الغد
أندرو لاثام - (19 - فورتي فايف) 17/4/2025
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
سؤال: هل يمكن أن تشعر الصين بالإحباط الشديد من أميركا في التجارة لدرجة أنها تبدأ حربا؟
هل يمكن أن يدفع الإحباط الاقتصادي من الولايات المتحدة الصين في النهاية إلى الحرب؟
بالنسبة لمعظم المحللين الغربيين، ما تزال الفكرة تبدو خيالية للغاية بحيث لا يمكن أخذها على محمل الجد -إنها إما منفصلة جدا عن الواقع، أو بعيدة جدا عن الانسجام مع صبر الصين الإستراتيجي المفترض. ولكن، إذا كنا قد تعلمنا أي شيء في السنوات الأخيرة، فهو أن العالم لم يعد يطيع قوانين العولمة السلسة والهادئة. لقد عاد التاريخ. ونعم؛ في حين أن ظروف اليوم مختلفة تماما عن تلك التي كانت في العام 1941، فإنه ليس من "الجنون" المفرط على الإطلاق التساؤل عما إذا كانت بكين قد تقدم يوما ما على رد فعل عنيف على تزايد القيود التجارية والتقنية. في الواقع، سنكون مجانين إذا لم نفكر بجدية في هذا الاحتمال.
كيف يمكن أن تبدأ حرب أميركية - صينية في 2025
ثمة شبه قريب بين الإمبراطورية اليابانية في أواخر الثلاثينيات وجمهورية الصين الشعبية اليوم. لم يكن التطويق الاقتصادي الذي تصورته اليابان في مواجهة العقوبات الأميركية -وخاصة الحظر النفطي في العام 1941- تحديا لاقتصادها فحسب؛ لقد هدد بقاءها الوطني كقوة عظمى طموحة.
كان قطع أميركا وصول اليابان إلى السلع الإستراتيجية الرئيسية بمثابة الضربة القاضية التي فسرتها طوكيو -ليس على أنها تأخير، بل كحكم بالإعدام على طموحاتها الإمبريالية. وكانت النتيجة هجوم "بيرل هاربر".
بطبيعة الحال، ليست بكين اليوم طوكيو في العام 1941. إنها أكثر ثراء وأكثر اندماجا في الأسواق العالمية، وتسيطر على اقتصاد محلي أكبر بكثير. لكن الحداثة لم تتمكن من إلغاء المنطق الإستراتيجي لليأس. لقد كثفت إدارتا بايدن وترامب -كل منهما بطريقتها الخاصة- الضغط على الصين بشكل مطرد من خلال فرض القيود التجارية وضوابط التصدير وحظر التكنولوجيا. وباسم الأمن القومي و"إزالة المخاطر"، يخنق الغرب ببطء قدرة الصين على الوصول إلى أشباه الموصلات عالية التقنية، والأدوات، والتدفقات المالية التي كانت ذات يوم تدعم صعودها النيزكي. ولا يوجد مخرج واضح من هذا الطريق. ما يزال منطق التصعيد والانفصال والمواجهة يقود السياسة الأميركية في ظل كلا الحزبين.
وهكذا، يجدر بنا أن نسأل: ماذا يحدث إذا بدأت القيادة الصينية في تفسير الحرب الاقتصادية الأميركية على أنها وجودية؟
لا يعني هذا اقتراح أن الحرب حتمية لا مفر منها -أو حتى محتملة النشوب على المدى القريب- ولكنه يعني أننا لم نعد في عالم الترابط والاعتمادية الاقتصادية المطلقة والاعتدال العقلاني في الاختيار. ليس الحزب الشيوعي الصيني شركة استشارية تكنوقراطية تمتلك أسلحة نووية. إنه نظام لينيني لديه مظالم تاريخية وطموحات قومية وخوف عميق من عدم الاستقرار الداخلي. مثل اليابان قبل بيرل هاربر، تعتقد الصين أن لها الحق في مكانة القوة العظمى. وهي تعتقد أنها تعرضت للإذلال من الغرب وعادت الآن أخيرا إلى مكانها الصحيح على قمة التسلسل الهرمي الآسيوي. وهي لا ترى إلى الإجراءات الاقتصادية الأميركية على أنها قرارات سياسية منعزلة، وإنما كجزء من جهد منسق لاحتواء هذه العودة وإبطائها -وربما شل هذه العودة جملة وتفصيلا.
