"البيروقراطية" تعقد بيئة الأعمال والاستثمار.. ما الحلول؟
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
البيروقراطية.. هذا المصطلح القديم الذي أصبح ضربا من الماضي في كثير من بلدان العالم، ما يزال حاضرا في المشهد الأردني بقوة حينما يتعلق الأمر بالخدمات الحكومية، وكأن الزمن يعود إلى الوراء في كثير من مؤسسات الدولة، بحسب خبراء.
ويرى خبراء أن عقدة "البيروقراطية" ما تزال تسيطر على عمل المؤسسات الحكومية، وتشكل تحديا كبيرا للاقتصاد الوطني وتعيق تطور بيئة الأعمال والاستثمار المحلية.
ورغم أن بيئة الأعمال والاستثمار الأردنية بأمس الحاجة للتسهيل عبر جعل الخدمات الحكومية أكثر كفاءة وسلاسة إلا أن العمل ضمن هذا الاطار ما يزال دون الطموح ولم يواكب التطور التكنولوجي والرقمي في تقديم الخدمات، وفق ما يؤكد مختصون لـ"الغد".
وبقصد الارتقاء بجودة الخدمات الحكومية ورفع كفاءتها لتكون أكثر فعالية ومرونة، دعا المختصون إلى الإسراع في تنفيذ تطوير رؤية التحديث الإداري ورفع مستوى كفاءة القطاع العام، إضافة إلى ضرورة أتمتت الإجراءات والمعاملات الحكومية الإلكترونية بشكل شامل ومتكامل لتطوير البنية التحتية لبيئة الأعمال وسرعة إنجاز المعاملات المتعلقة بإنشاء وتطوير المشاريع الاستثمارية من قبل المستثمرين المحليين والأجانب.
ويضاف إلى ذلك أهمية تكثيف تدريب الكوادر البشرية لدمجهم مع التكنولوجيا في ممارسة أعمالهم، علاوة على وضع آلية تتيح لمتلقي الخدمة لتقييمها، إضافة إلى تطوير آلية اتخاذ القرار في المؤسسات الحكومية ومنح صلاحيات أوسع للإدارات المتوسطة والصغرى، إلى جانب تعزيز التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان تقديم خدمات شاملة ومتكاملة تخدم رجال الإعمال في إنجاز المشاريع الاستثمارية ولفهم احتياجاتهم ومتطلباتهم مما يساعد في تحسين جودة الخدمات.
يشار إلى أن رؤيتي التحديث الاقتصادي وتحديث القطاع العام أدرجتا الارتقاء بجودة الخدمات الحكومية، وتقديم الخدمات بكل سهولة ويسر للمواطنين ودعم عملية التحول الرقمي في القطاع، ضمن مبادراتها التي تسعى إلى تحقيقها، إذ بدأت في تنفيذ هذه المبادرات من خلال إطلاقها مؤخرا بعض مراكز الخدمات الحكومية في أكثر من محافظة.
وأكد مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي لـ"الغد"، ان توافق الخدمات الحكومية مع متطلبات بيئة الأعمال المحلية أمر بالغ الأهمية للاقتصاد الوطني، إلا أن هذا التوافق محليا ما يزال محدودا ولم يلب تطلعات القطاع الخاص.
ولفت حجازي إلى أن الأهمية الاقتصادية لجودة الخدمات الحكومية، تكمن بشكل كبير في تحسين بيئة الأعمال والاستثمار في المملكة من خلال رقمنة الخدمات والتحول نحو الخدمات الإلكترونية للارتقاء في مرتبة الأردن على مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية والمؤشرات الفرعية الأخرى التابعة له وبما يصب في تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي، ومما يوفر الوقت والجهد على المواطنين والمستثمرين في إنجاز المعاملات الحكومية وتسهيل عملية ممارسة الأنشطة الاقتصادية.
ويرى حجازي أن تعزيز الخدمات الحكومية المقدمة لكافة القطاعات لتكون أكثر فعالية ومرونة، تتطلب من الحكومة تسهيل الإجراءات المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية وتسهيل إنجاز المعاملات دون تأخير، وتقديم الدعم اللازم للمستثمرين وأصحاب المشاريع بتسريع عملية الحصول على التراخيص والتصاريح خاصة للشركات الناشئة.
ويضاف إلى ذلك أتمتة الإجراءات والمعاملات الحكومية الإلكترونية بشكل شامل ومتكامل لتطوير البنية التحتية لبيئة الأعمال وسرعة إنجاز المعاملات المتعلقة بإنشاء وتطوير المشاريع الاستثمارية من قبل المستثمرين المحليين والأجانب، إلى جانب العمل على تطوير البنية التحتية الأساسية، من وسائل النقل والاتصالات والطاقة، لضمان توفير خدمات فعالة تجذب المستثمرين وترفد بيئة الأعمال إلى العالمية وذلك بتحسين مؤشر تنافسية بيئة الأعمال.
