الاستدامة المالية هي قدرة اقتصاد الدولة على خدمة الدين العام، من خلال تحقيق التوازن المالي في وضع المالية العامة، عن طريق رفع كفاءة الانفاق الحكومي وتنويع مصادر إيرادات الدولة على المدى المتوسط والطويل، وإدارة المخاطر المصاحبة لذلك، دون خفض ملاءتها المالية، أو التعرض لمخاطر الإفلاس، أو عدم الوفاء بالتزاماتها المالية المستقبلية.

 

وقد أصبحت الاستدامة المالية ضرورية على المدى المتوسط والطويل في ظل تتابع الأزمات المالية التي تحدث في العالم، نتيجة تعرقل سلاسل التوريد، وزيادة معدلات التضخم والفائدة، وشبح الركود الذي يخيم على جميع اقتصاديات الدول. لذلك، سنتطرق في هذا المقال الى أهم التحديات التي تؤثر على الاستدامة المالية، وهي معدلات الفائدة، والنمو الاقتصادي، وخدمة الدين العام، ونتناول أهم الحلول للوصول إلى الاستدامة المالية في الأردن.

 

فمعدلات الفائدة تلعب دورا مهما في الاستدامة المالية، حيث ترتبط معدلات الفائدة بعلاقة عكسية مع الاستدامة المالية، فالانخفاض في معدلات الفائدة ينجم عنه زيادة في قدرة الدولة على اصدار ديون جديدة من جهة، وانخفاض تكاليف هذه الديون من الجهة الأخرى. وبالتالي، ينعكس بشكل إيجابي على الاستدامة المالية، وبالنظر الى معدلات الفائدة سواء المحلية أو الخارجية، نجد أنها نسبيا مرتفعة في العالم، وهذا يزيد من التحديات والأعباء المالية على الدول، ويؤثر بشكل سلبي على الاستدامة المالية.

 

كما أن معدلات النمو الاقتصادي تعتبر من العوامل المهمة والمؤثرة على الاستدامة المالية، حيث أن زيادة معدلات النمو تؤدي الى زيادة التشغيل والإنتاج، ما ينعكس بشكل إيجابي على مستويات الدخل، وزيادة الحصيلة الضريبية. بالإضافة الى ذلك، فان زيادة معدلات النمو تنعكس بشكل مباشر على زيادة معدلات الاستهلاك والادخار من جهة، وتقليل معدلات الانفاق الحكومي من الجهة الأخرى، ما يخفف من مسؤولية الدولة في الانفاق الحكومي، وتقليل الحاجة الى الدين، والإسراع في تحقيق الاستدامة المالية، وبالنظر الى نسب النمو في الأردن، فهي قليلة ج?ا حيث أنها تتراوح حول 2% من عشرة سنوات، وهذا العامل من أكبر التحديات الذي يواجه الاستدامة المالية في الأردن.

 

وبالنسبة إلى خدمة الدين العام، يبقى سهلا نسبيا وخاصة عندما تكون الدولة قادرة على خدمة ديونها، وغير مضطرة للاستدانة من أجل خدمة الدين، كما أن هيكل ملكية الدين يلعب دورا مهما في تحقيق الاستدامة المالية، حيث أن الدين يمكن أن يكون داخليا «محلي» أو خارجيا «أجنبي»، وبالنظر الى هيكل ملكية الدين في الأردن، نجد أن الدين تقريبا 50% محلي، و50% أجنبي، وهذا مؤشر على أن خدمة الدين الأردني سهل نسبيا لأن نصفه محلي، حيث لا يتطلب ذلك عملة أجنبية لسدادة، كما أن تغيير شروط الدين يعتبر سهل نسبيا.

 

من الواضح أن التحديات السابقة سواء على مستوى زيادة معدلات الفائدة أو انخفاض معدلات النمو في الأردن، وتزايد الدين العام، يقف حجر عثرة أمام الوصول للاستدامة المالية في الأردن، ما يستدعي من الأردن القيام بمجموعة من الإصلاحات والسياسات الاقتصادية، وقد جاءت خطة التحديث الاقتصادي في الوقت المناسب لمحاولة زيادة النمو الاقتصادي الأردني، ويمكن أن نلخص هذه الإصلاحات والسياسات الاقتصادية كالتالي:

 

محاولة زيادة معدلات النمو الاقتصادي بالتركيز على أربعة قطاعات محورية في الأردن، الزراعة والسياحة والتعليم والصحة، فهذه القطاعات يمكن تنميتها بسهولة، فعلى سبيل المثال، استعادة دور الأردن الريادي في قطاع التعليم، من خلال حث الجامعات والكليات للحصول على الاعتمادية والشهادات العالمية مثل ISO التي تعزز موقف الجامعات الأردنية، وتجذب الطلاب الأجانب لزيادة تدفق العملة الأجنبية الى الأردن.

 

تعزيز تشاركية القطاع العام والخاص، من خلال زيادة توجيه الشركات والمؤسسات المالية والمنظمات والجمعيات والبلديات نحو المسؤولية الاجتماعية ووضع خطط محددة لهذا الغرض، لتنمية القطاعات والمناطق، ومحاولة التدقيق على خططها بشكل دوري لمعرفة ما تم إنجازه اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.

 

وتفعيل أدوات الرقابة والتدقيق على النفقات الحكومية سواء النفقات الجارية أو الرأسمالية، إضافة الى ذلك، ضرورة زيادة الكفاءة في مكافحة التهرب الضريبي.

 

وأخيرا، وضع خطة متوسطة وطويلة الأجل متعلقة في قانون الدين العام وادارته، يتم فيها توضيح كيفية سداد الديون، والنسب المستهدفة للسداد، والسنة المتوقعة لتسديد الدين، وتحديد المخاطر التي يمكن أن تواجه هذه الخطة، وتحليلها وتقييمها، ومعالجتها، والوقوف على ما تم انجازه بشكل دوري ومنتظم، للتحسين المستمر على الخطة، نتجاوز التحديات ونحقق الاستقرار المالي والاستدامة المالية في الأردن.