هل يبدو هذا مألوفا؟
لا يحتاج شي جين بينغ إلى تصور حصار حرفي حتى يصمد هذا التشبيه الإستراتيجي. ربما يثبت خنق التكنولوجيا بالحركة البطيئة أنه فعال بنفس القدر -واستفزازي بنفس الطريقة. قد لا تؤدي حرب واشنطن على "هواوي"، وإدراجها شركات الذكاء الاصطناعي والرقائق المتقدمة على القائمة السوداء، وتشديدها لضوابط التصدير على أدوات الطباعة الضوئية، إلى انهيار الاقتصاد الصيني على الفور، لكنها تضرب قلب الرؤية الجيو-اقتصادية طويلة الأجل للصين. تدرك الصين أنها لا تستطيع تحقيق التكافؤ مع الجيش الأميركي من دون اللحاق أولا بالركب في الحوسبة، والذكاء الاصطناعي والفضاء. وتعرف الولايات المتحدة ذلك أيضا -وهذا بالضبط هو السبب في أن حرب التكنولوجيا تشن بقوة.
بعبارات أخرى، فتحت أميركا بالفعل الجبهة الاقتصادية. فماذا يحدث عندما تقرر الصين الإجابة على الجبهة العسكرية؟
الإجابة الواقعية صارخة: عندما تتصور الدول أن تكاليف التقاعس عن العمل أكبر من مخاطر الحرب، فإنها غالبا ما تختار الحرب. وينطبق هذا بشكل خاص على القوى التعديلية التي تحاصرها ائتلافات متنافسة، والتي تخشى أن يؤدي التأخير في الرد إلى المزيد من تفاقم موقفها. وعلى الرغم من أن قادة الصين قد يبدون صبورين وواثقين في العلن، فإن هناك علامات على القلق المتزايد وراء الكواليس. فقد ارتفعت البطالة بين الشباب. وأسواق العقارات تنفجر. والاستثمار الخاص يهرب. وتعمل الدولة على تشديد قبضتها الأيديولوجية. ولا يوجد في الأفق ما يُشبه "العشرينات الهادرة" في الصين. بل هناك ركود، وخوف متزايد من أن نافذة تحقيق الأهداف الاستراتيجية في موضوعات مثل تايوان أو الهيمنة الإقليمية، قد تكون على وشك الإنغلاق.
لا ينبغي للولايات المتحدة أن توهم نفسها بأن العقوبات، وحظر التكنولوجيا، والتعريفات الجمركية، هي أدوات بلا تكلفة والتي يمكن أن "تُدير" وضع الصين إلى أجل غير مسمى. ولا ينبغي لها أن تنخدع بفكرة أن الحرب الاقتصادية أكثر أخلاقية أو أكثر قابلية للإدارة أو أقل تصعيداً من الحرب العسكرية. ليس من قبيل المصادفة أن عبارة "سبب الحرب" كانت تشمل، تاريخياً، الحصارات والحظر والعقوبات. إن الإكراه الاقتصادي -خصوصا عندما يبدو دائما- يملك قدرة خاصة على تحويل الخصومات إلى صراعات وجودية.
لو انك كنت جالسا اليوم داخل مجمع تشونغنانهاي، فما الذي يمكن أن تراه؟ سترى أميركا ما تزال قوية، ولديها القدرة على حرمانك من الوصول إلى أكثر التقنيات تقدماً. وسترى اقتصادًا داخليًا غير مستقر يعتمد على دعاية الحزب من أجل التماسك. وحلقة لا تني تضيق عليك من التحالفات الإقليمية-مثل "أوكوس"، و"الرباعية"، وحوارات "الناتو-آسيا"- التي تطوق محيطك من كل جانب. في مثل هذا السيناريو، يشرع الانتظار بصبر في الظهور وكأنه موت بطيء، في حين أن المبادرة –مثل ضربة سريعة ضد تايوان قبل أن تُحصّن دفاعاتها بالكامل، أو اندفاعة حاسمة في بحر الصين الجنوبي- قد تبدو السبيل الوحيد لكسر هذا الطوق.
