبب ذوبان الصفائح الجليدية، وفقدان تدريجي للحياة البرية، وتأثيرات كل ذلك على موارد المياه والإنتاج الزراعي والخدمات الصحية وغيرها الكثير، في مختلف أنحاء العالم.
ووقتها لن يكون فنجان المعشوقة السمراء ما سنفقده في حياتنا، بل حياة الملايين منا في غمضة عين، ولله الأمر. فهل من عقلاء؟