الغد-ابراهيم المبيضين
تنحدر شركات تقنية عالمية من مستوى أخلاقي متدن إلى انخراط مباشر في مساندة حرب الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة لإغراقه في ظلام رقمي يضاف إلى الظلم الذي يرزح تحته سكان القطاع المحاصر منذ 17 عاما والذي يتعرض لقصف دموي منذ 19 يوما.
مناصرة العدوان لم تعد تقتصر على منصات التواصل الاجتماعي وتعدتها لشركتي "جوجل" و"وابل " اللتين أعلنتا قبل يومين عن تعطيل تحديثات حركة المرور المباشرة لمناطق إسرائيل وقطاع غزة عبر تطبيقات الخرائط بناء على طلب جيش الاحتلال، وهو الامر الذي فسره خبراء محليون بأنه دعم تقني جديد للمحتل على حساب غزة المحاصرة.
وأكد الخبراء أن تعطيل هذه الخدمات يأتي للتعتيم على الجانب الفلسطيني في مراقبة اي تحركات لقوات الاحتلال التي اعلنت بأنها تستعد للعدوان البري على القطاع، فيما يتفوق المحتل في الجانب التقني والاتصالاتي على غزة، المحاصرة منذ 17 عاما، التي قطع عنها خدمات الكهرباء والماء والوقود والانترنت منذ بداية العدوان قبل اكثر من اسبوعين ما يجعلهم غير قادرين على التواصل والاستكشاف احتياطا لأي عدوان بري متوقع.
وقالت شبكة "بلومبيرغ" الإخبارية ان خرائط "جوجل" و"ويز" التابعة قد عطلت تحديثات حركة المرور المباشرة لمناطق إسرائيل وقطاع غزة بناء على طلب الجيش الإسرائيلي، وذلك قبيل اجتياح بري وشيك على قطاع غزة، كما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية أن شركة أبل قد قامت أيضا من جانبها بتعطيل ميزات حركة المرور الحية المباشرة أيضا.
ونقلت تقارير إخبارية عالمية عن متحدث باسم جوجل قوله: "كما فعلنا سابقا في حالات الصراع واستجابة للوضع المتطور في المنطقة، قمنا مؤقتا بتعطيل القدرة على متابعة حركة المرور الحية وبيانات اختناقات المرور الكثيفة مراعاة لسلامة المجتمعات المحلية".
وبلغة الارقام يقدر عدد مستخدمي الانترنت في فلسطين بحوالي 3.96 مليون مستخدم، فيما تظهر الارقام العالمية بأن عدد مستخدمي الانترنت في اسرئيل بحوالي 8 ملايين مستخدم، في وقت تحاصر فيه اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة بالتحكم في شبكات وخدمات الانترنت إذ تم قطع الخدمة عن قطاع غزة في بداية العدوان.
بيد ان المدرب والمستشار في مجال الاعلام الاجتماعي خالد الاحمد يرى ان تعطيل خدمات الخرائط في غزة هو "تحيز جديد" للشركات التقنية واغلبها اميركية ودعمها لإسرائيل.
وبين الاحمد ان خدمة خرائط "جوجل" تعتمد على الاشارات المنبعثة من اجهزة الهواتف الذكية العاملة بنظام الاندرويد، وعليه تستطيع الخرائط ان تكشف عن سرعة الحركة المرورية في اي منطقة، وبالتالي تحدد وقت الوصول حسب سرعة او ازدحام المرور لأي شارع.
وبناء عليه، قال الأحمد انه في حال اتاحة هذه التطبيقات يتم رصد ازدحام حركة المرور للشوارع المؤدية الى قطاع غزة، فتعطيل الخدمة سيضع المقاومة والفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة في ظلام رقمي بحيث لن يتمكنوا من معرفة وقت دخول القوات البرية الاسرائيلية والاحتياط والمواجهة لها في حال تم تنفيذ الاجتياح البري.
ويمكن أن تكشف معلومات حركة المرور المباشرة عن تفاصيل حول تحركات القوات أو حيث تتجمع حشود من الناس. وتقوم التقنية بتجميع بيانات المواقع لإظهار مكان حدوث تأخيرات في حركة المرور.
وجاء في تقارير اعلامية عالمية بأن رسالة ظهرت للمستخدمين لتطبيق " ويز" للخرائط في المناطق الساخنة إسرائيل وغزة مفادها: "بسبب الوضع الأمني: لن يتم عرض حركة السائقين أو الاختناقات المرورية والتنبيهات الأخرى"
وأشارت التقارير الى انه يبدو أن تطبيق "ويز" ما يزال يعمل بكامل طاقته في مناطق من إسرائيل، مثل تل أبيب، بينما تم تعطيل بيانات حركة المرور الحية في خرائط في جميع أنحاء البلاد.
ومن المعروف ان خدمة "ويز" كانت تتبع شركة اسرائيلية في الاصل واستحوذت عليها شركة "جوجل" العالمية في العام 2013.
الى ذلك قال الأحمد بأن كل هذه الخطوات والتصرفات من قبل الشركات التقنية الكبرى تشي بانحياز واضح وازدواجية بالمعايير مع القضية الفلسطينية، وهي تصرفات "غير قانونية" يمكن ان يجري الشكوى بحقها دوليا وخصوصا ان طوعت ادواتها وخدماتها لمناصرة آلة القتل الاسرائيلية.
