الغد
أسابيع قليلة مضت على الكشف عن تفاصيل مشروع قانون الكهرباء الجديد الذي أصبح بين يدي لجنة الطاقة النيابية، وسط إشادات من قبل مختصين ومتابعين ومسؤولين من قطاع الطاقة بإنجاز المشروع الذي سيضفي - بعد إقراره - صفة الديمومة على قانون الكهرباء النافذ الذي ما يزال مؤقتا منذ وضعه موضع التنفيذ في العام 2002. وهو القانون الذي كان يحكم القطاع طيلة تلك الفترة، وتم من خلاله ووفقا لأحكامه توريط المستهلكين ببعض من إشكالات الخصخصة، ومنها بيع شركات التوليد، وإبرام عقود شراء التيار المولد بأسعار مرتفعة، وما نجم عن ذلك من ديون وصلت الى مليارات الدنانير ورفعت حجم مديونية الدولة بشكل لافت.
تلك العقود كبلت أيدي الحكومات المتعاقبة التي عجزت عن اتخاذ قرار أو التوصل إلى اتفاق يخفض أسعار التيار المولد الذي تصل إلى عدة أضعاف سعر الطاقة النظيفة ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. إضافة إلى ما يسمى» كلفة الاستطاعة» التي تلتزم شركة الكهرباء الوطنية بدفع ثمنها حتى لو لم يتم استهلاكها، والتي تصل إلى 25 بالمائة - تقريبا - من حجم الاستهلاك الفعلي.
المتتبع للقانون الجديد يتوقف عند حقيقة أنه لم يتطرق إلى الأسعار المرتفعة، والتي تشير معلومات متسربة إلى قرب رفعها مرة أخرى قريبا، ومنها ما يتعلق بمحدودي الدخل، وصغار المستهلكين. حيث ركز القانون على عمليات التوليد من الطاقة المتجددة، ومنها» الهيدروجين الأخضر»، والأنواع الأخرى، حيث سيشجع على» التوليد المستقل، والتخزين والنقل وغيرها». وهي مجالات مهمة جدا لكنها لا تعني محدودي الدخل، أو حتى الغالبية العظمى من مستهلكي التيار، الذين تشكل الفاتورة الشهرية عبئا كبيرا على دخولهم.
إلا أن قراءات لبعض المعنيين في قطاع الطاقة، لا تستبعد أن تنعكس مخرجات القانون على كلفة الطاقة من زاوية أن التوليد لغايات الاستهلاك والبيع لفائض الطاقة المتجددة المولدة يمكن أن يدر دخلا على الفرد أو المؤسسة التي تمارس تلك الأعمال. حيث يسمح القانون الجديد بذلك بترخيص من هيئة تنظيم قطاع الطاقة التي انتقلت لها هذه الاختصاصات بدلا من شركات توليد الكهرباء التي كانت تحتكر الحق في منح التصاريح.
وفي ضوء تحديد اختصاصات كل من الهيئة والوزارة في القانون الجديد الذي غلظ العقوبات على من يعبث بالعدادات الكهربائية وسارقي التيار دون أن يضع حدا لها، ودون أن ينقذ عامة المشتركين من تحمل أعباء التيار المسروق والذي يصنف ضمن إطار» الفاقد». ويسهم في رفع الفاتورة.
فالمدقق في تفاصيل هذا الملف الشائك يدرك أن المشكلة ليست في تدني حجم الغرامة المفروضة أصلا او حتى العقوبة التي تتكون عادة من سجن وغرامة. وإنما من ثغرات في مجال الحماية للشبكات والمحولات، حيث ترفض الشركات تولي عملية الحماية بطريقة أو بأخرى. وتعتبرها مرافق عامة تخضع لحماية الأمن العام الذي تتزايد الأعباء عليه، وتتطلب أولوياته التركيز على مجالات أخرى أكثر الحاحا. بينما تجني الشركات أرباحا خيالية دون أن تكلف نفسها التعاقد مع شركات حماية قادرة على القيام بمثل تلك المهمات لمنع الاعتداءات على المحولات أو سرقة التيار من الشبكة. أو حتى تخريب المحولات والشبكات.
من هنا يمكن القول إن قانون الكهرباء الجديد ما هو إلا قانون لتشجيع الاستثمار في قطاع الكهرباء، وأنه يشجع وييسر الاستثمار في مجالات التوليد والنقل والتخزين. وهذا يتطلب رأسمال لا يمتلكه عامة الناس من محدودي الدخل. الذين قد لا يتأثرون إيجابيا بتطبيقاته. بينما يستفيد الأغنياء منه إما بتخفيض كلفة استهلاكهم، أو ببيع فائض إنتاجهم إلى الشركة.
وذلك كله يعني أن على مجلس النواب أن يكثف مناقشاته للقانون، ويعيد النظر في أحكامه، فصغار المستهلكين ليسوا معنيين بتحويل القانون من مؤقت إلى دائم، ولا بعمليات التوليد بطريقة الهيدروجين الأخضر، ولا بالنقل والتخزين والتوزيع. فكل همهم تخفيض فواتيرهم بدلا من الاستمرار في رفعها. وإيجاد طريقة للتخلص من العقود المبرمة مع» شركات الخصخصة»، للوصول الى صيغة تمكنهم من الحصول على تيار بأسعار مقبولة.