"الفرصة السكانية".. نقطة تحول تنموية حقيقية تحتاج للاستثمار
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في ظل التوقعات التي تشير إلى أن المجتمع الأردني يتجه إلى أن يصبح مجتمعا أكثر شبابا في العام 2030، يؤكد خبراء أن هذا "التغير الديموغرافي" قد يمثل نقطة تحول تنموية حقيقية إذا ما تم استثمارها على الوجه الصحيح.
ويوضح الخبراء أن مثل هذا التحول نحو مجتمع أكثر شبابا يدعم معالجة مشكلات البطالة والفقر وتعزيز معدلات النمو عبر توظيف الطاقات الشابة وتحويلها إلى قوة إنتاجية دافعة للاقتصاد.
غير أن خبراء يحذرون من مخاطر تفويت الفرصة السكانية كما حصل في عدد من دول العالم، في ظل غياب السياسات الاقتصادية لخفض معدلات الإعالة وتعزيز التوظيف، خاصة مع تضاعف السكان من 5 ملايين إلى 11 مليونا في عقدين.
وتشير توقعات المجلس الأعلى للسكان أخيرا إلى أن عدد الشباب في المملكة سيشكل 22.5 % من السكان، إذ من المتوقع أن يبلغ عددهم 2.9 مليون نسمة عام 2030 من أصل 12.9 مليون نسمة في ذاك الوقت.
بينما تشير التقديرات السكانية لدائرة الإحصاءات العامة أن خمس السكان حاليا 19.8 % في المملكة هم من فئة الشباب في الفئة العمرية (15-24).
ويبلغ عدد هؤلاء الشباب ما يقارب 2.3 مليون نسمة من مجموع سكان الأردن المقدر لنهاية عام 2024 والبالغ 11.7 مليون نسمة، وذلك وفق بيانات سابقة أوردها تقرير لدائرة الإحصاءات العامة.
لكن ثمة مؤشر يثير القلق على المدى البعيد، إذ تشير التوقعات إلى عدد الشباب سيبلغ فقط 3 ملايين عام في 2050 إذ سيتجه التركيب العمري للسكان في ذلك الوقت إلى الزيادة في نسبة كبار السن أو ما يطلق عليه شيخوخة السكان، مما سينعكس سلبا على النشاط الاقتصادي ودورة الإنتاج.
ويلفت الخبراء إلى أن تراجع معدلات الإعالة يشكل دعما إضافيا لاستثمار الفرصة السكانية، إذ تراجعت نسبة الإعالة الاقتصادية محليا خلال العام الماضي بما نسبته %3.8 لتسجل %303.5 قياسا مع 315.9 % في عام 2023، وهذا مؤشر يدلل على مدى إزاحة العبء الاقتصادي عن الأفراد المنفقين على غيرهم ممن لا يعملون.
وتظل تساؤلات حاضرة بإلحاح، هل تمتلك الحكومة خطة واضحة لاستثمار هذه المتغيرات في التركيبة السكانية؟ وهل توجد برامج عملية قادرة على تحويل "الفرصة الديموغرافية" إلى مكسب اقتصادي ملموس قبل أن تنقضي دون أثر؟
وفي بلد يراوح فيه معدل البطالة مستوى 21.3 % وتتراوح فيه معدلات الفقر بين 20 و35 % بحسب إحصاءات مختلفة، يحذر الخبراء من أن عدم استغلال هذه الفرصة السكانية، سيشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الوطني لا سيما عدد المتعطلين عن العمل.
وأشار الخبراء إلى أن استثمار التحول الديموغرافي يشكل ضرورة وطنية تمكن الأردن من تحويل التحديات الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة وضعف النمو إلى فرص حقيقية للتنمية المستدامة.
ويرى هؤلاء الخبراء أن الأردن ليس مستعدا تماما بعد لهذا التحول الديموغرافي المتوقع حول عام 2030، حيث ما تزال المؤشرات تدل على ضعف الاستعداد، فمعدلات البطالة بين الشباب مرتفعة جدا ومشاركة النساء الاقتصادية متدنية والإقبال على التعليم المهني محدود وضعيف الارتباط باحتياجات سوق العمل.