ومن جانبه، قال الخبير في مجال الاتصالات وصفي الصفدي انه بالعموم فإن تعطيل خدمات تحديد المواقع عبر الخرائط يهدف إلى تعزيز أمن العمليات العسكرية وتقليل احتمالية إلحاق الضرر بكل من الأفراد العسكريين والمدنيين في مناطق النزاع.
وبين انه غالبًا ما يكون تعطيل خرائط جوجل أو غيرها بالاضافة لأنظمة تحديد المواقع أثناء النزاع أمرًا مهمًا لأسباب أمنية من اهمها (منع او تعطيل الاستهداف) حيث يمكن للقوات المتصارعة استخدام بيانات نظام تحديد المواقع العالمي لتحديد الأهداف، مما يسهل شن الهجمات أو إجراء الاستطلاع، وبالتالي فإن تعطيل أنظمة تحديد المواقع العالمي يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم للقيام بذلك وبالتالي تكون مهمات الاستطلاع محدودة وخاصة المعتمدة بشكل كلي على انظمة الملاحة العالمية.
وأكد الصفدي ان تعطيل خدمات الخرائط يساعد في (الحفاظ على أمان العمليات التشغيلية) من خلال الحفاظ على سرية التحركات والعمليات العسكرية، مما يقلل من خطر الكمائن من قبل القوات المتقاتلة.
وأشار الى أن تعطيل أو حجب أو إيقاف نظام تحديد المواقع العالمي يؤدي إلى (تعطيل قدرات الملاحة للذخائر الموجهة والطائرات بدون طيار)، مما يقلل من دقة القوات على تحديد الأهداف وتعطيل عمليات الاستهداف.
وبين ان من الاسباب الرئيسية لتعطيل خدمات الخرائط هو ( سلامة المدنيين) أثناء النزاع، حيث يساعد تعطيل على منع إساءة استخدام بيانات الموقع لأغراض استهداف المدنيين من خلال الحد من توفر الخرائط الدقيقة وبيانات نظام تحديد المواقع العالمي وبالتالي تقليل الاضرار والمخاطر الجانبية وتقليل خطر الهجمات العرضية على المناطق المدنية أو البنية التحتية، مما يساهم في حماية المدنيين.
في العام الماضي، عطلت شركة " جوجل" العالمية حركة المرور الحية في أوكرانيا كوسيلة لحماية المواطنين عندما بدأت القوات الروسية بعملياتها العسكرية. ففي وقت مبكر من حرب أوكرانيا، استخدم المدنيون خرائط " جوجل" مشاهدة التحركات الروسية قبل ساعات من إعلان بدئها من قبل الرئيس "فلاديمير بوتين".
ويعتقد الخبير في مجال التقنية حسام خطاب بان مثل هذه الخطوة من قبل شركة " جوجل" العالمية لتعطيل خدمة الخرائط تهدف بشكل رئيسية لاخفاء التحركات العسكرية الاسرائيلية، ما يسهم في التعتيم على الفلسطينيين والحد من مقدرتهم على كشف اماكن التجمعات للقوات والمعدات الاسرائيلية وتحركاتها.
واكد خطاب بان هذه الخطة لا بد وانها مؤشر على قرب الاجتياح البري لغزة، لان التقارير الاعلامية العالمية تقول بان هذا القرار جاء بناء على طلب من الجانب الاسرائيلي.
واشار الى ان تعطيل الخدمة حتى لو طالت الاسرائيليين لا بد وانهم يمتلكون التقنيات والادوات التي تمكنهم من كشف التحركات والمواقع الفلسطينية وخصوصا في غزة.
واكد خطاب بان انتشار جوجل في جميع انحاء العالم واعتماد المستخدمين على خدماتها ومنها خدمة الخرائط تجعلنا نشعر بانها الخدمة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها في تحديد المواقع لافتا الى ان هناك انظمة وخدمات تقنية لتحديد المواقع الجغرافية في بلدان اخرى منها الروسية والصينية والهندية والاوروبية الى جانب الانظمة الاميركية المتعارف عليه والتي تتبع كلا من جوجل وابل الاميركيتين.
ويتوافر في العالم الرقمي العديد من التطبيقات التي تقدم خدمات الخرائط وتحديد المواقع الجغرافية مثل تطبيقات " جوجل مابس " و " ابل مابس" ومنها مثلا تطبيق "هير وي جو" المتوافر على أنظمة تشغيل " الأندرويد" و " الاي اوه اس" وهو يوفر خرائط مجانية لما يزيد على 100 بلد وأكثر من 1300 مدينة، وتشتمل هذه الخدمة على خرائط مشابهة لخدمة جوجل، الى جانب تطبيق "مابس. مي" الذي لا يتناسب كثيرا مع التنقل بواسطة السيارات، وهو مخصص بدرجة أكبر لراكبي الدراجات الهوائية والمشاة.
ويشار الى ان منصات رسم الخرائط العامة، مثل "غوغل إيرث"، و " ابل مابس" على الشركات التي تمتلك أقمارا اصطناعية لتوفير الصور، مثل "معامل بلانت" و"ماكسر" وهما الوحيدتان اللتان تمتلكان صورا دقيقة لفلسطين المحتلة.