أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2025

نحو فلسفة تنظيمية جديدة للاقتصاد الرقمي في الأردن

 الغد-محمد صالح

تشهد المملكة الأردنية الهاشمية تحولات متسارعة في إدراكها للفضاء الرقمي بوصفه أحد مرتكزات الاقتصاد الحديث. وفي السنوات الأخيرة، برزت جهود تشريعية وتنظيمية جادة تهدف إلى إدخال الأنشطة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي والأصول الرقمية ضمن مظلة القانون، بما يعكس إدراكًا متزايدًا بأن النضج الرقمي لم يعد ترفًا تنموياً، بل ضرورة سيادية واقتصادية في آن معًا. حيث تأتي هذه المبادرات في سياق عالمي تتسابق فيه الدول على تأطير مخرجات الثورة الصناعية الرابعة وتوجيهها لخدمة النمو والاستدامة الاقتصادية، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الجرائم الرقمية المستحدثة.
 
 
ولا شك أن التشريعات الأردنية التي صدرت مؤخرًا والمتعلقة بتنظيم الأصول الافتراضية تمثل توجهًا إيجابيًا نحو ضبط هذا الفضاء، خصوصًا فيما يتعلق بإدماج مزودي الخدمات الرقمية ضمن المنظومة الرسمية، وفرض التزامات واضحة تتعلق بالامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما تعكس تلك التشريعات رغبة في حماية المتعامل الرقمي، ومنع الفوضى التي قد تنتج عن بيئة غير منظمة.
لكن، وعلى الرغم من هذه النوايا التنظيمية المشروعة والنبيلة، تبدو الفلسفة التشريعية السائدة محكومة بثنائية المقاربة الأمنية والسيطرة أكثر من الانفتاح على التمكين الاقتصادي والإبداعي وتعزيز الريادة. فالبعض يرى أن التقنين في هذا المجال يتسم بميل واضح إلى منطق السيطرة والمراقبة، دون أن يرافقه انفتاح متوازن على الديناميكيات الجديدة للاقتصاد الرقمي العالمي العابر للحدود، والذي يعتمد على التفاعل الشبكي اللامركزي. بل إن الاستمرار في المقاربة المحلية لهذا الشأن، دون الاعتراف بالتحولات العابرة للحدود التي فرضتها التكنولوجيا، قد تُنتج حالة من الانغلاق التنظيمي تُضعف جاذبية الأردن كمركز إقليمي للاستثمار الرقمي.
فتركيز الأطر التنظيمية على منطق الترخيص المشروط والعقوبات الصارمة، دون البعد الفلسفي التشريعي الذي يشجع توفير حواضن تجريبية آمنة للابتكار بشكل حقيقي وليس فقط على الورق، أو مسارات مرنة لتصنيف وتطوير المشاريع الناشئة، يضع المشرّع في مواجهة واقع تقني متحول لا يعترف بالبيروقراطية أو الزمن البطيء للتشريع. كما أن غياب المقاربات التي تحتضن الريادة الرقمية بشكل جدي، أو التي تشجع الشراكة مع القطاع الخاص والأكاديميا، يحدّ من قدرة التشريعات على مواكبة النمو الطبيعي للتقنيات الناشئة سريعة التطور. بالتأكيد الأردن قد خطا خطوة جيدة، لكن ما يزال بحاجة لإطار أكثر تفصيلًا، خصوصًا في تصنيف الأصول، وحماية المستخدم، وخصوصية البيانات، وتأمين المنظومة من الاختراقات السيبرانية، وآليات تسوية النزاعات، وتوضيح الغموض التنظيمي.
مع العلم أن المشرّع قد غطّى بعض الفجوات في تشريعات وأطر ناظمة أخرى متبعًا نهجًا تنظيميًا موزعًا، ولكن الاعتماد على قوانين قد تكون مشتتة أحيانًا وغير متوافقة فلسفيًا في أحيانٍ أخرى قد يؤدي إلى ارتباك المستثمرين المحليين والدوليين؛ وصعوبات في الامتثال؛ وتردد الشركات العالمية في دخول السوق الأردني؛ ومخاطر قانونية في حال عدم وضوح الجهة المسؤولة أو المعايير الفنية أو شمولية التنظيم.
من هنا، فإن الحاجة أصبحت ملحّة لتطوير فلسفة تشريعية جديدة في الأردن تقوم على ركائز تشمل، تبنّي نهج تشاركي مفتوح في صياغة السياسات الرقمية، يدمج رواد الأعمال والمطورين وخبراء التكنولوجيا؛ وإنشاء مساحات تنظيمية مرنة حقيقية للتجربة والتعلم قبل الإلزام الكامل بالقواعد؛ والتمييز بين أنماط الأصول الرقمية ووضع أطر تنظيمية متخصصة لكل نوع؛ والتحول من منطق السيطرة إلى منطق التوجيه والتمكين، بما يعزز الجاذبية الاستثمارية ويعيد الاعتبار للابتكار. وفي النهاية وضع خريطة تنظيمية موحدة ومتكاملة للأصول الرقمية في الأردن، فبناء اقتصاد رقمي منتج لا يبدأ فقط من ضبط الخطر، بل من تحرير الإمكان.