وبغية استثمار مرحلة الفرصة السكانية وتحويلها إلى مكسب اقتصادي وتنموي، دعا الخبراء إلى ضرورة إصلاح منظومة التعليم والتدريب بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد الحديث وتعزيز سياسات التشغيل التي تشجع على استثمار المنتج في القطاعات كثيفة العمالة ذات القيمة المضافة إلى جانب تمكين النساء والشباب وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة وحماية اجتماعية شاملة.
ويضاف إلى ذلك معالجة الخلل في توزيع السكان والاستثمارات، إلى جانب وضع سياسات فورية لخفض معدلات الإعالة وتعزيز التوظيف، خاصة مع تضاعف السكان من 5 ملايين إلى 11 مليونا في عقدين، وزيادة الضغط على الموارد، منوهين إلى أنه في حال عدم إجراء هذه الإصلاحات، قد تفوت المملكة هذه الفرصة، كما حدث في دول أخرى.
دراسة تحليلية ومعطيات إحصائية
وكانت تبنت أخيرا دراسة تحليلية رسمية وصول المملكة إلى ما حالة ما يعرف بالفرصة الاقتصادية في عام 2030، مع انخفاض معدل الإعالة نتيجة تراجع معدل الإنجاب.
وأشارت الدراسة التي أطلقتها دائرة الإحصاءات العامة مؤخرا بعنوان "سوق العمل الأردني: حقائق وأرقام"، وذلك بالتعاون مع البنك الدولي وبشراكة فاعلة مع كل من وزارة العمل ووزارة التخطيط والتعاون الدولي.
وأكدت الدراسة أن الأردن يمتلك فرصة ديموغرافية حقيقية مع ارتفاع نسبة الشباب. وما يزال الإقبال على التعليم المهني محدودا، مع تفاوت واضح بين الذكور والإناث في نوعية التخصصات.
فيما يتعلق بالتركيبة السكانية والديموغرافية، أشارت الدراسة إلى أن أكثر من نصف المجتمع الأردني هم من الذكور، والسكان يتركزون في الفئات العمرية الشابة والنشيطة اقتصاديا، وبالدرجة الأولى في المناطق الحضرية.
ويقصد بالفرصة السكانية، الفترة الزمنية التي تتميز بتركيبة سكانية مواتية اقتصاديا، حيث تكون نسبة السكان النشطين اقتصاديا (الفئة العمرية العاملة) في أعلى مستوياتها مقارنة بالفئات العمرية الصغيرة والكبيرة. تحدث هذه الفرصة عندما ينخفض معدل الإنجاب، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة الأطفال وارتفاع نسبة البالغين النشطين، وهو ما يخلق "نافذة" من النمو الاقتصادي المحتمل.
الممكن المحدود
وقال رئيس مركز بيت العمال حمادة أبو نجمة إن "تحقيق الأردن لما يعرف بالفرصة السكانية يمثل تحولا ديموغرافيا مهما يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لمرحلة نمو اقتصادي واجتماعي جديدة، لكن ذلك مشروط بمدى جاهزية الدولة لاستثمار هذه المرحلة عبر سياسات فعالة في التعليم والتدريب والتشغيل".
وأضاف أبو نجمة "حتى الآن ما تزال المؤشرات تدل على ضعف الاستعداد فمعدلات البطالة بين الشباب مرتفعة جدا ومشاركة النساء الاقتصادية متدنية والإقبال على التعليم المهني محدود وضعيف الارتباط باحتياجات سوق العمل".
وقال "ما يزال الاقتصاد الوطني عاجزا عن توليد فرص العمل الكافية والنوعية لاستيعاب الداخلين الجدد إلى السوق سنويا".
ولفت أبو نجمة الذي سبق وأن شغل أيضا منصب أمين عام وزارة العمل إلى أن الفرصة السكانية بحد ذاتها ليست ضمانة للنمو بل "هي ممكن محدود" ، يحمل قابلية أن يتحول إلى مكسب اقتصادي ضخم إذا أدير بذكاء، وقد يتحول إلى عبء ديموغرافي إذا أهمل.