يجب ألا نسقط افتراضاتنا بالاستقرار والاعتدال على أنظمة تعمل تحت ضغوط ومنظورات حضارية مختلفة جدا. بالنسبة لصناع القرار السياسي الغربيين، يشكل الاحتواء الاقتصادي إستراتيجية. وبالنسبة لبكين، قد يتم تفسيره قريبا على أنه تهديد لبقاء النظام.
ليست هذه دعوة إلى الاسترضاء. إنها دعوة إلى الواقعية. وتتطلب الواقعية الاعتراف بأن المسار الحالي للحرب التكنولوجية - الاقتصادية قد لا يكون مستداما إلى الأبد من دون إثارة رد فعل أكثر خطورة. مثلما قلل صناع القرار السياسي الأميركيون في العام 1941 من شأن المدى الذي كانت اليابان مستعدة لقطعه عندما كانت محاصرة، فإننا ربما نكون بصدد التقليل من شأن الدرجة التي تشعر بها الصين الآن بأنها محاصرة.
ليس السؤال ما إذا كانت الصين ستبدأ حربا على تعريفة مفردة أو حظر واحد. السؤال هو ما إذا كانت ستقرر أن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة يغلق جميع الخيارات الأخرى. في هذه الحالة، تتغير الحسابات. ولا تصبح الحرب الخيار الأول، بل الملاذ الأخير -ويظهر التاريخ أن لحظات الملاذات الأخيرة لديها طريقة للانفجار بشكل أسرع مما نتوقع.
ماذا يحدث الآن؟ هل ثمة حرب أميركية - صينية قادمة قريبا؟
لقد دخلنا فترة من التفكك العالمي، وليس التقارب. لم تعد التجارة تضمن السلام. وكلما زاد اعتمادنا على الأسلحة الاقتصادية، ترتب علينا الاستعداد لاستجابات عسكرية غير المتوقعة. وإذا أردنا حقا تجنب الحرب، فيجب على واشنطن أن تبدأ في التفكير بشكل استراتيجي، وليس فقط على أساس تكتيكي -لأن التاريخ لا يهتم بما إذا كنت تعتقد أن حظر تصدير أشباه الموصلات كان عملًا "تصعيديًا" أم لا. إنه يهتم فقط بما "يفعله" الجانب الآخر ردًا عليه.
في الأثناء، ما يزال ظل العام 1941 مقيما -ليس لأن التاريخ يتكرر، ولكن لأن التنافس الجيوسياسي ما يزال يخضع لمنطقه القديم. وإذا واصلنا شن حرب اقتصادية من دون أن نفهم إلى أين قد تؤدي، فإننا قد نستيقظ لنجد أنفسنا في صراع لم نتوقعه، لكننا أثرناه أكثر مما ينبغي.
*أندرو لاثام Andrew Latham: زميل غير مقيم في أولويات الدفاع وأستاذ العلاقات الدولية والنظرية السياسية في كلية ماكاليستر في سانت بول، مينيسوتا، متخصص في سياسات الصراع والأمن الدوليين. يقوم بتدريس مساقات حول الأمن الدولي، والسياسة الخارجية الصينية، والحرب والسلام في الشرق الأوسط، والأمن الإقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والحروب العالمية. وهو الآن محرر مساهم في مدونة 19FortyFive، حيث يكتب عمودا يوميا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The U.S.-China War of 2025 Could Begin over Trade and Tariffs
هامش:
(1) (أوكس) AUKUS: هو تحالف أمني ثلاثي يضم أستراليا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. "الرباعية"، أو "الحوار الأمني الرباعي" The Quad: هو تحالف غير رسمي بين الولايات المتحدة، والهند، واليابان وأستراليا.