الغد-رهام زيدان
تخزين الطاقة الكهربائية على شبكة النقل التابعة لشركة الكهرباء الوطنية باستخدام تكنولوجيا البطاريات، يمكن الأردن من مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال، مستفيدا من انخفاض أسعار البطاريات لدعم استقرار الشبكة الكهربائية الوطنية وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة.
ووصف خبراء الخطوة بالاستراتيجية، أملا منهم أن تعزز قدرة الأردن على استقطاب استثمارات نوعية في قطاع الطاقة المتجددة.
وأشاروا إلى أن هذا التوجه سيساهم في خفض الكلف التشغيلية، وتقليل الاعتماد على محطات التوليد الاحتياطية مرتفعة التكاليف، ما يؤدي إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة، كما سيفتح المجال أمام دخول تقنيات مبتكرة عبر جذب استثمارات شركات التكنولوجيا العالمية والإقليمية إلى سوق تخزين الطاقة في الأردن.
وكان مجلس الوزراء وافق الأسبوع الماضي، على السير في إجراءات تنفيذ مشروع تخزين الطاقة الكهربائية على شبكة النقل باستخدام تكنولوجيا البطاريات، بما يواكب أحدث تطورات التخزين بالبطاريات.
وبموجب القرار الحكومي، سيتم السير في إجراءات طرح جولة تنافسية جديدة لتنفيذ المشروع عبر لجنة العرض المباشر، استنادا إلى النظام المعدل لمشاريع الطاقة المتجددة رقم 66 لسنة 2016، مع اشتراط توافق الأسعار والمواصفات مع متطلبات الجدوى الفنية والاقتصادية للنظام الكهربائي.
مشكلات فنية متعلقة بإدارة الطلب على الكهرباء
دراسة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، كانت بينت أن ارتفاع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء أدى إلى ظهور مجموعة من المشكلات الفنية المتعلقة بإدارة الطلب على الطاقة الكهربائية.
وحددت الدراسة ثلاثة خيارات للتعامل مع مشكلة إدارة الطلب على الكهرباء هي: "التعرفة المرتبطة بالزمن، تخزين الطاقة الكهربائية أو الاستمرار بالوضع الحالي من دون تدخل".
وبحسب الدراسة التي جاءت بعنوان "تقييم الأثر لإدارة الطلب على الطاقة الكهربائية في الأردن"، تسعى الوزارة إلى رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة لتصل 31 % بحلول العام 2030، وفقا لاستراتيجية الطاقة 2020-2030، فيما بلغت 26 % نهاية العام 2023، باستطاعة وصلت 2681 ميغاواط.
انخفاض أسعار البطاريات يدعم تنفيذ المشروع
في هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد السلايمة، عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، أن الحكومة كانت طرحت قبل سنوات عدة، عطاء خاصا لتخزين الطاقة الكهربائية على شبكة النقل الوطنية باستخدام تكنولوجيا البطاريات، وتقدمت شركات عدة، لهذا العطاء.
وأشار إلى أنه كان من المفترض أن تتم الإحالة قبل نحو خمس سنوات، إلا أن جائحة "كورونا" والظروف الاقتصادية المصاحبة لها أدت إلى توقف دراسة العطاء.
وأكد السلايمة أن أسعار البطاريات آنذاك كانت مرتفعة مقارنة بما هي عليه اليوم، وهو ما ساهم في تأجيل المشروع، مبينا أن تنفيذ المشروع حاليا سيساهم في استقرار الشبكة الكهربائية الوطنية، كما سيدعم رفع مساهمة الطاقة المتجددة من 27 % حاليا إلى نحو 31 % بحلول العام 2030، مع توجه مستقبلي لرفعها إلى 50 %.
ولفت إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب وجود أنظمة تخزين فعالة، سواء عبر البطاريات أو من خلال مشروعات أخرى مثل مشروع سد الموجب، الذي يهدف إلى تخزين 450 ميغاواط من الكهرباء لمدة سبع ساعات عبر ضخ المياه إلى حوض علوي عند وجود فائض في الطاقة، ثم توليد الكهرباء لاحقا عبر إسالة المياه خلال أوقات الذروة.
وأشار إلى أن مشروع تخزين الطاقة بالبطاريات يعتبر حيويا لاستقرار الشبكة نظرا لسرعة استجابة البطاريات، في ظل سعي معظم دول العالم إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050، وهو المسار الذي يلتزم به الأردن.
وأضاف أن الوصول إلى الحياد الكربوني يتطلب التوسع في استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وصولا إلى نظام كهربائي يعتمد بشكل شبه كامل على الطاقة النظيفة، مما يجعل من الصعب التخلي عن أننظمة التخزين.
وأشار إلى أن المشروع لا يقتصر أثره على تحسين البنية التحتية الكهربائية، بل يمتد ليخلق فرصا استثمارية جديدة ويعزز سوق العمل في المجالات الفنية والهندسية، إضافة إلى تقليل كلفة إنتاج الكهرباء عبر تخزين الفائض واستخدامه في أوقات الذروة.
