أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    05-Nov-2025

"العمل الدولية": هل ننجح بتحويل الأردن من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها؟

 الغد-هبة العيساوي

 كشف تقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية الشهر الماضي، أن الأردن ما يزال يواجه فجوة بتبني المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، برغم جهوده المتزايدة بالتحول نحو الاقتصاد الرقمي، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية نجاح السياسات المقبلة بتحويل الأردن من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها.
 
 
التقرير الذي صدر تحت عنوان "تمكين الأفراد وتعزيز المجتمعات: الاستثمار في المهارات والتعلّم مدى الحياة"، يأتي ضمن التحضيرات للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية المنعقدة في العاصمة القطرية الدوحة، ويقدّم رؤية شاملة حول تأثير الرقمنة والذكاء الاصطناعي على فرص العمل ومستقبل التنمية حول العالم.
وفق تحليل بيانات إعلانات الوظائف الذي أجراه التقرير في 7 دول من بينها الأردن، فإن الطلب على المهارات الرقمية ما يزال محدودًا، مقارنةً بدول أخرى في المنطقة والعالم. إذ أظهرت النتائج أن 7 % فقط من الوظائف المنشورة محليا بين عامي 2020 و2024، تطلب مهارات حاسوبية عامة، و3 % تشير إلى الحاجة لمهارات برمجية أو تقنية محددة، بينما لا تتجاوز الوظائف التي تتطلب معرفة في التعلم الآلي أو الذكاء الاصطناعي نسبة 1 %.
ويُعدّ هذا المؤشر دلالة على بطء التحول الرقمي في سوق العمل، برغم تنامي الاهتمام الحكومي والمجتمعي بالاقتصاد المعرفي وريادة الأعمال التقنية.
وبالمقارنة، أشار التقرير إلى أن البرازيل مثلًا سجّلت 10.4 % للمهارات الحاسوبية العامة، والأوروغواي تجاوزت الـ14 %، ما يعكس فجوة بين الاقتصادات الناشئة في أميركا اللاتينية والدول العربية من حيث سرعة التكيّف مع متطلبات الثورة الرقمية.
وحذر التقرير من أن الفجوة الرقمية، قد تتحول إلى فجوة في العدالة الاجتماعية وفرص التنمية، موضحًا بأن الذكاء الاصطناعي قادر على خلق وظائف جديدة في مجالات البرمجة والتحليل والبيانات، لكنه في المقابل يهدد بإقصاء فئات واسعة من القوى العاملة الأقل تأهيلًا رقميًا.
وتشير بيانات منظمة العمل إلى أن 25 % من الوظائف في الدول العربية معرضة بدرجات مختلفة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، لكن معظمها ستشهد "تحولًا في طبيعة العمل" لا "استبدالًا كاملًا للبشر بالآلات"، بمعنى أن التكنولوجيا ستعيد تشكيل المهن بدل إلغائها، ما يجعل الاستثمار بالتدريب والتعليم التقني ضرورة لا خيارًا.
وأكد التقرير أن سوق العمل العربية، ومنها الأردن، بحاجة لـ"قوة عاملة متوازنة" تجمع بين المهارات التقنية والاجتماعية والإبداعية، فالطلب على المهارات الرقمية لا يأتي بمعزل عن مهارات أخرى، إذ يسعى أصحاب العمل عادة لتوظيف من يجمعون بين القدرة التقنية والذكاء الاجتماعي والتفكير النقدي وإدارة المشروعات.
إلى جانب ضعف الطلب على المهارات الرقمية، يبرز عامل البنية التحتية الرقمية كعائق رئيس أمام تسريع التحول في الأردن والمنطقة، فبينما تتجه الاقتصادات الكبرى لدمج الذكاء الاصطناعي في الإنتاج والخدمات، ما تزال مؤسسات صغيرة ومتوسطة في الأردن، تعتمد على أنظمة تقليدية، وتفتقر للأدوات والبيانات القادرة على تبنّي التكنولوجيا الحديثة.
ويشير التقرير إلى أن التحول الرقمي لا يمكن أن ينجح دون بنية تحتية متينة، وشبكات إنترنت موثوقة، واستثمار في التعليم والتدريب. كما شدّد على أهمية تقليص الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، إذ تُظهر البيانات أن 83 % من سكان المدن في العالم، يستخدمون الإنترنت مقابل 48 % فقط في المناطق الريفية، وهي فجوة يُرجَّح بأنها أكثر اتساعًا في البلدان النامية، بما فيها الأردن.
وبرغم هذه التحديات، يشير خبراء في العمل والرقمنة، إلى أن الأردن يمتلك قاعدة بشرية متعلمة قادرة على التكيّف مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، إذا ما استثمر بالمهارات المناسبة، وهذا ما يؤكد عليه الخبير بسوق العمل حمادة أبو نجمة، كما ويبين أن نتائج التقرير "تتوافق مع الواقع المحلي، إذ ما تزال المهارات الرقمية المتقدمة محدودة في معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية، بينما تتركز في قطاعات محدودة مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات".
وأضاف أبو نجمة، أن "الأردن بحاجة لسياسات وطنية لتدريب الشباب على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وتحديث المناهج الجامعية لتواكب احتياجات سوق العمل الجديد"، مشيرًا إلى أن الشركات الأردنية الصغيرة والمتوسطة، تمثل الحلقة الأضعف في هذا التحول، فهي تفتقر للتمويل والكوادر التقنية.
وأوصى التقرير بأن تعزز الحكومات ومنظمات أصحاب العمل والنقابات العمالية، الحوار الاجتماعي حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والعمل، لضمان أن يكون التحول الرقمي "شاملًا وعادلًا"، مشددا على أن الذكاء الاصطناعي يجب ألا يُنظر إليه كتهديد للوظائف، بل كأداة لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل، شرط أن يُرفق بسياسات تعليمية وتدريبية فعالة.
ويرى أن تجسير الفجوة الرقمية في الأردن والمنطقة، يتطلب مزيجًا من الاستثمار في البنية التحتية، وتحفيز القطاع الخاص، وبناء منظومة تعليمية مرنة، قادرة على مواكبة التطور التكنولوجي المتسارع.
في ضوء نتائج التقرير، يبدو أن الأردن، يقف أمام لحظة حاسمة في مسار انتقاله نحو اقتصاد رقمي متكامل. فبينما تملك البلاد المقومات البشرية والتعليمية، فإن نقص المهارات التقنية المتقدمة وتراجع الطلب المؤسسي على الكفاءات الرقمية، قد يحدّ من قدرته على المنافسة الإقليمية والعالمية.
وبين التحذير والفرصة، يبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح السياسات المقبلة في تحويل الأردن من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها؟
الإجابة ستعتمد على مدى سرعة الاستثمار في الإنسان، بوصفه العنصر الأكثر أهمية في معادلة التحول الرقمي.