وأوضح أن جوهر الفرصة أن ترتفع نسبة السكان في سن العمل مقارنة بالعاملين بما يعني توافر قوة بشرية منتجة قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد وزيادة الادخار والاستهلاك والاستثمار، غير أن تحويل هذا الواقع إلى مكسب فعلي يتطلب إصلاحا في منظومة التعليم والتدريب بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد الحديث وتعزيز سياسات التشغيل التي تشجع على الاستثمار المنتج في القطاعات كثيفة العمالة ذات القيمة المضافة إلى جانب تمكين النساء والشباب وتوفير بيئة عمل عادلة وآمنة وحماية اجتماعية شاملة.
وشدد أبو نجمة على أن استثمار التحول الديموغرافي يشكل ضرورة وطنية تمكن الأردن من تحويل التحديات الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة وضعف النمو إلى فرص حقيقية للتنمية المستدامة بشرط الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة التنفيذ لسياسات متكاملة تعالج التعليم والعمل والحماية الاجتماعية معا.
انطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني
قال أستاذ الاقتصاد د.قاسم الحموري إن "التحول الديمغرافي الذي يشهده الأردن اليوم يحمل في طياته فرصة سكانية ثمينة، يمكن أن تشكل نقطة انطلاق جديدة للاقتصاد الوطني إذا ما أُحسن استثمارها.
وأوضح الحموري أن ارتفاع نسبة الشباب، إلى جانب النسبة المرتفعة من الذكور ضمن الفئة القادرة على العمل، يمكن أن يشكل كتلة عمل صلبة تدعم الإنتاج والنمو، شرط أن تتوفر استثمارات ومشروعات كثيفة الاستخدام للعمالة تفتح المجال أمامهم للمشاركة الفاعلة في سوق العمل.
وبين أن حسن إدارة واستغلال الموارد الاقتصادية يمر عبر توظيف رأس المال البشري، فالسكان يمثلون موردا أساسيا على شكل قوى عاملة، واستثمار هذه القوى في قطاعات إنتاجية ينعكس مباشرة على رفع معدلات النمو وتقليص نسب البطالة والفقر.
وأشار الحموري إلى أن التراجع في معدلات الإنجاب لدى الأردنيين يعني تباطؤا في النمو السكاني، وهو ما عانت منه بعض الدول التي فقدت توازنها الديمغرافي لاحقاً ولم تعد تمتلك قوى عاملة كافية لرفد أسواقها.
وأكد الحموري ضرورة الاستفادة من حالة الفرصة السكانية المنتظرة من خلال الاستثمار في التدريب والتعليم والتأهيل المهني لرفع كفاءة القوى العاملة الحالية، بحيث تصبح إنتاجية العامل الأردني معادلة لإنتاجية أعداد أكبر في دول أخرى، حيث إن الرهان الحقيقي هو على رفع إنتاجية الفرد وتنافسية الاقتصاد الوطني، فهذا هو الطريق الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة واستدامة فرص العمل في المستقبل.
الفرصة السكانية محطة استثنائية للأردن
وأكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الفرصة السكانية تعد من المحطات الديموغرافية المفصلية في حياة أي دولة، لما تحمله من إمكانات كبيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، مشيراً إلى أن الأردن يقف أمام لحظة حاسمة يمكن أن تشكل نقطة تحول في مساره التنموي إذا ما أُحسن استثمارها.
وأشار عايش إلى أن هذه الفرصة تعكس ارتفاع نسبة السكان في سن العمل (15–64 عاماً) مقارنة بالفئات المعالة مثل الأطفال وكبار السن، ما يتيح قاعدة عريضة من القوى العاملة القادرة على دفع النمو الاقتصادي والاجتماعي، ورفع مستوى الرفاه والعائد الاجتماعي.