وبحسب بيانات وزارة الطاقة، فإن الاستطاعة التوليدية لأنظمة الطاقة المتجددة المركبة من قبل المستهلكين بلغت 1183 ميغاواط في العام 2023، ما أدى إلى زيادة في إنتاج الطاقة المتجددة خلال النهار وانخفاض معامل التشغيل لمحطات توليد الطاقة التقليدية المتعاقد معها واللازمة لتغطية الحمل خاصة خلال الفترة المسائية.
فرص استثمارية وخفض للكلف التشغيلية
من جانبه، أكد المستثمر والخبير في قطاع الطاقة الدكتور فراس بلاسمة أن التوجه نحو تخزين الطاقة بالبطاريات، يمثل خطوة استراتيجية جديدة، تعزز قدرة الأردن على استقطاب استثمارات نوعية في قطاع الطاقة المتجددة.
وأوضح أن القرار الحكومي جاء مدفوعا بالتطورات السريعة في تكنولوجيا تخزين الطاقة والانخفاض العالمي الكبير في أسعار البطاريات، إلى جانب الحاجة المتزايدة إلى دعم استقرار الشبكة الكهربائية، مع ارتفاع مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الوطني.
وحول تفاصيل القرار، أوضح بلاسمة أن الحكومة تعتزم طرح جولة تنافسية جديدة لتنفيذ المشروع وفقا لنظام العرض المباشر، مع اشتراط التأكد من تحقيق الجدوى الفنية والاقتصادية قبل الإحالة النهائية، مما يضمن كفاءة واستدامة المشروع ماليا وفنيا.
وأضاف أن استخدام تكنولوجيا البطاريات على مستوى شبكة النقل، يعد تطورا مهما مقارنة بأنظمة التخزين التقليدية الصغيرة، مما يعزز مرونة الشبكة ويتيح استيعاب المزيد من مشروعات الطاقة المتجددة دون الحاجة إلى توسعات مكلفة في البنية التحتية.
وأشار إلى أن المشروع سيساهم في خفض التكاليف التشغيلية، وتقليل الاعتماد على محطات التوليد الاحتياطية مرتفعة الكلفة، وبالتالي تحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة. كما سيفتح المجال أمام دخول تقنيات مبتكرة عبر جذب استثمارات شركات التكنولوجيا العالمية والإقليمية إلى سوق تخزين الطاقة في الأردن.
وفيما يتعلق بالفرص الاستثمارية المتوقعة، أوضح بلاسمة أنها ستشمل تطوير وتوريد وتركيب أنظمة بطاريات التخزين، إضافة إلى خدمات التشغيل والصيانة طويلة الأمد، والاستثمار في أنظمة إدارة الطاقة الذكية (EMS)، مع إمكانية تحقيق وفر مالي للشبكة قد يتراوح بين 20 - 25 % عند الاستخدام الأمثل للبطاريات.
المشروع يساهم في ضمان مرونة الشبكة
بدوره، قال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية، المهندس عبدالفتاح الدرادكة، إن الأردن يواجه تحديات متزايدة في قطاع الطاقة الكهربائية، خصوصا مع ارتفاع الطلب إلى مستويات قياسية، كما حدث خلال فصل الشتاء الماضي، عندما تجاوز الحمل الأقصى الاستطاعة الكلية المتاحة.
وأكد الدرادكة أن تنفيذ مشروع تخزين الطاقة الكهربائية باستخدام تكنولوجيا البطاريات يمثل خطوة استراتيجية حيوية لتعزيز أمن النظام الكهربائي، موضحا أن المشروع يوفر استطاعة إضافية لتلبية الطلب خلال فترات الذروة المسائية، خاصة في ظل غياب مصادر الطاقة الشمسية.
وأضاف أن المشروع يتكامل مع استراتيجية قطاع الطاقة الرامية إلى تنويع المصادر وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة، إضافة إلى تقديم حلول مبتكرة لتخزين الكهرباء وزيادة مرونة الشبكة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأشار الدرادكة إلى أن تنفيذ هذا المشروع كان مطروحا منذ سنوات، إلا أن ارتفاع أسعار البطاريات وضعف الجدوى الاقتصادية حالا دون تنفيذه، أما اليوم، فإن التطور الكبير في كفاءة وتكلفة تكنولوجيا التخزين يجعل المشروع أكثر جدوى وقابلية للتنفيذ.
وشدد، على أن اشتراط القرار الحكومي عدم إحالة المشروع إلا بعد التأكد من تحقيق الجدوى الفنية والاقتصادية، يضمن تحقيق أفضل استفادة للنظام الكهربائي من الناحية الاقتصادية والفنية، ويساهم في خفض التكاليف وتوفير الاستطاعة المطلوبة من مصادر الطاقة المتجددة خلال فترات الذروة.