وأشار حجازي إلى ضرورة تعزيز التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان تقديم خدمات شاملة ومتكاملة تخدم رجال الأعمال في إنجاز المشاريع الاستثمارية ولفهم احتياجاتهم ومتطلباتهم مما يساعد في تحسين جودة الخدمات، وفتح حوارات متواصلة بين القطاعين العام والخاص للاطلاع على أبرز وأهم التحديات التي تواجه القطاع الخاص في الإجراءات الحكومية تحقيقا لخطة التطوير الإداري للقطاع العام.
بدوره، اعتبر رئيس مجلس إدارة جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية إياد ابو حلتم، أن جودة الخدمات الحكومية ما تزال دون الطموح ولم تواكب بعد التطور التكنولوجي والرقمي في تقديم الخدمات رغم التوجه المبكر محليا لمشروع الحكومة الرقمية.
وأوضح أبو حلتم لـ"الغد"، أن عددا كبيرا من الخدمات والمعاملات الحكومية ما تزال تتم وفق الطريقة التقليدية المعتمدة بشكل كامل على تدخل العنصر البشري، حيث يصطدم أحيانا المراجعون من المستثمرين أو ممثلي الشركات أو المواطنين بطول مدة إنجاز المعاملات، وارتباط إنجازها احيانا بوجود شخص معني، أو أكثر من مرجعية، عدا عن وجود هامش كبير للأخطاء في إصدار وثيقة أخرى غير المطلوبة، مما يؤثر سلبا على أعمال الناس.
ولفت أبو حلتم إلى أنه حتى فيما يتعلق بالمعاملات الإلكترونية والرقمية هناك بعض المشكلات في الربط الإلكتروني، فضلا عن الحاجة أحيانا إلى تنسيق بشري مسبق قبل الحصول على الأوذنات والرخص الإلكترونية.
وأكد أبو حلتم أن هناك معيقات واضحة وملموسة بشكل مستمر تؤثر على بيئة الاستثمار وسهولة بدء الأعمال، حيث انه رغم التصريحات الدائمة عن وجود منصة للخدمات الاستثمارية الشاملة، إلا أن ذلك على أرض الواقع لا يبدو قائما، حيث تحتاج بعض المعاملات مراحل متعددة ومراجعة أكثر من جهة وتستمر لعدة أيام طويلة وأحيانا لأسابيع وأكثر من ذلك.
وبهدف الارتقاء بجودة الخدمات الحكومية ورفع كفاءتها، طالب أبو حلتم بضرورة الإسراع في عملية التحول الرقمي الشامل، إضافة إلى وضع آلية موحدة للخدمات الحكومية الإلكترونية، تكون متطابقة في جميع المؤسسات الحكومية والأهلية، إلى جانب وضع سقف زمني في ما يتعلق بالمدة التي يستغرقها إنجاز المعاملة الإلكترونية.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تكثيف تدريب الكوادر البشرية على الإندماج مع التكنولوجيا في ممارسة أعمالهم، علاوة وضع آلية تتيح لمتلقي الخدمة تقييمها عدا عن تطوير آلية اتخاذ القرار في المؤسسات الحكومية ومنح صلاحيات أوسع للإدارات المتوسطة والصغرى.
إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي موسى الساكت " ما تزال البيروقراطية المعقدة من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني والمعيقة لتطوير بيئة الأعمال وكذلك الاستثمار محليا"
وأضاف " ان عملية التحول الإلكتروني وأتمتت الخدمات الحكومية محليا تسير في وتيرة بطيئة للغاية، وتعكس إخفاق الحكومات المتعاقبة في تنفيذ خططها المتعلقة بالحكومة الإلكترونية والتوسع في الرقمنة والتي أطلقت منذ سنوات طويلة ".
وبين الساكت أن مشكلة تأخير المعاملات وإصدار الأذونات والرخص المختلفة، والازدحام في المكاتب الحكومية، ما تزال قائمة إلى اليوم، رغم إطلاق خدمات الحكومة الإلكترونية إلا أنها لم تغط كافة الخدمات الحكومية عدا عن الانقطاع المتكرر للنظام الإلكتروني، إلى جانب تعدد المرجعيات المعنية باتخاذ القرار وتصديق المعاملات، موضحا ان كل ما سبق يضر بالناس وبيئة الأعمال والمستمثرين.
وأكد الساكت، أن تعزيز بيئة الأعمال وواقع الاستثمار محليا يحتاج إلى الارتقاء بجودة الخدمات الحكومية، وذلك من خلال الإسراع في تتنفيذ تطوير رؤية التحديث الإداري ورفع مستوى كفاءة القطاع العام، إلى جانب التوسع في ائتمتة الخدمات الحكومية في كافة الدوائر الحكومية والرسمية.