وقال عايش، "نحن نتحدث عن نحو %70 من السكان في عمر العمل والقادرين عليه، وهي فرصة استثنائية لا تعيشها المجتمعات سوى مرة واحدة قبل أن تبدأ دورة الارتفاع في أعداد كبار السن والمعالين كما هو الحال في اليابان وألمانيا والصين."
وأكد عايش أن هذه المرحلة تتطلب إعداد السياسات الاقتصادية والاجتماعية بعناية، خصوصا مع انخفاض معدلات الإنجاب وتراجع معدل الإعالة، الذي ما يزال عند مستويات مرتفعة".
وأشار إلى أن استغلال الفرصة السكانية يمكن أن يشكل ركيزة لتجاوز التحديات الاقتصادية المزمنة في الأردن، من بطالة وفقر وضعف في معدلات النمو، شرط أن يتم رفع معدل النمو الاقتصادي إلى ما لا يقل عن 5–%6 سنوياً، أي ما يعادل ضعفي أو ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني الحالي (1.8–2 %).
وشدد على ضرورة ربط التعليم والتدريب المهني والرقمي باحتياجات سوق العمل، معتبرا أن ذلك "لم يعد ترفاً بل أصبح ضرورة"، إلى جانب زيادة مشاركة المرأة الاقتصادية التي ما تزال عند مستويات متدنية لا تتجاوز 14 %.
ويرى عايش أن استغلال التحول الديموغرافي كمكسب اقتصادي واجتماعي يستدعي جهودا وطنية منسقة لإصلاح التعليم والتدريب، وتوسيع قاعدة الاستثمارات النوعية، وتحفيز التشغيل المنتج والمستدام، مؤكدا أن الفرصة السكانية ليست قدرا زمنيا فقط، بل خيارا سياسيا واقتصاديا يمكن أن يحدد مستقبل الأردن لعقود قادمة.
ومن جهة أخرى عبر عايش عن استغرابه من التباين في التقديرات الرسمية حول توقيت تحقق الفرصة السكانية، موضحاً أن بعض الدراسات تشير إلى عام 2030، فيما يتحدث المجلس الأعلى للسكان عن فترة تمتد بين عامي 2039 و2040، ما يعكس فجوة زمنية تستدعي المراجعة والتوضيح.
إصلاحات جذرية واستثمارات مكثفة
إلى ذلك يرى الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن الأردن ليس مستعدا تماما لهذا التحول الديموغرافي المتوقع حول عام 2030، حيث يتطلب الأمر إصلاحات جذرية واستثمارات مكثفة في رأس المال البشري للاستفادة من "الفرصة السكانية". وقال "مع أكثر من 66 % من السكان تحت سن 30 عاما، ما يعني أن الأردن يمتلك نافذة فرصة ديموغرافية تغلق تدريجيا، لكن التحديات مثل ارتفاع البطالة بين الشباب (46.1 %) وانخفاض مشاركة النساء في سوق العمل (13.8 %) تعيق هذا الاستعداد".
وبين المخامرة أن أهمية الفرصة السكانية تكمن في تعزيز النمو الاقتصادي والإنتاجية حيث يقل الاعتماد على الدعم، مما يحرر بعض الموارد للاستثمار، إضافة إلى زيادة الادخار والاستثمار حيث يزداد الادخار الأسري، مما يدعم الاستثمارات في التعليم والصحة، ويؤثر إيجابا على التنمية البشرية. كذلك تقليل الفقر وتعزيز المساواة حيث يسهل دخول النساء إلى سوق العمل، مما يقلل الضغط الأسري ويحسن جودة الحياة، عدا عن دعم الابتكار من خلال التشجيع على بناء رأس المال البشري، إلا أن ذلك كله يعتمد على سياسات اقتصادية مكملة لتجنب التحول إلى تحد.
وأوضح المخامرة أن استثمار الفرصة السكانية يتطلب سياسات فورية لخفض معدلات الإعالة وتعزيز التوظيف، خاصة مع تضاعف السكان من 5 ملايين إلى 11 مليونا في عقدين، وزيادة الضغط على الموارد وإذا لم تعزز الإصلاحات، قد تفوت المملكة هذه الفرصة، كما حدث في دول أخرى.